يتدافعُ المثقفون للاصطفافِ على جوانب الفضيحة بين خيانة الصديق، ونذالةِ النرجسيّ، ليظهرَ في الأخير أنهم لم يقرأوا محمود درويش ولا سليم بركات، وكانوا يمرّون عن نصوصهم بعيون الحسد والجهل، إذا مرّوا.
لن أطيلَ الحديثَ –الذي يكرهه الحمقى- عن إشراقةِ اللغة العربية على لسان الشاعر الكرديّ، وعن المنطقِ غيرِ المسلوبِ لأساطيرِ المعلقاتِ وهو "يسوسُ خيلَ الأبجديةِ كالخراف"، ولا كيفَ حرّك سليم بركات ماء اللغة الراكد ولا فتوحاته في أرضِ الصفةِ والإضافة.
لقد اكتشف المثقفون فجأة أنّ لغة سليم بركات مقعّرة ومبتذلة ولا تؤدّي دورها المقاليّ في كشفِ الفضيحة، فضيحة الشاعر الذي تنكّر لابنته بعدَ أن أنجبتها شهوتهُ المريضة للخيانات الزوجية، ما أروعَ هذا الانتقام من الهائلِ الذي شلّ أيديهم عن الكتابة، وجعلهم مسلوبين ومفتونين لغرّة شعرِهِ، ورشاقة قلبه وقامته النحيلةِ تتراقصُ على صخورِ الكلمات أمام شاطئ الهواء.
يتحدثُ سليم بركات في نصّهِ عن شاعرين واحدٌ ببدلةٍ وربطةِ، وآخرٌ بشبّاحٍ مشقوق يمشيانِ في حقل، البياضُ رائقٌ، راضٍ عن حظوظه، وسوادٌ راضٍ عن نفْسِه، وقال أنهما كانا لونين وصفهُما بتاريخ البرهة جمعتهُما معاً، محمود درويش وهو.
حنينٌ للهذياناتِ بين شاعرين مجنونين، عاشا حياةً ضخمةً بين القذائفِ واللغة والنساءِ واللغة والسجون واللغة والباراتِ والمنافي واللغة.
السرّ الذي أفشاهُ سليم بركات أن محمود درويش كانت له علاقات عاطفية وربّما كانت فيها أخطاء،
وأنهما تخيّلا معاً بنتاً لمحمود درويش قد تكون وقد لا تكون، وفي الحالتينِ كانت ثمناً يدفعه شاعرُ الثورة، لكنني أتساءلُ في البدء: مَن الذين يُحاسِبون سريرَ الغريبة إلا الذين تخيلوا لحافه وتتبعوا روائحَ أثره ؟!
ما شأني أنا بامرأةٍ نامَ معها محمود درويش إذا كان صاحبَ "خطبة الهنديّ الأحمر ما قبلَ الأخيرةِ أمام الرجل الأبيض"، في أيامٍ تُعادُ فيها البساطيرُ البيضاء على أعناقِ السودِ، وتداهمُ شعبَ الشاعرِ دباباتُ "كلومبوس الحرّ" باسم الرجل الأبيضِ في البيت الأبيض.
هل تتصورون أن أحاديث سليم وبركات ومحمود درويش: "يا زلمة مش عارف شو أعمل مع هالبنت اللي خلّفناها"، حدّثني طاهر رياض وهو صديق أيضاً لمحمود درويش: أنهما كانا يجلسانِ لساعاتٍ يحدّقانِ في صمتِ بعضهما وفي يدِ كلّ منهما مشروبه المفضّل، وهذه فضيحة أخرى للراغبين أن الشاعرَ كان يشرب،
وكانَ عليه أن يعشقَ النساءَ دائماً مثل الأمراء يقدّمُ أكوابَ الشرابِ المرصع باللازورد، هكذا اقتربَ بنا سليم بركات في مقاله من النار ولم يفصح تماما "لأنّ الكردَ يقتربون من نار الحقيقةِ ثمّ يحترقون مثلَ فراشةِ الشعراء".
جميعهم قرأوا الخيانة، ولم يقرأوا بركات "حَمَل قصيدتَه (ليس للكرديِّ إلاَّ الريح) التي بَرَاها بَرْياً بصداقة السنين"، وقال أيضاً إن الشعرَ كان حرثهما في المفقود الخالد لأن كليهما يشعرُ بالفقد.
ما كتبه سليم بركات "حين كلّمني عن أبوَّتهِ المتحقِّقة إنجاباً محسوساً، كلمني عن فكرةٍ في عموم منطقها بلا تخصيصٍ"، كلّمه عن احتمالِ بنتٍ أنجبها محمود درويش من إحدى علاقاته ولكنّه تحدّث كأنها إنجاب محسوس، ويتحدث سليم بركات كيف تحوّلَ إلى فكرةِ الولدِ بينما يسمع فكرةِ الأب الذي لم يتذوق ابنته "أخذتُ منه برهة اللحم لذَّةً من لذائذ المفقود المذهل"، وهذا ما قصده بلونهيما الأبيض والأسود.
إذا كان من سرٍّ أفشاهُ سليم بركات ليسَ وجودَ ابنةٍ لمحمود درويش، إنما وجودُ ألمِ الشاعرِ من تحقّق الفكرة أو من عدم تحققها، هكذا عوالم الشعراء.
"محمود درويش له ابنة غير شرعية، سليم بركات يفشي سراً"، هكذا كتبت اليوم السابع.
ومواقعُ الفضائحيات ضجّت بعروبتها المقرفة، ولن أستبعدَ أن أشاهدَ مُراهقاً في متحف الشاعرِ، يبصقُ على الضريح ويشتُم الشهوانيّ المريض، لأنّ صورةً ملونةً وصلتْ إلى بريد سليم بركات وأثارتْ في نفسه الحنين إلى صورةِ اللونين الأبيض والأسود.
"بياضٌ هدنةٌ، وسوادٌ صُلحٌ نَحَتا ذاكرةَ العمر صورةً لمحمود ولي. صورةٌ أخرى وصلتني، على الإنترنت، من مشهد لقائنا معاً بجمهورٍ في السويد. صورةٌ ملونةٌ هي الثانيةُ أرانا فيها جنباً إلى جنبٍ. صورةٌ بألوانٍ ليست صُلْحاً أو هدنةً، بل لوعةٌ كالرياضيات، وحنينٌ كالهندسة".