الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مسلسل كورونا/ بقلم: ناجح شاهين

2020-06-09 10:05:13 AM
مسلسل كورونا/ بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

 

هذه مجموعة من المنشورات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي كنت أكتبها على عجل في سياق تطور التفاعل الاجتماعي والرسمي مع "هليلة" الكورونا. وقد فكرت في إلقاء نظرة عليها بعد أن أعلنت السلطة الفلسطينية رسمياً عن انجلاء المعركة الكورونية ووصولها إلى نهايتها السعيدة. دائماً تبدو الأشياء "فيما بعد" أوضح مما هي "فيما قبل"، لذلك قرأت المنشورات بغرض تفحص مدى عقلانيتها ومنطقيتها في محاولتها اليومية لالتقاط "الفكرة" وراء ما كان يحدث. أنشرها في هذا النص كما هي لعل الصديقات والأصدقاء يمدوني بالتعليقات والانتقادات المستفيدة من لحظة "الما بعد".أتمنى لكم قراءة بحد أدنى من الملل باعتبار أن السمة المميزة لهذا الزمن هي زوج من السرعة والملل.

(1)

4 اذار

كورونا وصناعة الخطاب المهيمن

يموت بحسب منظمة الصحة العالمية ثلاثة ملايين طفل سنويا –عدا الكبار- بسبب المجاعات. يعني يموت عشرة آلاف طفل يومياً.

هل تعرفون ذلك؟ هل سمعتم عن ذلك؟

هل تعرفون أين يموت الأطفال؟ في اليمن؟ في العراق؟ في الصومال؟ في جنوب السودان؟ أين بالضبط؟

هل هناك من قناة "مرموقة" تتحدث عن العشرة آلاف الذين يموتون يومياً؟

بالطبع لا.

كورونا فيروس يمكن أن يصيب النخبة والأغنياء والدول المستقرة التي تعيش الرفاه مثلما يصيب الفقراء.

وهذا يشكل مصدراً للقلق الرهيب والاهتمام المهول مع أنه قد قتل حتى الآن 3000 آلاف شخص من ضعاف المناعة، وسينتهي قريباً بطبيعة الحال.

لكن أحداً لا يهتم لموت الجياع الذين يقتلهم فيروس الرأسمالية المتوحشة.

لا أحد منا سمع خبراً خلال الشهر الأخير أو السنة الأخيرة عن موت الأطفال جوعاً بينما يموت بعض الناس شبعاً.
 

(2)

6 اذار

أهلاً كورونا

وصل "كورينا" على حد الهفوة التي وقعت فيها وزيرة الصحة الفلسطينية أخيراً إلى مناطق السلطة الفلسطينية دون أن يكون ذلك مفاجئاً فيما نحسب على نحو جدي لأي أحد. كان كورونا قد بدأ في الزحف داخل فلسطين التاريخية مثلما أشارت مصادر إسرائيلية منذ بعض الوقت، لكن الجهات الفلسطينية لم تغلق مجالها "السياحي" في وجه الحركة لأسباب قد تكون اقتصادية أو سياسية، وهذا بدون لبس يعني أن فرصة دخول الفيروس كانت واسعة تماماً.

ارتبك الناس وهاجوا وماجوا وأصيب قسم منهم بالذعر وانتشرت الأقنعة والكمامات الجادة والهزلية. أما الأطفال فسرت بينهم موجة فرح عارمة نتيجة لقرار الطوارئ بتعطيل المدارس شهراً كاملاً بعد أن خاب أملهم صباح أمس الخميس بخبر فحواه أن مدارس بيت لحم فقط هي التي سيتم إغلاقها.

شرع الناس فوراً في إعداد عدتهم "المعتادة" لمواجهة الأزمات والمخاطر المتصلة بالفيروس المرعب. ومثلما بدا لجزء لا بأس به من أبناء شعبنا وأمتنا قبل أشهر أن كورونا هو ابتلاء من الله للصين بسبب خطاياها المتصلة باضطهاد المسلمين الإيغور حلفاء أمريكا وتركيا الذين يجاهد جزء منهم في سوريا ضد الدولة، هكذا يظن هؤلاء أنفسهم على الأغلب بأن هذا الفيروس جند من جنود الله، وأن الله تعالي هو الأقدر من بين الفرقاء جميعاً على مواجهته. وإذا كان هذا جميلاً من حيث المبدأ لأنه يخفف من ذعر المواطنين عن طريق التوكل على الله والاستناد إلى حمايته وقوته التي لا شك فيها، إلا أنه يمكن أن يرتد عكسياً في حال اعتقد الجمهور أن التجمعات الاجتماعية والدينية والترفيهية في الأفراح وبيوت العزاء والمساجد والكنائس والمقاهي والمطاعم ليست خطيرة ما دام الله هو السبب الأوحد لما يحصل. جزء منا لا يريد حتى أن يفعل الأشياء البسيطة من قبيل تعقيم اليدين بالكحول أو حتى غسل اليدين بالماء والصابون.

من نافلة القول إن البشرية ترتد إلى مستوى ما قبل ديني، أي إلى مستوى الأسطورة كلما واجهت مشاكل/كوارث/أمراض/أزمات لا يمكن للعلم البشري أو العقل الإنساني أن يواجهها بنجاح. ينطبق ذلك حتى على المواجهات العابرة أو المؤقتة مثل حالة فيروس كورونا الذي بدأ ينحسر في الصين ولا بد أنه سينتهي قبل شهر أيار في المناطق الدافئة من قبيل "الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" التي تمثل الاسم الحركي للبلاد العربية المدمنة للتفسيرات الأسطورية للظواهر الصعبة والسهلة على السواء.

هكذا قررت طائفة من المعلمات والمهندسات وربات البيوت أن تواجه كورونا بالأدعية والقرآن. ركزنا على تأنيث الفعل لأن السيدات أكثر انتماء للأسرة من الرجال، وهن من يبادر إلى تسييج المنزل وحمايته من الخطر في مقابل أنانية الذكور الذين يؤمنون على الأغلب مثل الإناث بأهمية الأدعية في مقاومة الكورونا وغيرها من المخاطر.

