الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

من الإرهابي حقاً ؟! /بقلم عبد الغني سلامة

2015-02-17 01:37:48 PM
من الإرهابي حقاً ؟! /بقلم عبد الغني سلامة
صورة ارشيفية
الحدث.
 
ليس مهما من ابتدأ مسلسل الجرائم، لأنه من المستحيل تحديد ذلك، ولسنا بحاجة للغوص في أعماق التاريخ، لنشاهد المسلسل من بدايته، إذ يكفي أن نتابع الأحداث منذ بداية السنة الحالية 2015، لنرى بوضوح أن ما يجري عبارة عن جريمة ترد على جريمة، ضمن موجة إرهاب جديدة مسرحها العالم بأسره؛ فمثلاً، في مستهل شهر كانون ثاني، تنظيم القاعدة يفجّر سيارة مفخخة أمام كلية الشرطة في صنعاء مما أدى إلى مقتل 35 طالبا معظمهم من الحوثيين، والحوثيون يجتاحون العاصمة وينقلبون على نظام الحكم.
 
ثم ردا على نشر رسوم كاريكاتورية للنبي الكريم، هجوم إرهابي على مجلة "شارلي أبيدو" في باريس يودي بحياة 12 صحافيا وعاملا بالجريدة وشرطيين، ومقتل المهاجمين. ثم غارة إسرائيلية على القنيطرة تقتل سبعة جنود من حزب الله أبرزهم نجل "عماد مغنية"، وحزب الله يرد بعملية نوعية في الجولان ويقتل إسرائيليين. وقبل نهاية الشهر هجوم إرهابي لأنصار بيت المقدس في سيناء يودي بحياة 25 جنديا مصريا، والسلطات ترد بعنف.
 
ومع بداية شهر شباط قامت داعش ببث شريط مصور لجريمتها البشعة بإعدام الطيار الأردني "معاذ الكساسبة" بحرقه حيا في الرقة، وسلاح الجو الأردني يقصف مواقع داعش. وفي نفس الشهر مقتل ثلاثة مسلمين في أمريكا بدم بارد (فلسطينية وشقيقتها وزوجها) على يد مواطن أمريكي على خلفية كراهية عنصرية. وفي نيجيريا جماعة "بوكو حرام" (التي تواصل اختطافها لفتيات مسيحيات) توزع منشورات على سكان القرى تحذرهم من مغبة المشاركة في الانتخابات، وتفجر سيارة ملغمة في محطة للباصات في العاصمة، والجيش يشتبك معهم في معارك عنيفة. ومرة ثانية داعش تعدم الرهينة الأمريكية "كايلا مولر"، وكانت قد أعدمت سابقا رهينتين يابانيتين وأمريكي وبريطاني. ويوم أمس، داعش تذبح 21 مواطنا مصريا (من الأقباط) في ليبيا، وتسيل دماءهم في البحر ردا على مقتل "أسامة بن لادن" في الباكستان، ورميه بالبحر على يد قوات أمريكية خاصة في وقت سابق.
 
طبعا، كل هذا جرى خلال شهر ونصف فقط، وقبل ذلك وأثناءه يتواصل مسلسل القتل والتدمير في سورية والعراق واليمن وليبيا، وعلى ما يبدو أننا مقبلون على حلقة عنف جديدة، قد لا تختلف بشدتها عن سابقاتها، لكنها ستضرب هذه المرة في كل الاتجاهات، وستتسع دوائرها أكثر فأكثر. وما يميزها أيضا الاتهامات المتبادلة بين الأطراف المختلفة بالمسؤولية عن تصعيد العنف وعن سمة الإرهاب.
 
وإذا كان من الصعب تحديد من الذي افتتح حلقة العنف؛ فإنه من السهل تحديد من الذي يصعّدها، ويستدرج ردات الفعل، ويشعل بذور الفتنة في كل مكان .. إنه بكل بساطة التعصب والتطرف والنزعة الطائفية.
 
