الحدث - فيفيان القاضي
تواجه صناعة الكتاب في الوطن العربي عموماً صعوبات منذ العام 2011، وفي فلسطين واجهت صناعة الكتاب والنشر الكثير من الصعوبات، ففي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي حصاراً ثقافياً في الأراضي التي احتلتها عام 1967، بموجبه منعت دخول أي كُتب صدرت في البلدان العربية إلى فلسطين بغض النظر عن كاتبهِ ونوعه على اعتبار أن هذه البلدان كانت في حالة حرب مع دولة الاحتلال، مما دفع العديد من المبدعين والروائيين والكُتاب والشعراء والباحثين للنشر خارج فلسطين.
مع قدوم السلطة الفلسطينية تعددت دور النشر ومكتبات توزيع الكتب، حيثُ بلغ عددها ٢٤، والتي مُنحت تراخيصاً من وزارة الداخلية الفلسطينية والمنتسبة لجمعية الناشرين الفلسطينية، لكن ذلك لم يمنع من أزمة تزييف الكتب والطباعة والنسخ غير الأصلية التي تُعاني منها دور النشر الفلسطينية.
قال أمين سر اتحاد الناشرين الفلسطينيين وعضو اتحاد الناشرين العرب بكر زيدان لـ"الحدث"، إن دور النشر الفلسطينية لا تتوفر لها الإمكانيات اللازمة التي تشجع على النشر وأهمها الواقع السياسي الذي تعيشه فلسطين من قبل الاحتلال فالوضع فيها غير مستقر لا سياسياً ولا اقتصادياً، وهذا بدوره يدفع أصحاب العقول الثقافية للهجرة خارج بلادهم، باحثين عن الانتشار الثقافي الأوسع وعن المردود المادي والمعنوي أكثر من خلال الانتشار.
والسبب الآخر هو الكلفة العالية في مراحل الإنتاج والخدمات التي تحتاجها صناعة الكتاب والتي بالكاد ترهق الكاتب والناشر في آن واحد، وبالتالي قلة القراءة وقلة الدعم الذي تقدمه وزارة الثقافة للناشر الفلسطيني كما تفعل الوزارات الأخرى، كما يؤكد زيدان لـ "الحدث".
ويضيف زيدان في معرض حديثه عن أسباب أزمات دور النشر وصعوبات تصدير الكتاب الفلسطيني إلى الخارج عبر المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل، أن قلة مشاركة الناشرين الفلسطينيين في المعارض العربية بسبب التكاليف العالية لتصدير الكتاب خارج حدود البلاد، مما دفع عددا قليلا من الناشرين الفلسطينيين وأصحاب دور النشر في فلسطين مثل دار الشامل للنشر من مدينة نابلس ودار الجندي من مدينة القدس، إلى تكبُد التكاليف العالية لنقل الكتب ومشاركتها في المعارض الخارجية.
ويوضح زيدان، أن هذه الظروف التي تحتم على الناشرين والكتاب الفلسطينيين تحملها، من شأنها إضعاف العلاقات المتبادلة ما بين الناشر الفلسطيني والناشر العربي.
وأشار زيدان، إلى أن الدور الذي تقدمه الجهات المسؤولة في السلطة الفلسطينية ليس بالدور الكافي، فهناك ضعف في تطوير وإقرار قوانين الملكية الفكرية وحماية حقوق المؤلف، وهذا الإهمال سيضُعف من التطوير والصورة الثقافية الفلسطينية التي ستُعكس للعالم على اعتبار أن الثقافة والنشر أهم مؤسسة تعكس الدور الثقافي والتطور.
ويرى زيدان أن هناك إهمالا من قبل مؤسسات وزارة الثقافة بعدم إنشاء المكتبة الوطنية والتي تقوم وظيفتها على حماية حقوق الملكية الفكرية والأدبية للكاتب والناشر والحفاظ على الإرث، فعدم شعور الكُتاب والناشرين بالأمان الفكري يدفعهم للهجرة لحماية حقوقهم الفكرية.