هناك مواجهة "أسطورية" للفيروس تذكر تماما بمواجهة الكنعانيين والسومريين والبابليين للأمراض. مثلاً كتبت إحدى السيدات: "اللهم إن هذا الوباء قد غدا من حولنا وأمره بين يديك، فحل بيننا وبينه بلطفك وسترك وعفوك ورحمتك واحفظ بلادنا من شره وبلائه."

من الواضح أن هذه السيدة قد تقمصت موقف الحضارة العراقية التي كانت تعد مظاهر الطبيعة كلها جزءاً لا يتجزأ من حرب كبيرة يمكن أن تهدف إلى معاقبة البشر أو تهذيبهم أو ردعهم...الخ وبهذا المعنى فإن الفيضان أو المرض هو أداة أو سلاح في يد الآلهة أو الشياطين الكبار لينغصوا حياة البشر. لكن ما لفت نظرنا أكثر في هذا الدعاء هو أن هذه السيدة الفلسطينية لم تتنبه إلى هذا الموقف عندما كان الكورونا يقتحم العراق وإيران والأردن والكويت ..الخ. وهو ما يوحي بأنها لا تنسجم مع روح الدعاء الإسلامي بالتزامها الضمني بتوجيه الدعاء في نطاق الإطار السياسي الفلسطيني عوضاً عن أن يوجه الدعاء في سياق إسلامي واسع مثلاً.

ومن بين الأدعية التي ملأت صفحات التواصل الاجتماعي خلال دقائق من الإعلان عن وصول كورونا:"اللهم إنا نعوذ بك من البرص ونعوذ بك من الجنون ونعوذ بك من الجذام ونعوذ بك من سيء الأسقام." من الواضح أن الجمهور الذي يتداول هذا الدعاء يبالغ تماماً في تصنيف فيروس كورونا الذي هو بالطبع فيروس أشبه بالإنفلونزا ولا يمكن مقارنته بالأوبئة المرعبة التي كانت تجتاح بلادنا من قبيل الطاعون أو الكوليراً. لكن الدعاء كأنما ينظر إليه باعتباره من "سيء الأسقام" مما يخلق ذعراً مبالغاً به في تعاطي الجمهور مع المرض.

بالطبع شرع جزء من الجمهور في تقديم الوصفات المفيدة في تجنب المرض ومن ذلك ذكر الله والصلاة على رسول الله على نحو مستمر، وذلك لأن حركة اللسان تستجلب اللعاب مما يجعل الحلق رطباً وهو ما يغني عن السوائل –بحسب هذا الفهم- ويقي المرء من مخاطر هذا العدو الخطير.

ومثلما أشرنا أعلاه فإن فكرة الغضب الإلهي لتفسير الفيروس هي فكرة منتشرة على نطاق واسع بالترافق مع فكرة أخرى فحواها إن الله جلت قدرته يعاقب الناس بإبعادهم عن بيته. ولذلك يتركز أحد الأدعية حول ذلك: "اللهم ارفع غضبك عنا ورد المسلمين إلى بيتك رداً جميلاً". وانطلاقاً من ذلك فإن الخوف من الكورونا لا مسوغ له باعتبار أنه إنما يصيب من يريد الله لذلك. وربما يصيب تحديداً العصاة والفاسقين والكفار. وقد ذهب بعض الناس مثلما هو متوقع إلى توضيح الفوائد الجمة للفيروس والمتمثلة في ردعه للمظاهر الفاسقة والخليعة من قبيل السهر في المطاعم والكوفي شوبات...الخ.

في السياق أعلاه كتبت إحدى السيدات: "كيف نخاف من فيروس كورونا وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لو نزلت صاعقة من السماء ما أصابت مستغفراً. استغفروا". هناك إصرار واضح على اقتراح سببية لا علاقة لها بالسببية العلمية تختصر ما يحصل في الواقع في سبب واحد هو الله وتختزل الوقاية في التقوى والاستغفار والدعاء...الخ. ولا بد أن العلاج يدور حول الطريقة نفسها.

نتوهم أن الخطر الذي تمثله هذه الطريقة في التفكير خطر مزدوج قد يساهم في تعرضنا لخسائر افدح بسبب المرض من ناحية، ولكن هناك الخطر الدائم لتقويض فرص التفكير العاقل المستند إلى قواعد المنطق وأصول إنتاج المعرفة في فروع العلم المختلفة عن طريق الاكتفاء بفكرة السبب الواحد أو الفاعل الواحد "الأشعرية/الغزالية" التي تهيمن على عقل البسطاء من المحيط إلى الخليج وتستخدم على نطاق واسع لتفسير الظواهر المختلفة إن تكن سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو صحية بغض النظر عن كونها فردية أو جماعية.

ربما يجدر بنا أن "نستغل" هذا الضيف الثقيل الظل لكي نحاول "إنعاش" عقلية الانضباط والالتزام بقواعد النظافة ومبادئ الوقاية العامة، والتعاون الإيجابي المثمر في سياق المقاومة الجمعية لخطر عام يفتقر إلى العقلانية التامة أو إمكانية التوقع الدقيق. ينبغي أن يكون فرصة لإرساء العقلية الجمعية المتعاونة في نطاق الحيز العام الذي اعتدنا من المحيط إلى الخليج على النظر إليه بوصفه المشاع الذي لا يخص أحداً، أو النطاق الذي يتسابق الجميع في تدميره أو تشويهه أو سرقته.

في المواجهات الكبرى إن يكن في المرض أو مواجهة عدو خارجي سياسي تتجلى قدرة الانتماء الجمعي الواعي على مواجهة العدو ودحره. ربما لهذا السبب لم نقع في أية أوهام باتجاه مدى خطر الفيروس على الصين الشعبية. لقد أثبتت الصين في التجارب المختلفة في مواجهة الأزمات السياسية والصحية وغيرها أنها تعرف كيف تنسق جهود أبنائها الشجعان الأذكياء لدحر العدو. ربما يجدر بنا أن نفكر هنا في فلسطين وباقي بلاد العرب بالطريقة ذاتها خصوصاً أن لدينا أعداء سياسيين أشد خطراً من كورونا بألف مرة.