لكن التطرف والعنصرية والطائفية ليست أشخاصا محددين لنحمّلهم مسؤولية ما يجري؛ إنها مجرد ظواهر سلبية وأنماط عقيمة من التفكير، متى ما استخدمها أي شخص، من أي ديانة سيتحول على الفور إلى مجرم وقاتل، وسيصبح جزء أساسي من حلقة العنف والإرهاب التي تتقوى وتنتشر بفكره وممارساته، بينما هو يغذي بها نوازعه الشريرة وغرائزه البدائية، وشهوة الانتقام. وقد أثبت التاريخ، في أكثر من موضع على أن حلقة العنف متى ما افتتحت لا بد أن تتسع حتى تخرج عن السيطرة وتضرب الجميع، فلا ينجو أحد منها، بما فيهم صاحبها، (وهناك عشرات الأمثلة من التاريخ لمن أراد أن يتأكد من هذه الحقيقة).
 
وحتى لا يكون كلامنا عموميا، نحتاج لتشخيص الجهة (أو الجهات) التي تؤجج العنف، وتعمل على تدمير المنطقة بلا أي رحمة، وبدون أي وازع أخلاقي. وبنظرة سريعة على مجريات الأحداث في الفترة الأخيرة على سبيل المثال، سنجد أن داعش تحتل النصيب الأكبر من أخبار العنف والإرهاب، وإذا اتفقنا على أن داعش صنعتها أجهزة المخابرات الأمريكية والصهيونية، لتكون أداتها في المنطقة، فلا يجب أن نتغافل عن حقيقة أن تاريخنا لم يكن جميلا، وقد شهد عشرات الظواهر الداعشية، وبالتالي فإن ممارسات داعش ما هي إلا أغصان لجذور تمتد عميقا في تراثنا وثقافتنا، وتستمد منهما زخمها ومبرراتها، والاعتراف بهذه الحقيقة هو الشرط الأساسي لأي حل مستقبلي.
 
أغلبيتنا نستنكر جرائم داعش، ونعتبرها قمة الإرهاب والهمجية والسفالة، ولكن في نفس الوقت لا بد أن نستنكر وبنفس القوة أي جريمة تقوم على خلفية عنصرية أو طائفية، كما حدث في جريمة كارولينا مثلا، أو جرائم الأنظمة العربية بحق شعوبها، أو حملات التطهير العرقي بحق مسلمي البورما وإفريقيا الوسطى، أو التفجيرات العشوائية وجولات العنف والانتقام المتبادل بين الطوائف في سورية والعراق وأفغانستان وغيرها. وإذا كنا ندين الإرهاب؛ فيجب أن ندينه بكل أشكاله، وندين كل من يمارسه، ولا توجد جريمة تبرر ارتكاب جريمة أخرى، أو أن هناك جريمة أقل بشاعة من غيرها.
 
ما يجري هو تنفيذ حرفي لمخطط أمريكي تم الإعلان عنه بكل صراحة ووضوح على لسان "كونداليزا رايس" حين تحدثت عن "الفوضى الخلاقة" و"الشرق الأوسط الجديد"، بل هو تجسيد دقيق لحلم "جولدا مائير" حين تمنت تدمير الجيش العراقي والسوري والمصري، واعتبرت تدميرها أقوى ضمانة لبقاء إسرائيل وتفوقها. ما يجري هو نتاج احتلال العراق ونتائج السياسة الأمريكية في العالم، ونتائج تواطؤ العالم على جرائم إسرائيل، ونتاج لعبة سياسية قذرة تشترك فيها بكل خسة كل من تركيا وإيران وإسرائيل في صراعهم للنفوذ والهيمنة على الإقليم.
 
لكن الأدوات التي تنفذ هذه المخططات هي للأسف أدوات عربية وإسلامية تأخذ مسميات عديدة، أكثرها وضوحا وجرأة تنظيم داعش، وكلنا نعرف بقية الأسماء.