في مسرحية "نهاية اللعبة" لصموئيل بيكت، تدور الأحداث في مكان مغلق، له شباكانِ عاليانِ، لكن لا أحد يستطيع الوصول إليهما لفتح الستائر دون سلم سوى "الخادم كلوف"، الذي هو الوحيدُ أيضاً غير المقعد بين الشخصيات الثلاثة الأخرى في المسرحية، والذي يعرف عندما يُسألُ عن الساعةِ فيجيب إنها "كالعادة الساعةُ صفر"؛ الصفر الكوني، الذي ما إن تتجمد عنده الأشياء، الأوقات، السنوات، الأفكار، السياسة، حتى نظن أن "ساعة الصفر قد حانت" وأن علينا أن نبدأ وأن ننطلق من جديد، هي حافزُ الاستمرار وهي تجسيدُ الموت في دائرة اللاتوقف أو النهاية عند النهايات، تلك هي ميزة "الصفر".
"الخادم كلوف" هو عينُ سيده "هام"، الذي رغم كونهِ –السيد هام- مقعداً، وعاجزاً جسدياً، وضعيفاً، فإنه يتحكم بالمكان، ويسيطرُ على الأحداث، من قبيل أن بإمكانه أن يأمر "كلوف" بوضع والديه –والدي هام- في حاويتي القمامة، كأنما يريدُ أن يقولَ لنا أنه بالإمكان أن نضع الماضي هناك، وأن نغلق عليه بغطاء صندوق القمامة.
"هام"، الإنسانُ والسيدُ، العاجز/ القادر، الواعي/المتردد، السجين/المتحكم، الميتُ/القاتلُ، ازدواجيةٌ ترى انعكاسها المسرحي في التردد النهائي لاتخاذ القرار عند الحاجةِ لاتخاذه، أو هي اقتناعٌ بأنه تم اتخاذُه لكنه لم يتخذ، أو تم الإيحاءُ بأنه اتخذ، حتى صدَّقَ المُتفكِّرُ إيحاءه لنفسه؛ وحوارُ الدراجة بين "هام السيد" و "كلوف الخادم" يفسر المعضلة:
- هام: أحضر لي دراجتي؟
- كلوف: لم يعد من دراجات.
- هام: ماذا فعلت بدراجتك.
- كلوف: لم يكن عندي أبداً دراجة.
- هام: أمرٌ لا يُطاق.
- كلوف: عندما كانت هناك دراجات كنت أبكي كي أحصل على واحدة. ركعت أمام رجليك. لكنك لم تأبه. الآن لم يعد من دراجات.
الدراجةُ الموجودةُ في الفكرةِ، غيرُ موجودةٍ لتتحرك على الأرض، وهي تعكسُ التفكيرَ الملتوي القائم على اليقين بأن لا شيء سيحدث أو أن لا نتيجة ستحقق رغم جهد التفكير، والمجهود المبذول في غير أوانهِ أو وقته أو عدم كفايته أو كفاءته والذي يتجسدُ أيضاً في حوار "البذرة":
- هام: هل نبتت البذور التي زرعتها؟
- كلوف: كلا.
- هام: هل نبشت قليلاً لترى إن كانت أنبتت؟
- كلوف: لم تنبت.
- هام: ربما لم يحن الوقتُ بعد إلى ذلك.
- كلوف: لو كانت ستنبتُ لأنبتت. لن تنبت أبداً.
إنه حوارٌ يُعيدُ إلى النتيجة "صفر"، الصفريةُ المُتيقن منها: لن تنبتُ النبتةُ، وليست هنالك دراجة، وقرار ساعةِ الصفر لم يتخذ بعد: هل نخرجُ من هذا المكان المغلق أم نظلُّ فيه؟ وتصلُ المسرحيةُ إلى نهايتها دون جواب.
إنها مسرحيةٌ قائمةٌ على التردد، وتقرأُ مع مسرحية بيكيت الأشهر في "انتظار جودو"، وتنسجمُ مع واحدةٍ من مقولات بيكت الأهم التي تجسدُ العطب والإصرار عليه، أو لربما تجسد الأمل والإصرار عليه: " لا أقدر أن أستمر سوف أستمر".