اليوم الثامن(3)

7 اذار

الف تحية للصين

يقال ان الصين قد استغلت حالة الذعر الناجمة عن الكورونا واشترت أسهم الهاي تيك والكيماويات التابعة للاستثمار الغربي عندها بسعر التراب.

الف تحية للصين

هكذا تتحول الأزمات إلى فرص والكوارث إلى منافع.

كورونا ينحسر في الصين لتخرج منه أقوى.

الدور على ابو عرب خصوصا مصر التي تنفي وجود المرض بينما تجد الدول الأخرى أن القادمين من مصر يحضرون معهم الكورونا قبل أي شيء.
 

(4)

10آذار

الله أكبر في مواجهة كورونا والكفار

يدخل "المجاهدون" ميدان المعركة وهم يهتفون الله أكبر.

هكذا يقاتل جنود الجيش "الوطني" "السوري" المدعوم تركياً.

لكن تعرفون ان داعش عندما دخلت "الباب" قبل سنين هتفت أيضا "الله أكبر والعزة للإسلام."

كذلك تفعل جبهة النصرة وحزب الله والجيش السوري والقوات الكردية والعراقية.

ومن أجل تصعيب اللغز على المواطن العربي البسيط ينقصنا فقط أن يبدأ الروسي والأمريكي في ممارسة الهتاف ذاته باعتبار أن التركي والقطري والأردني....الخ يهتفون العبارة نفسها.

اليوم يدعو المسلمون من الطوائف المختلفة أن يعصمهم الله ويعصم أقاربهم وأحبتهم وجيرانهم..الخ الخ من خطر كورونا. كورونا "جندي" من جنود الله، ولا بد أن الله سيحمي "فرقته" الناجية من شر الفيروس اللعين، بينما ستقع الفرق الضالة في شر أعمالها.

لم يحدث في العصر الحديث أن كانت الأيديولوجية المستخدمة غطاء للمصالح موحدة إلى هذه الدرجة. ولسنا نعرف هل يفرح المسلم البسيط لذلك ام يحزن. لكننا على يقين انه يضيع ويعاني أشد المعاناة في تحديد اتجاه البوصلة.

كان الله في عون البسطاء من أبناء هذه الأمة.

(5)

12 اذار

فسطين في زمن الكورونا

كأنما جب الفيروس ما عداه من هموم. هكذا اختفت على نحو شبه كامل الأحاديث المتصلة بصفقة القرن ويوم المرأة العالمي وهموم الاقتصاد والتعليم ومعاناة قلنديا وجهاد من يجاهد في سوريا وليبيا والعراق، ناهيك عن تراجع الحملة العجيبة ضد الصين التي ترافقت مع فكرة العقاب الرباني الموجه إليها على شكل فيروس كورونا بالذات. أصبح كورونا فجأة هماً محلياً خالصاً، واختفى الكلام كله عن كورونا الصين كأنه لم يكن منذ أيام أو أسابيع جندياً مخلصاً من جنود الله مسلط على عنق الصين وحدها دون غيرها.

فجأة تحرك الهم "الأنطولوجي" المتصل بالحياة والموت في قلوب الجميع، الكبار قبل الصغار. "اكتشف" الناس فجأة أن هناك موتاً أو شبحاً للموت اسمه كورونا يخيم في سماء المدن الإسمنتية من قبيل رام الله وبيت لحم ونابلس والخليل. بالطبع هناك من يشتم رائحة العدو الغادر في ملابس القادمين من عمان أو القاهرة أو أوروبا...الخ. فجأة ظهر الموت وحشاً يتجول في شوارع المدينة الخالية تقريباً من السكان. يتفرس الناس بحذر شديد في وجوه بعضهم بعضاً، يحتفظون بشيء من المسافة لأول مرة في تاريخهم. حتى الشبان الصغار لا يحاولون الارتطام بأجساد الفتيات الماشيات بالمقدار نفسه من الحذر قرب دوار الساعة أو بوظة ركب. "الروح" أغلى من كل شيء، ولا شك أن غريزة البقاء تنتصر على غريزة الجنس. بإمكان الشهوات جميعاً أن تنتظر ريثما نتأكد من أن وحش الكورونا قد ابتعد عن المدينة.

لكن أحداً في المدينة لا يملك الخبر اليقين: ترى متى يرحل كورونا ونعود سيرتنا الأولى "نتسلى" بتكرار القصص التي سبق لنا تكرارها إلى ما لا نهاية؟ طعم يذكر بمنع التجول في أيام الانتفاضة، والإضرابات وإغلاق المدن، إلا أنه هذه المرة منع ذاتي للتجول. الناس فجأة تكتشف رعب الموت كما لو أن هذا الوحش الذي يقهر بعل الكنعاني كل عام لم يكن له وجود في ألف شكل وشكل. كأنما كان الإنسان خالداً لا محالة لولا هذا الزائر "الصيني" الكريه.

يرمق الناس الفتاة الشقراء التي تمسك بيدها خسة وباليد الأخرى سيجارة بيضاء بالكثير من عدم الارتياح ويبتعدون عنها بسرعة. لا أحد يريد أن يقترب منها ويحظى بمخاطبتها بالإنجليزية الأثيرة على القلوب، ويمتع نفسه بمتع متعددة في وقت واحد: يتحدث الإنجليزية مع امرأة شقراء أوروبية من ذلك الجنس الذي يسحرنا بسهولة نسائه المفترضة، ناهيك عن تفوقه العلمي والاقتصادي والسياسي. متعة فوق متعة فوق متعة، طبقات من المتع التي لم يعد أحد يريدها خوفاً من أن يكون كورونا مختبئاً في ثنية من ثناياها.

ينسى الناس على نحو عجيب أن انتخابات إسرائيلية "هامة وحاسمة" قد وقعت منذ أيام، وأن ملك إسرائيل بنيامين (ابن اليمين، ولكل من اسمه نصيب) ربما يتمكن هذه المرة من تشكيل الحكومة "المتطرفة" التي ستقوم بخطوات رهيبة لاجتثاث ما تبقى من شعب فلسطين وامتصاص ما تبقى من مياهها والاستيلاء على أغوارها وجبالها وأريافها في غفلة من أمة عربية مفترضة ما عادت قادرة على مواجهة أي هم من الهموم، وإن يكن فيروساً صغيراً بحجم الكورونا.

