الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

النظام الضريبي الفلسطيني والعدالة الاجتماعية/ بقلم: مؤيد عفانة

باحث وخبير في قضايا الموازنة العامة

2020-06-15 10:00:19 AM
النظام الضريبي الفلسطيني والعدالة الاجتماعية/ بقلم: مؤيد عفانة
مؤيد عفانة

 

  تِبعاً لبيانات وزارة المالية مطلع العام 2020، فإن الإيرادات الضريبية تشكّل ما نسبته (92%) من إجمالي صافي الإيرادات للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتأتي تلك الإيرادات الضريبية عبر الإيرادات الضريبية المحلية، او الإيرادات الضريبية عبر "المقاصّة" مع إسرائيل.

والإيرادات الضريبية على نوعين: الضرائب المباشرة؛ وهي الضرائب التي تُفرض وتُجبى من المكلفين المختلفين العاملين في أراضي الدولة ذات السيادة القانونية، وهي تفرض على أرباح الأعمال والرواتب وما شابه من الدخول المتحققة للأفراد والشركات. ومنها: ضريبة الدخل وضريبة الأملاك.

أما النوع الاخر من الضرائب فهو الضرائب غير المباشرة وتفرض هذه الضرائب على أنشطة الاستهلاك والإنتاج والاستيراد، وتفرض كذلك على الثروة العقارية، ومنها: ضريبة القيمة المضافة، ضريبة الشراء، ضريبة المحروقات، الرسوم الجمركية والمكوس.

وبالعودة الى الإطار الفلسفي للضرائب، فإن فلسفة الضريبة تقوم على مرتكزات مالية واقتصادية واجتماعية، فوظيفتها المالية تعمل على تأمين الإيرادات المالية لخزينة الدولة من أجل تغطية النفقات العامّة، أما وظيفتها الاقتصادية فتتمثل بكونها أداة رئيسة من أدوات السياسة المالية للدولة، والتي تستخدمها من أجل تحفيز النمو أو الحدّ من مستويات التضخم أو حماية الاقتصاد الوطني وغيرها، أما وظيفتها الاجتماعية فتتمثل في إعادة توزيع الثروة بما يكفل تحقيق العدالة الاجتماعية في الدولة، وتوظيف الإيرادات الضريبية في تحقيق الاستقرار الاجتماعي، وتوفير الخدمات الاجتماعية للفئات المهمشة والضعيفة والفقيرة.

ومن هذا المنطلق، يجب أن يحقق النظام الضريبي الفلسطيني فلسفته بتحقيق العدالة الاجتماعية، ولكن ومن خلال قراءة معمّقة لواقع النظام الضريبي الفلسطيني، نجد أنه توجد به ثغرات تتنافى ومفهوم العدالة الاجتماعية، فعلى سبيل المثال تشكل ضريبة القيمة المضافة ( (VATما نسبته 30% من الإيرادات الضريبة، وبمبلغ وصل في العام 2019 الى (3.2) مليار شيكل، إن كان من خلال الإيرادات الضريبة المحلية أو عبر المقاصّة، وهي ضريبة "عمياء"، تمس كافة الفئات في المجتمع دون تمييز وتبلغ نسبتها (16%) من قيمة المبيعات، وهي مرتبطة بإسرائيل تبعا لبرتوكول باريس الاقتصادي، والمرونة فيها فقط 2% عن نسبتها داخل إسرائيل، رغم الفارق الكبير في مستوى الدخل والمعيشة للمواطن الفلسطيني مع ذاك المستوى داخل إسرائيل، ومن مؤشرات ذاك التباين أن الحد الأدنى للأجور في إسرائيل (5300) شيكل، في حين انه في فلسطين (1450) شيكل فقط، وعمليا لا يوجد التزام حتى بدفع الحد الأدنى للأجور في قطاعات كثيرة، وتكمن إشكالية ضريبة القيمة المضافة أن الفقير مجبر على دفعها كونها على السلع والخدمات دون تمييز، فعلى سبيل المثال تتم جباية ضريبة القيمة المضافة عن الخبز وعن الشوكولاتة الفاخرة بذات النسبة رغم ضرورية الأولى وترفية الثانية، وكذا الامر بالنسبة لباقي السلع الأساسية مثل السكر والحليب والزيت وغيرها، بمعنى أن الفقير مضطر لدفعها رغم أن سلعه أساسية للحياة وليست كمالية أو للرفاهية، علما أن العديد من الدول تعمل على تخفيض نسبة تلك الضريبة على السلع الأساسية كنوع من الدعم الحكومي غير المباشر للفقراء وذوي الدخل المحدود، للمساهمة في العدالة الاجتماعية.

