الحدث- محمد مصطفى
تسابق تجار في إغراء متضررين حصلوا على "كوبون اسمنت"، بدفع أضعاف ثمن السلعة المفقودة من القطاع، لحثهم على بيع ولو جزء من الاسمنت الذي حصلوا عليه.
وبمجرد أن وصل المواطن خليل أحمد، إلى مقر توزيع معتمد للأسمنت جنوب قطاع غزة، حتى أحاط به التجار، وانهالوا عليه بطرح أرقام مرتفعة لأسعار الاسمنت، الذي جاء من أجل الحصول عليه، ما دفعه للتريث والتفكير، وبيع جزء من حصته لأحدهم.
أحمد ورفض ذكر اسمه كاملاً، أكد أنه حصل على "كوبون" بأكثر من طن من الاسمنت، وجاء من أجل تسلمها، لإصلاح أضرار منزله بها، لكنه لم يتخيل أن يدفع التجار له 95 شيقلا ثمناً للشوال الواحد، في حين فإنه يحصل عليه مقابل 28 شيكل فقط.
وأوضح أنه ببيع جزء من حصته، جعله يحصل على كامل الكمية مجاناً، وبفائض في المال، وما عاد به إلى منزله كفيل بإصلاح الجزء الأهم من الأضرار، التي لحقت في المنزل، نظراً لأن كامل الكمية في حال عاد بها لن تصلح كل الأضرار.
ولم يكن أحمد الوحيد الذي تعرض للإغراء وباع جزءا من حصته، فقد أقدم على ذلك العديد من المتضررين دون تردد.
أما المواطن إبراهيم بركة، وجاء إلى مركز التوزيع ذاته، لشراء كمية من الاسمنت بأقل الأسعار، فأكد أنه بحاجة ماسة لتلك السلعة، ليصلح بعض الأضرار في منزله قبل وصول المنخفض الجوي المرتقب، موضحاً أنه وبعد أكثر من ستة أشهر على انتهاء العدوان، لم يحصل بعد على حصة من الاسمنت كما وعد، وقد سئم الانتظار، ما دفعه للتوجه للسوق السوداء.
وأكد أن رحلته الشاقة في البحث عن الاسمنت، انتهت بسماعه أرقاماً فلكية لأسعاره، ما دفعه للتوجه إلى المركز، لشراء حاجته من المتضررين بأقل سعر ممكن، غير أن التجار يقطعون عليه الطريق، ويسارعون بشراء الكميات التي يرغب أصحابها ببيعها.
ظاهرة وعوامل
من جانبه قال الخبير الاقتصادي د. ماهر الطباع لـ" الحدث"، إن ظهور سوق سوداء للاسمنت نتيجة طبيعية للظروف الحالية، وهناك عوامل عدة ساعدت في ظهور هذه السوق.
وأوضح أن أهم عوامل ظهورها، هو حاجة قطاع غزة الهائلة للسلعة المذكورة، خاصة وأنه منذ انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة نهاية شهر آب الماضي، ولم يصل القطاع المحاصر سوى 40 ألف طن من الاسمنت، في حين فإن حاجة القطاع اليومية من هذه السلعة تتخطى عشر آلاف طن، وهذا يوضح مدى الحاجة لتلك السلعة.
وأوضح الطباع أن أكبر مشكلة واجهت المتضررين ممن حصلوا على كوبون الاسمنت، بأن معظم هؤلاء لم يحصلوا على تعويضات تمكنهم من إصلاح أضرار منازلهم، وهم مطالبون بشراء الاسمنت في ظل حالة فقر يعيشونها، ومعظمهم إن لم يكن جميعهم تعرضوا لإغراءات كبيرة من تجار الاسمنت، دفعتهم لبيع حصتهم أو جزء منها.
وبين أن ثمة مشكلة أخرى، تتمثل في حصول المتضررين على جزء يسير من احتياجاتهم للاسمنت، فهم باتوا أمام خيارين، إما تخزين ما حصلوا عليه لحين الحصول على كمية أكبر وتنفيذ الإصلاحات، أو بيعه، خاص وأنه سلعة غير قابلة للتخزين فترة طويلة، فالمعظم يلجأ مكرها للبيع.
ونوه إلى أن ثمة حالة إحباط عامة في قطاع غزة، جراء فشل الآلية الدولية في إعادة إعمار ما دمره الاحتلال، لافتاً إلى أن احتياجات الاسمنت تتعدى المتضررين، فهناك مشاريع ومنازل مملوكة لشركات وأفراد بحاجة للأسمنت.
ودمرت آلة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة أكثر من 10 آلاف منزل، وألحقت أضرار متفاوتة في حوالي 100 ألف منزل آخر، ناهيك عن دمار كبير في منشئات اقتصادية ومصانع، ومرافق بنية تحتية، وهذا يحتاج إلى ملايين الأطنان من مواد البناء لإعادة إعماره.