يعلم الناس جميعاً أن وزارة الصحة الفلسطينية مثلها مثل وزارات الصحة في العالم كله لا تمتلك أية إجابة جدية على مقدار الخطر الذي يشكله الفيروس على الفرد. الأرقام الإحصائية لا تسمن ولا تغني من جوع. هناك نسبة ضئيلة من الإصابات تتطور باتجاه الموت، لكن ذلك قد يكون مفيداً لمنظمة الصحة العالمية أو دائرة الأبحاث في جامعة جون هوبكينز في بالتيمور شمال أمريكا، أما الفرد الذي يقيم في الأمعري أو حلحول أو شويكة، فإنه لا يعلم إن كانت النسبة الضئيلة ستشمله شخصيا أم لا. لذلك لا تفيد الأرقام في طمأنة الناس الأكثر انكشافاً والأقل قدرة على حماية أنفسهم من العدوى. لذلك فيما نحسب انتشرت ملايين الفيديوهات والرسائل التي تتحدث عن الأغذية التي تقي والإغذية التي تحمي والأغذية التي تشفي...الخ. وهناك من ناحية أخرى رسائل من قبيل: "انشري يا غالية، هذا الدعاء يحمي من الأمراض والأسقام كلها." يتناقل الناس الذين سبق لهم أن شاهدوا الراحل صدام حسين على القمر وحلموا به وهو يدخل الخليل ونابلس وجنين ورام الله...الخ يتناقلون الأدعية المأثورة القادمة من الاتجاهات كلها. في هذا السياق وصلني مثل غيري أدعية منوعة بما في ذلك أدعية تستعين بسيدنا الحسين وسيدنا علي وستنا زينب ...الخ لكنني لم أعلم لسوء الحظ شيئاً عن الصلوات التي يتناقلها أبناء شعبنا من الديانة المسيحية في السياق ذاته.

البعض يحاول أن يحتفظ برباطة جأشه ليروي طرفاً ذات نكهة "تتظاهر بالشجاعة" من قبيل إنه إذا كانت القيامة ستقوم، فإن من غير المعقول أن تقوم وباب التوبة مقفل بسبب إقفال الكعبة والمهد والقيامة والأقصى ودور العبادة المختلفة. لكن هذا النوع من الطرف لا يتم تناقله على نطاق واسع، أو هذا على الأقل الانطباع الذي وقعنا تحته.

رئيس الوزراء في السلطة الفلسطينية أوضح بأن الأرقام عن الإصابات الحالية ليست نهاية المطاف، لأن علينا أن ننتظر حتى تنقضي مدة حضانة المرض (أسبوعان بالتمام والكمال) من أجل أن يتضح كم شخص أصيب في سياق ما حدث في بيت لحم. بالطبع ليس هناك أي ضمان من أن ينتقل المرض بطرق أخرى داخلية غير "الاستيراد" من الوافدين والغرباء. يقول بائع "البسطة" دون أن يعي أن ذلك يرعب الناس المرعوبين أصلاً: "ربما لن نجد الخضرة في وقت قريب." أحببت أن أكون ظريفاً فقلت له: "مش مشكلة، المهم أن نجد الفواكة." فنظر إلي شزراً وسكت، أما جمهور المتسوقين فنظروا إلي من غير مودة، لسان حالهم يقول: "بترش على الموت سكر."

بعد أن بدأت عمليات إغلاق المقاهي والكافي شوبات والمطاعم التي يعشقها الناس في فلسطين شأنهم شأن إخوانهم في الأردن ولبنان ومصر...الخ بدا أن نقلة نوعية قد تعرض لها الوعي الشعبي مستشعراً خطراً داهماً وشيكاً. كان الفيروس يحوم هناك في مكان ما، ولكنه بدأ يحوم حولنا في جونا وفي تنفس جيراننا والناس الذين يمشون في الشوارع. لأول مرة يحس الناس أن العدو فعلاً قد اخترق أسوار المدنية. لم يغب عن بالي وأنا أسير على قدمي في شارع الطيرة المزدحم بالكافيهات المغلقة أن السيارات مغلقة الشبابيك على الرغم من ارتفاع الحرارة النسبي. ترى هل يخشى الناس أن يتسرب الفيروس من الشبابيك؟

ليس في مدينتنا من هو قلق كثيراً فيما يتصل بحسابات مثل حسابات ميشيل تشوسودوفسكي الذي يذكرنا بأن فيروسات معينة في الماضي قد ضخمت كثيراً بغرض ترويج لقاحات وأدوية تنتجها شركات أمريكية. لسنا سوقاً مهمة ولن نشتري شيئاً. في أغلب الأحوال يمكن أن نتلقى المطاعيم إن وجدت على شكل تبرعات أو هبات من هنا وهناك. اقتصادياً لسنا الصين الشعبية لنتوهم أن أحداً مهتم بضرب اقتصادنا عن طريق رعب المرض. نحن اقتصاد يعتمد على المساعدات الخارجية التي تأتينا على شكل فتات يتساقط من موائد دول كبيرة وغنية لا يساوي ما تدفعه لنا أكثر من مصروف جيب لطفل في الروضة. لذلك ليس انهماكنا بتكذيب جدية خطر الكورونا حاراً مثلما هو الحال مع بعض مفكري اليسار أو المؤسسات الإعلامية الصينية. في الأحوال كلها نحن نميل إلى نظرية المؤامرة، ولكن ذلك يأتي في باب التسلية وإزجاء الوقت لا أكثر، لأننا لن نفعل أي شيء يترتب على مقولاتنا عن المؤامرة. فقط سنزجي الوقت الطويل الذي نحياه بدون مقاهي بانتظار أن نعود إليها.

دبت الحياة في النشاط الجمعي للفصائل والمنظمات الأهلية على السواء. جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية التي يرأسها مصطفى البرغوثي وزعت منشورات حول كورونا وسبل الوقاية منه، كما علقت ملصقاً كبيراً على الجدران في أماكن متعددة وسط مدينة رام الله يحمل المحتوى ذاته. الشبيبة الفتحاوية استنفرت لمواجهة الفيروس. وقالت الشبيبة إن هماً وطنياً كبيراً لا بد من مواجهته. كذلك تم استنفار دائرة السير والمرور من أجل تعقيم المركبات وتخفيف الازدحام في مجمعات السفر بين المدن.