ومن الثغرات الأخرى في النظام الضريبي الفلسطيني والتي تتنافى ومفهوم العدالة الاجتماعية، ضريبة الدخل، والتي رغم أهميتها الكبيرة في إعادة توزيع الثروة بين الأغنياء والفقراء، الا أن مساهمتها في الإيرادات الضريبية عام 2019، لم تتجاوز (8.7%) فقط من إجمالي الإيرادات الضريبية، إن كان ذلك من خلال ضريبة الدخل المجباة محليا أو عبر المقاصة، وبمبلغ (972) مليون شيكل فقط، من أصل اكثر من (11) مليار شيكل قيمة الإيرادات الضريبية، وبمقارنة مع بعض الدول في المنطقة، نلاحظ أن نسبة إسهامات ضريبة الدخل في اجمالي الإيرادات الضريبية أعلى بكثير من فلسطين، فمثلاً وصلت هذه النسبة إلى (17%) في الأردن و (28%) في مصر، علما أن المعدل العام في العديد من الدول الأخرى يصل إلى حوالي (35%)  من إجمالي الإيرادات الضريبية.

ومن خلال تحليل قانون ضريبة الدخل وتعديلاته، يلاحظ أن التعديلات عليه كانت لصالح الأغنياء وكبار المكلفين والشركات الكبيرة، من خلال ضغط الشرائح الضريبية الى 3 شرائح فقط، (5%، 10%، 15%) نسبة الضريبة من "الدخل الخاضع للضريبة"، وإبقاء شريحة الـ (20%) فقط للشركات الاحتكارية والاتصالات، رغم وجود مقترحات سابقة بإضافة شريحتين جديدين (22.5%، 30%) للشركات العملاقة وذات الأرباح الكبيرة، الا ان تلك المقترحات لم ترى النور، وبالتالي فان ضغط الشرائح الضريبية في 3 فقط، حرم الموازنة العامة من إيرادات ضريبية كانت ستساهم في تقديم وتطوير الخدمات العامة من تعليم وصحة وحماية اجتماعية، والتي يستفيد منها الفئات الأقل حظا والأكثر تهميشا في المجتمع، كما أنه لم يحقق فلسفة الضريبة بإعادة توزيع الثروة بما يَكْفل العدالة الاجتماعية.

في ضوء ما تقدم فإن النظام الضريبي الفلسطيني يعاني من ثغرات لا تستقيم وفلسفة العدالة الاجتماعية، وهو بحاجة إلى تعديلات جوهرية تجاه التمييز الإيجابي للفقراء والفئات المهمشة والضعيفة من خلال تعديل قانون ضريبة الدخل بما يكفل توسيع الشرائح الضريبية، وإضافة شرائح بنسب مرتفعة للأغنياء والشركات ذات الأرباح الكبيرة، وتحقيق مبدأ تصاعدية الضريبة، والتوسع الافقي في جباية الضريبة ليشمل المهن الحرة بشكل علمي ومنهجي وبما يضمن حقوق كافة الفئات، ومكافحة التهرب الضريبي، وفي ذات الوقت توسيع شريحة الإعفاء الضريبي للفئات الأقل دخلا، الامر الذي يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية، كما توجد ضرورة أن يكون هناك تدخل حكومي في ضريبة القيمة المضافة تجاه إعفاءات ضريبية أو تخفيض نسبة الضريبة المفروضة على السلع والخدمات الأساسية، من أجل دعم الفئات الفقيرة والمهمشة، وإن كان برتوكول باريس الاقتصادي يحكم نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى أن هناك العديد من الطرق للالتفاف عليه، خاصة مع قرار القيادة الفلسطينية بالانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل، ووقف العمل بالاتفاقيات مع اسرائيل، وبما يكفل المصلحة الوطنية العليا، ومن ضمنها المساهمة في انفاذ العدالة الاجتماعية.