الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الرجل المريض/ بقلم: سامي سرحان

2020-06-23 09:12:38 AM
الرجل المريض/ بقلم: سامي سرحان
مستوطنون

 

ليس من باب التكرار أو اجترار التاريخ، القول إن فلسطين جزء من الوطن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج وأن الفلسطينيين جزء من الشعب العربي الذي تقارب تعداده اليوم نصف مليار مواطن، وأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية مذن اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور وترجمة هذين الحدثين في الانتداب البريطاني على فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى ليتم تهدئة المنطقة لزرع الكيان الصهيوني في فلسطين قلب الوطن العربي.

على هذه المقولة عاش الشعب العربي مئة سنة، وشكلت رافعة للنضال الوطني الفلسطيني ولثوراته المتعاقبة، ولكن لماذا يشعر الفلسطيني اليوم بأنه ترك في المعركة مع المشروع الصهيوني لوحده يواجه أكبر مؤامرة في تاريخه تستهدف تصفية وجوده وهويته ووطنه، ويشعر أن بعض أشقاءه تخلوا وتركوه يواجه مصيره وحيدا والبعض الآخر طعنه في الظهر بحسن نية أو بسوء تقدير أو سوء نية.

نحن العرب ونحن في أسوأ أحوالنا نملك من الموارد البشرية والمالية والعسكرية والاقتصادية والديمغرافية ما يجعل منا أمة لها مكانتها بين الأمم عزيزة كريمة تعبر عن احترامها على غيرها من الأمم وتوفر الأمن والرفاهية لمواطنيها وتثبت أنها أمة سلام بكرامة وليس استسلاما بذل ومهانة، أمة قادت العالم يوما.

نحن اليوم في عالم تحكمه المصالح وكل دول العالم الكبرى والصغرى لها من المصالح في وطننا العربي ومع دولنا العربية الغني منها والفقير، ما يفرض عليها احترام هذه الأمة واحترام مصالحها.

وعليه، أين يكمن ضعف هذه الأمة وضعف دولها وفشلها في حفظ أمنها القومي والوطني وفشلها في التنمية في مختلف المجالات وتخلفها عن مواكبة التقدم الذي تشهده معظم دول العالم حتى باتت في ذيل الأمم وباتت "الرجل المريض" في عالم اليوم كما كانت الدولة العثمانية في أواخر عصرها  وتوزعت الدول الغربية تركتها وسلختها من هويتها وهي لا تدري حتى اليوم إلى أي عالم تنتمي.

إن ضعف هذه الأمة يكمن في تجزئتها التي فرضها الاستعمار الغربي وكرس فيها الدولة القطرية وبالغ في معاني سيادة هذه الدولة وتمايز شعبها وخصوصية وتغذية الطائفية والمذهبية الإثنية العرقية بين هذه الدول وفي داخلها، حتى بات المواطن في هذه الدولة حبيس نظامه وطائفته ودينه وفي وقت لم يراع هذا النظام حقا من حقوق المواطنة وفشل في التنمية والسلم الاجتماعي، في ظل نظام بوليسي مخابراتي يترصد مواطنيه ويعزز القطيعة مع محيطه العربي في الوقت الذي يعزز فيه التبعية للأجنبي، لا هم فيه للحاكم غير الحفاظ على الكرسي مدى الحياة أو لعشرين أو ثلاثين سنة بغير انتخابات ونهب ثورة الشعب المغلوب على أمره وتحميله تبعات مليارات الدولارات من الديون الخارجية التي صرفت في غير مصارفها الواجبة وتحول جزء مهم منها إلى أرصدة الحكام في البنوك الأجنبية.

وما زاد الطين بلة، أن هذه الدول القطرية دخلت في صراعات بينية طويلة المدى فاستنزف الصراع قدرات هذه الدول ما لبث أن بات الصراع في داخل هذه الدول وباتت دولا فاشلة فاقدة لإرادتها وقدرتها على فرض سيادتها داخل حدودها المصطنعة التي رسمها الاستعمار وأسماها دولة.

واليوم نرى الجار الشمالي للوطن العربي والشقيق في العقيدة والتاريخ يتهدد شمال سوريا ويحتله ويحتل شمال العراق وينشر قواعده البرية فيه، ويتواجد في ليبيا والصومال وله قواعده في قطر،  الأمر ذاته يتكرر مع الجار الشرقي الذي يتحدث عن محور مع العراق وسوريا واليمن ولبنان وغزة من فلسطين. والمراقب للحال العربي والصراع يرى توافق الجارين الشمالي والشرقي في إدارة الصراع في المنطقة وغياب أصحاب الشأن عن أي فعل أو حديث عن فعل وثمة أثيوبيا في أقصى جنوب السودان ومصر تبني سدا على النيل الأزرق وشريان الحياة لمصر الدولة الأكبر والأهم في المنطقة دون أن تحسب أي حساب لأصحاب الشأن الذين تتوقف حياتهم على مياه النيل ومياه النيل لا غير.

ولا تحسب أي حساب لاثنين وعشرين دولة عربية متناحرة وفاشلة. والطامة الكبرى تتمثل في الكيان الإسرائيلي الذي يدرك العجز العربي ويسهم مع الولايات المتحدة راعية الكيان في تعميق التردي العربي ليعزز وجوده في فلسطين وقلب الوطن العربي ويوسع احتلاله ويرسخه ويفرض السيادة على الجولان والقدس وضم أجزاء من الضفة الغربية أو كلها استعدادا لقفزة  قادمة تحقق أحلامه في حدود من الفرات الى النيل.

فلسطين والأردن تقفان وحدهما أمام أكبر هجمه استعمارية صهيونية دون أن يحرك العرب ساكنا بل إن بعضه الدول العربية تهرول للتطبيع مع المحتل الإسرائيلي وتسعى للتحالف معه لمواجهة خطر مفترض يمكن تجاوزه بالطرق الدبلوماسية يعيد الثقة بين الدول العربية وجيرانها في الشرق والشمال وتغليب المصالح المشتركة على لغة التهديد والوعيد والاستعانة بالعدد الحقيقي للأمة العربية المتمثل بالكيان الصهيوني الذي يترصد هذه الأمة وثرواتها.

ما ينتظر هذه الأمة بدولها وشعوبها الأسوأ ما لم تدرك الأخطار التي تهددها حكاما وحكومات وشعوبا وكيانات وهي بحاجة إلى قوة مركزية أو دول مركزية تسترشد بمجموعة من الحكماء ينتمون إلى هذه الأمة ومصالحها يقرعون الجرس بجرأة في وجه هؤلاء الذين يفتقدون أدنى درجات الإحساس بالمسؤولية ويغامرون بحاضر الأمة ومستقبلها ورضوا الذل والهوان والعبودية والحماية الأجنبية، حالهم كحال ملوك الطوائف في الأندلس يبكون ملكا مضاعا كالنساء – لم يحافظوا عليه كالرجال- لكن من يهن يسهل الهوان عليه... فالجرح بميتٍ إيلام كما قال الشاعر.