في هذا السياق يتابع المواطنون على نطاق واسع ما يجري بشيء من القلق والخوف والفضول. تتوقف الاهتمامات الحياتية المختلفة أو تتأجل بانتظار مرور الحالة الراهنة. يبدو وكأن "الحياة" العادية قد اختفت مؤقتاً، لكن ذلك فيما يقول البعض اختفاء زائف. لا بد أن الفيروس سيختفي قريباً مثل الفيروسات المختلفة التي ظهرت واختفت. وسوف نعود لمواجهة الحياة الفعلية العادية بخيرها وشرها. لذلك يجدر بنا أن لا ننسى في سياق انغماسنا في "عالم كورونا" أن هناك أكواماً من المشاكل والتحديات التي تواجه فلسطين وعلى رأسها الأخطار الأشد بطشاً التي تمثلها الخطط الصهيو/أمريكية التي تتصاعد وحشيتها يوماً بعد يوم وتتجه بتسارع مخيف نحو تقويض ما تبقى من حقوق فلسطينية.

(6)

18 اذار

كورونا يعجل الصعود الصيني؟

الأزمات والحروب الكبري هي التمهيد الضروري لهبوط قوة مهيمنة وصعود أخرى.

ربما أننا نشهد مثل هذه اللحظة الآن.

أوروبا "حايسة لايصة"، وأمريكا تتخبط إلى درجة أن رئيسها المعتوه يريد أن "يختطف" العلماء الألمان لكي ينتجوا له الترياق الشافي من الكورونا، بينما بورصة نيويورك تخسر 12 تريليون دولار (12 ألف مليار دولار).

الصين بهدوئها المعروف تتعامل مع الظاهرة باقتدار وثقة وفاعلية. و"تساعد" الآخرين وتنتقد المقصرين من قبيل السويد والنرويج وصولاً إلى التنديد بحصار أمريكا غير المسؤول المضروب على إيران.

ربما يخرج العالم من "أزمة" كورونا بصعود صيني جديد سياسياً واقتصادياً وعلمياً.

ربما نشهد بداية النهاية لعصر الهيمنة الأمريكية.

(7)

20 آذار

في سياق كورونا

قرأت على علبة السجائر ان التدخين يسبب المشاكل للمرأة الحامل فابتسمت بغباء الذكر المعروف لأنه لا يسبب العجز الجنسي.

حاشية...قتل جنديان تركيان وجرح ثالث.

أظن انهم مثلي مصابون بوهم التستيرون الأحمق.

الحب كله لسورية من النقب إلى إدلب ومن العقبة إلى طرابلس

(8)

21 أذار

كورونا سورية

لا تفوت وسائل الإعلام الخليجية القطرية والإماراتية والسعودية فرصة لكي تهاجم سوريا وتغمز من قناتها.

في هذا السياق يتم الهجوم الآن على سورية لأنها خالية من كورونا أو لأنها تزعم أنها خالية من المرض.

من الملفت للنظر والمثير للسخرية أن قنوات قطر المختلفة على سبيل المثال الجزيرة والعربي لا تجد أمراً عجيباً أن مناطق "المعارضة/الثورة" في إدلب خالية من المرض بينما يبدو أمراً مثيراً للسخرية حد الموت ضحكاً أن سورية "النظام" خالية حقاً من الوباء.

هذا بالطبع غيض من فيض من إسفاف الإعلام الخليجي الذي يريد بأي شكل أن يلحق الخسائر بسورية حتى إذا استدعي الأمر الاستعانة بقوى الطبيعة ذاتها.

حاشية: نتمنى أن تكون سورية والبشرية كلها بمنأى عن الأوبئة والشرور كلها. ونتوهم أنه لا داعي أن تقوم سورية أو غيرها بإنكار وجود المرض إن كان موجوداً بالفعل. ليس الأمر جريمة أو تهمة أو عاراً ارتكبه هذا النظام أو ذاك خصوصاً بعد أن أصبح المرض وباء كونياً بالفعل.

(9)

22 اذار

لماذا نجحت الصين في مواجهة كورونا

لأنها بلد شمولي دكتاتوري يسيطر على تفاصيل حياة المواطنين.

فقط...

نعم فقط.

المصدر... الحكمة المشرقية بالذات التي تفيض من إعلام قطر والامارات.

حاشية..إذا فشلت قطر لا سمح الله في مواجهة المرض فإن السبب هو الديمقراطية والتعددية والحرية التي تقطر من شفتي تميم وعينيه.

(10)

24 أذار

كورونا: انتقام الله والإنسان الطبيعة

هتلر يعود بكل قوته لينطق عبر شفتي بوريس جونسون: لسنا في حاجة إلى الضعاف. فليمت من لا يمتلك قوة الجنس الآري العظيم. ولا بد أن داروين حاضر في المشهد: الانتخاب الطبيعي هو أفضل وصفة لتحسين السلالة البشرية خصوصاً في بريطانيا المتآكلة منذ عقود.

سبقت إيطاليا الجميع بإرث موسوليني العظيم: ربما أن هناك من تعمد ترك الحبل على الغارب. بالطبع ستلحقها بريطانيا قريباً.

توقف الحديث العربي (الإسلامي؟) عن انتقام السماء من الصين بسبب "جرائمها" الحقيقية أو المدعاة بحق المسلمين الإيغور. لم يخطر ببال أي منا في ذلك الزمن البعيد جداً أن نسأل: لماذا تنجو إسرائيل من العقوبة؟ عموماً ها هي العقوبة تصل الجميع بمن فيهم المنطقة العربية، وكذلك دول مجاهدة من قبيل قطر وتركيا.

توقف الحديث تقريباً عن "جرائم" النظام السوري في إدلب في مقابل بطولات الأتراك والمعارضة، لكن بدأت نشيدة جديدة تتصل بإخفاء النظام السوري لانتشار فيروس كورونا عنده.

لا غرابة في خلو مناطق المعارضة السورية من الفيروس لكن من المدهش بالنسبة للإعلام الخليجي النابه أن تكون مناطق "النظام" خالية من المرض.

أخيراً برهن ترامب على أنه قد يكون النجم الأخير في أزمنة الهيمنة الأمريكية المطلقة، فها هو يضرب على غير هدى في متاهات كورونا الواسعة، بينما تتقدم الصين لتقوم بدور القائد والمرشد للإنسانية في صراعها ضد كورونا وحماقات الجنس الأبيض على السواء.

(11)

25 أذار

جامعات الضفة في زمن كورونا

أول شي بدون رغبات نرجسية في حماية الذات: لا يوجد عندنا أية جامعة "حرزانة". وكان رأيي دائماً هو أن القدس المفتوحة هي "أصلح" جامعة محلية بالنظر إلى أنها تقدم محتوى "كبير" واضح المعالم قابل لأن يحفظ غيباً بمقدار من السلاسة ودون تعقيدات.

ثانيا: نعلم جميعاً أن الجامعات تعيش ضائقة مالية وأنها لا "ترغب" في الاستغناء عن اقساط الطلبة. لذلك فإن بعضها تحاول جاهدة التظاهر بإمكانية مواصلة التعليم من أجل مواصلة جمع المال للإنفاق على موظفيها ونفقاتها الجارية عموماً.

ثالثا: ينبغي في توهمنا، وبحسن نية كاملة، إيقاف "تمثيلية التعليم حالياً والبحث عن مصدر مساعدات مالية يغني الجامعات عن الأقساط لحين مرور الأزمة الكورونية.

لا داعي فيما نزعم للهبوط بالتعليم المحلي أكثر مما هو هابط أصلا.

(12)

26 اذار

العمال مع كورونا والثقافة السائدة

الثقافة السائدة هي ثقافة الطبقة السائدة.

هذه المقولة من أكثر المقولات "الماركسية" شيوعاً. وهي تحدد بوضوح أن لأفكار الطبقة المسيطرة قدرة على اختراق مجموع الطبقات والمجتمع بألوانه المختلفة.

براحة تامة يستطيع أي شخص لديه دخل من الوظيفة أو من حساب بنكي لا ينفد أن يوجه النقد للعمال الذين يذهبون إلى إسرائيل ويستوردون الوباء بدون أي حس بالمسؤولية المجتمعية أو الخوف على أهلهم أو أطفالهم...الخ

لا يفكر قطاع الرأسمال الذي يساوم على كل شيء من أجل تعظيم أرباحه في حاجة العمال إلى الشواكل القليلة التي تقي أسرهم شر التسول والمجاعة. ولا تفكر أجهزة السلطة (أو لا تستطيع) أن تقدم البديل الذي يوفر للناس الحد الأدنى من احتياجات الحياة.

على فكرة نحن مجتمع عادي، مثل غيرنا من المجتمعات، أصبحنا هكذا منذ بعض الوقت، ويمكن لأي شخص أو أسرة الوصول إلى حافة الجوع إذا لم يكن هناك دخل منتظم او متقطع.

إذا كان هناك احتمال خطر كورونا يتهدد العمال، فإن هناك خطر قائم بالفعل يمثله الجوع بالنسبة لهم.

صباحكم أمل بمجتمع يكافح الأكاذيب الرأسمالية بقدر ما يتظاهر بمكافحة الكورونا.

حاشية: في الرأسماليات "الحقيقية" تركوا الناس تموت خوفاً من تعطيل ماكينة الربح الرأسمالية، فهل نتوقع أن يأتي الخير من أشباه الرأسماليات؟

(13)

27 اذار

أمريكا تتصدر العالم

نعم أمريكا وصلت إلى رقم واحد في أعداد المصابين بالكورونا.

أمريكا التي تمتلك أضخم المشافي ومراكز الأبحاث والجامعات وكليات الطب..الخ

أمريكا مايوكلينك، وجون هوبكينز، ومشفى جامعة بنسلفانيا، وستانفورد، وهارفارد...الخ

كان المواطنون السود الفقراء يسألونني ببلاهة: هل تذهب إلى مشفى الجامعة؟

نعم نعم أنا أذهب.

لكن كيف؟ من أين لك بالمال؟

كانت زيارة مشفى الجامعة من أجل فحص يتصل بالتهاب لوز على سبيل المثال تكلف حوالي 500 دولار. بالطبع يتلقى المريض خدمة عشرة نجوم أو أكثر. لكن هذا متاح لقلة قليلة جداً من الكائنات الإنسانية. أما باقي الناس فليس لهم مكان في النظام الصحي على الإطلاق لأنهم لا يمتلكون المال الذي يمكنهم من تلقي هذه الخدمات الباهظة الثمن.

ولكن ما العمل عندما تحل بنا كارثة وبائية حقيرة مثل كورونا السخيف؟

لا شيء، ينكشف الطابع النخبوي الضيق للنظام الصحي العاجز عن تغطية "هموم" اوسع قليلاً من هموم النخب المالية.

هذا بالضبط ما يعنيه عجز نيويوك "العظيمة" عن مواجهة كورونا بينما لم تعجز الصين ولا يمكن لكوبا الصغيرة المحاصرة أن تعجز.

إنه مجتمع الرخاء إلى درجة البذخ المنفلت من كل عقال في عالم الأغنياء بينما هو مجتمع ضيق الحال إلى درجة العجز عن توفير بضعة أقراص من المضاد الحيوي أو بضعة أرغفة من الخبز في عالم الفقراء الذين يهيم جزء منهم على وجهه دون مأوى.
 

(14)

29 اذار

الإعلام القطري

يبحث بالطرق كلها عن حالات كورونا في سورية بغرض إدانة الدولة السورية.

طيب المرض ينتشر في العالم كله لماذا يجب ان يكون النزام السوري مجرما بشكل خاص في حال انتشار المرض....

اللهم ثبت علينا العقل والإيمان ووفق قنوات قطر إلى طرق أخرى لمهاجمة سورية غير الطرق الهبلة والمعتوهة.

(15)

30 لآذار

كورونا خطير جدا

والدليل على ذلك أن وسائل الإعلام المختلفة ليس لها شاغل غيره علما ان عشرة آلاف طفل يموتون يوميا بسبب مرض الجوع الملازم للرأسمالية المتوحشة.

(16)

31 لآذار

الديمقراطيات المتوحشة

عندما ضرب إعصار كاترينا لويزيانا جنوب الولايات المتحدة ترك الموتى يعومون على سطح المياه اياماً وأسابيع حتى أصبحوا طعاماً للجرذان والتماسيح.

كانت الولايات المتحدة بكامل غطرستها تقتل خارج أمريكا في افغانستان والعراق وغيرهما من بقاع العالم الموبوءة بفيروس الرأسمالية المتوحشة.

اليوم يضرب "إعصار" كورونا أمريكا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا وفرنسا والمانيا...الخ أين هي قوة الدولة ومواردها الهائلة التي لا مثيل لها في التاريخ؟

اختفت. اختبأت. لأنها منذورة للحرب والقتل والدمار وكل ما يخدم تراكم الثروة الرأسمالية.

أنا رجل معاد للديمقراطية بامتياز، الحق أقول لكم القصة الأساس بالنسبة لي في منطقتنا هي مقدار قربك من محاربة الاستعمار العالمي، وخصوصاً الذي يعمل على ابتلاع فلسطين، وكذلك الذي يهدد شمال العراق وسوريا. أما في باقي العالم، فإن مقياس خدمة الشعوب وحمايتها في مثل هذه الأوقات هي الأهم من الذهاب التافه إلى صناديق الاقتراع.

الديمقراطية ايديولوجيا: كذبة سياسية و "علمية" لا قيمة لها.

هكذا برهن أساطين الديمقراطية الكبار في غرب أوروبا وشمال أمريكا.

(17)

1 نيسان

ين التنمية الصينية والتنمية الفلسطينية

تدعي الصين أن التنمية تعني بناء الصناعة والزراعة والعلم والقوات المسلحة.

وتدعي أن الفائض من المردود الصناعي يجب أن يدعم الصحة والعلم والتعليم.

وتدعي أن الناس الأصحاء المبدعين سيطورون الإنتاج والرخاء ويدافعون عن الوطن والأمة.

أخيراً تدعي أن القوات المسلحة القوية والقادرة على الردع هي الضمان الوحيد لحماية البلاد والمحافظة على استقرارها وازدهارها في مواجهة أخطار أهم بكثير من السارس والكورونا.

صباح الأمل العربي من المحيط إلى الخليج بعد أن أصبح الأمل في اضمحلال الحقبة السعودية التي صعدت مع صعود النفط سنة 1973واقعيا بالفعل.

حاشية: نحن في فلسطين نتحدث عن شيء اسمه "التنمية المستدامة" وهو أحد اختراعات البنك الدولي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة.

(18)

1 نيسان

عمالنا والموت جوعا

يجب البحث عن حل.

لكن نشيدة ما حدا بجوع في بلادنا ليست لطيفة.

الناس تموت جوعا أو تتسول الرغيف أن لم يكن لديها دخل.

تذكروا...

إخوتنا في السودان يقتلون اليمن وليبيا ويعرضون أنفسهم للقتل من أجل بعض الدراهم...

وللمرة الألف اقول يموت عشرة آلاف طفل كل يوم بسبب الجوع..

ولا حس ولا خبر...

يعني الموضوع على رأي علي بن أبي طالب حمال أوجه

ولا داعي للهجمات المنفلتة ضد العمال.

(19)

2 نيسان

طبيب "يساري" يكتشف طريقة لمواجهة الكورونا

طبيب "يساري" كتب "اللهم إني استودعتك نفسي وأهلي وبلاد المسلمين. اللهم اصرف عنا الوباء والبلاء".

ممتاز. دعاء الله في اوقات الشدة متوقع حتى عندما يأتي من طبيب شيوعي.

لكن لماذا لم يشمل "إخوتنا" الكفار بالدعاء؟

غالباً هم من سيخترع الترياق الذي يحمينا من البلاء والوباء.

أم تراني مخطئاً؟

حاشية:1. نحن أمة موحدة من حيث بنية الفكر، ولا فرق بين علماني أو يساري أو شيوعي أو مسيحي أو مسلم. وهذا يبشر بوجود فرصة لبناء الأمة العربية على قاعدة التواكل والدعاء بدون العمل أو أي مقدار من القطران.

2. حبذا لو شملت هذه النظرة المتواكلة بعطفها فئة العمال المساكين الذي تتم شيطنتهم الآن على نطاق واسع.

(20)

2 نيسان

العمال وأزمة المجتمع الفلسطيني

فجأة انتهت الشرور كلها من العالم. اختفى الجوع والسرطان والجلطات والجريمة والاحتلال ولم يبق من عدو يتربص بالناس هنا وهناك إلا فيروس كورونا. في هذا السياق امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي باللوم والعتب والتقريع تجاه العمال الذين يكسبون قوت يومهم من العمل في "إسرائيل". دعونا نتفحص مدى مسؤولية العمال عن هذه الوقائع ومدى واقعية مطالبتهم بالتوقف عن العمل بعيداً عن الأوهام والتخيلات.

كان بإمكان السلطة الفلسطينية نظرياً أن توجه تعليماتها إلى عمال "الداخل" بالامتناع عن العمل. بل نزعم أنه كان بإمكانها نظرياً أن تمنعهم فعلياً من ذلك. ونستطيع أن نمضي أبعد من ذلك قليلاً ونقول إنه كان بإمكانها أن تغلق الضفة فور اكتشاف الحالة الأولى للسياح الطليان، لكنها انتظرت حتى وقوع الإصابات في فندق في بيت لحم. على الرغم من ذلك يمكن القول إن السلطة الفلسطينية سارعت بالفعل إلى اتخاذ أشد الإجراءات المتاحة، مما استدعى أن تتلقى الثناء من منظمة الصحة العالمية.

لكن لا يخفى على أحد أن الاقتصاد الفلسطيني لم يتأثر جدياً باجراءات السلطة. وباستثناء قطاع المطاعم والمواصلات فإن الحياة الاقتصادية تسير على نحو طبيعي. هناك قطاعات الخدمات والاتصالات والمصارف التي لا علاقة لها بالفتح أو الإغلاق. ربما العكس هو الصحيح: الناس "تستهلك" إنترنت وكهرباء ومياه...الخ في أوقات الإغلاق أكثر مما تفعل في أوقات العمل. أما قطاع التعليم الضخم فإنه قطاع غير منتج بطبيعة الحال. ويبدو عموماً أن قطاع الزراعة المحدود ومثله قطاع الصناعة لم يتأثرا بالإغلاق وواصلا عملهما كالمعتاد تقريباً.

بتبسيط مخل نسأل ونجيب: ما هي القطاعات المدرة للدخل في مناطق السلطة؟ نقصد ما هي القطاعات الأساس التي تضخ المال، إن جاز هذا القول، في السوق المحلي؟ إنها أربعة واضحة لاشية فيها: السلطة ذاتها، ووكالة الغوث، والمنظمات غير الحكومية، وأخيراً عمال الداخل. باقي الأنشطة تعيش بالطبع على هذه الأموال سواء أكانت شركات ااتصال أو مطاعم أو مواصلات العامة...الخ

بنفس "شعبوي" يلقي باللائمة على أول "مارق طريق" تتم عملية واسعة لشيطنة العمال الذين لا يهتمون بصحتهم أو صحة أبنائهم أو صحة المجتمع...الخ يتم بالطبع التغاضي عن البنية السياسية/الاقتصادية القائمة منذ احتلال 67 والمتواصلة بعد أوسلو والتي تضع العمال في مكانة مرموقة من حيث قدرتهم على ضخ المال في شرايين السوق المحلي. فجأة يبدو وكأن العمال يتحركون بإرادتهم الفردية الحرة خارج نطاق التاريخ والسياسة والاقتصاد ويجلبون علينا المرض والخراب دون أن يكون لذلك من سبب إلا أنانيتهم المفرطة التي تفتقر إلى الوعي والأخلاق على السواء. فجأة ننسى أن محلات الملابس والمطاعم والمواصلات والكهرباء والاتصالات والتعليم ...الخ تعيش بمقدار كبير على الشواكل التي يحضرها هؤلاء العمال. ننسى الان أن السلطة في غزة وفي رام الله كانت قد أقرت عن طيب خاطر افتتاح أكبر عدد ممكن من المناطق الصناعية على الحدود مع "إسرائيل" من أجل أن يشتغل فيها العمال الفلسطينيون ويعودوا لنا بالمال الثمين الضروري لاستمرا دوران عجلة الاقتصاد المحلي.

يبلغ متوسط الدخل الذي يتحقق من خلال العمل في إسرائيل حوالي 1200 مليون شيكل شهرياً. وليس خافياً الأثر الذي يمكن أن يعنيه غياب هذا الدخل في مجتمع ينتظر الراتب شهرياً ويبدأ في إطلاق الإشاعات حول "نزول" الرواتب أو عدم نزولها بعد يوم واحد من بداية الشهر الجديد. من جهة أخرى تبلغ ميزانية السلطة السنوية أربعة مليارات دولار علمأ أن نسبة الرواتب من هذه الميزانية لا تزيد على 130 مليون دولار شهرياً أو ما يقارب 500 مليون شيكل. هناك أيضاً الدخل المتحقق من رواتب المنظمات غير الحكومية التي يبلغ عددها حوالي 3600 منظمة، وتخلق ما يقرب من 40 ألف فرصة عمل، وتتلقى أموالاً تصل إلى مليار وستماية مليون دولار سنوياً. وتسهم الزراعة التي تتراجع باستمرار بدخل مقداره 250 مليون دولار سنوياً بما يجعلها مساوية لدخل العمال في شهر واحد. أما قطاع الصناعة فيسهم بمقدار يقترب من مليار ونصف. وهكذا يتضح أن عمال "إسرائيل" يمكن أن يكونوا القطاع الأهم في ضخ السيولة إلى شرايين الاقتصاد الفلسطيني.

يتوهم المواطن العادي أن لدينا قطاعات اقتصادية تقوم بإنتاج القيمة، ويقع الكثير من الناس فريسة الوهم بأن قطاعات مثل الإنشاءات والمعمار والكهرباء والاتصالات والانترنت والتعليم والصحة هي قطاعات تدر دخلاً. لكن قسوة الوقائع الاقتصادية تخالف ذلك تماماً. فحتى القطاعات الصغيرة المنتجة في بلادنا من قبيل الزراعة والصناعات الصغيرة المحدودة لا يمكن لها أن تعيش بدون السيولة التي يتم ضخها في السوق بفعل أموال السلطة ووكالة الغوث والمنظمات غير الحكومية وعمال "إسرائيل". باختصار هنا مربط الفرس في الدخل "الفاعل" في الاقتصاد ككل. هنا يقع جوهر "الإنتاج" الفلسطيني الذي يسمح بدوران عجلة الحياة وبقاء القطاعات كلها على قيد الحياة.

بعد هذا الذي قلناه يمكن أن "نفهم" و"نتفهم" لماذا كانت السلطة حاسمة في موضوع الحد من الحركة داخل الضفة بما يشمل إيقاف عمل المؤسسات التعليمية كلها، وكذلك إيقاف عمل الموظفين الحكوميين تقريباً، وإغلاق المقاهي والمطاعم والعديد من الأنشطة المحلية، بينما بدا على رئيس الحكومة ومساعديه الحيرة والتردد والتذبذب في الموقف من العمال. هنا في الضفة يمكن إيقاف معظم النشاطات دون أية خسارة تذكر، خصوصاً أن قطاع الزراعة، والصناعة يمكن أن يستمرا في العمل بمعظم طاقتهما الإنتاجية. أما منع العمال من الخروج إلى إسرائيل فإنه يعني ببساطة حرمان الاقتصاد من أكبر مصدر للسيولة على الإطلاق. ولعل من المفيد أن نذكر أن السلطة قد خصصت عشرين مليون دولار لدعم العمال الذين "حرمتهم" الظروف الراهنة من العمل. لكن هذا الرقم بالذات يكشف عن المحال الذي يتصل بخطورة الاستغناء عن دخل عمال "إسرائيل" ناهيك عن القدرة على تعويضهم. ولعلنا لا نذيع سراً إن قلنا إن غياب هذا الدخل الذي قد يناهز ربع الدخل الإجمالي الفلسطيني قد يهز المؤسسات الاقتصادية ?