قطاع النشر في كل بلاد العالم له النسبة الأكبر من الأهمية لأنه يعكس الهوية الثقافية للبلد ويحمي إرثها الثقافي والتي يعمل الاحتلال جاهداً على طمس الموروث الثقافي الفلسطيني، فتكمن أكبر المشكلات أن عددا كبيرا من المكتبات العامة المنتشرة في مختلف محافظات الوطن تقوم بطباعة الكتب وعمل نسخ غير أصلية وبعضها مزيف، وهذا بدوره انتهاك واضح لحقوق الملكية الفكرية للكاتب والناشر والذي يعود إلى قلة الرقابة من الجهات المسؤولة سواء كانت من قبل وزارة الثقافة أو وزارة الإعلام أو حتى الجهات الأمنية، فهناك تزوير واضح للكتب والناشرين في الأراضي الفلسطينية.
ففي كثير من الأحيان يمنع اتحاد الناشرين والجهات المسؤولة في السلطة بعض الكتب التي تصدر من الخارج من النشر أو توزيعها، إلا أن المكتبات العامة المنتشرة تعمل على إنشاء نسخ غير أصلية وبيعها وهذا بالتالي يعود إلى قلة الرقابة الموجودة وعدم وجود قوانين رادعة تحمي حقوق الملكية الفكرية.
وأوضح مدير الأدب والنشر في وزارة الثقافة عبد السلام عطاري، أن موضوع الكتب المطبوعة والمزورة لا يمكن مواجهته تحديدا في ظل فترة عالم التطور والتكنولوجيا الذي نعيشه من انتشار شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت، فأصبحت عملية القرصنة متاحة أكثر ولا يمكن السيطرة عليها.
ويتساءل عطاري، " في ظل التزييف والقرصنة للمؤلفات ودور النشر كيف يمكن للجهات المسؤولة عن الرقابة والتي من واجبها تقديم الرقابة البوليسية والمحاسبات القانونية والنظامية أن تتخلى عنها لصالح الرقابة الأخلاقية لدى المؤلفين والناشرين وأصحاب المكتبات".
وأكد "أن وزارة الثقافة الفلسطينية لا يوجد لديها قانون أو نظام يُحاسب ويراقب النشر والمكتبات، ولكن من خلال وجود الأخلاق مع الناشرين والمؤلفين والمكتبات لا بد من الرقي لمسألة الكرامة والأخلاق في النشر حتى لا يتم قرصنة وتزوير الكتب التي تقوم دور النشر بطباعتها".
وبحسب عبد السلام عطاري، فإن 4 فقط من دور النشر الفلسطينية ( دار الشامل، دار الجندي، مكتبة كل شيء وجناح لجمعية اتحاد الناشرين) تشارك سنويا في معرض الشارقة الدولي الذي يقام في 31 أكتوبر من كل عام، على مدار 11 يوما، ويضم مشاركة نحو 4000 دار نشر من مختلف الدول العربية.
وبين أمين سر اتحاد الناشرين الفلسطينيين بكر زيدان، أن نسبة المشاركة الأكبر في الدول العربية هي لدور النشر المصرية إذ أن المشاركة المصرية في المعرض تزيد عن 700 دار نشر، وكذلك مشاركة الدول العربية الأخرى لها النصيب الأكبر من المشاركة، وهناك معارض أخرى لا تتجاوز المشاركة الفلسطينية لدور النشر على دار "الشامل" ودار "الجندي".
ويرى زيدان، أن انتشار جائحة كورونا كان لها أثر كبير على المواطنين وكذلك على كثير من القطاعات التي تضررت بالحديث عن واقع دور النشر وما تواجه من أزمة، فقبل جائحة كورونا لم يكن هناك إقبال على دور النشر نظراً لقلة وجود المؤلفين بسبب تكاليف الإنتاج العالية وبعد جائحة كورونا ساءت الأمور أكثر.
وأكد زيدان أنه بعد الجائحة لم يكن هناك أي إغلاق لأي من دور النشر ولكن هناك ناشرين تضرروا كثيراً، فقبل الجائحة كان الدخل الذي يعود على دور النشر بسيط جداً وبعد الجائحة أصبح الدخل معدوما وحتى اللحظة لا يوجد أي تغييرات على قطاع النشر والناشرين وفي حال بقيت الأمور تأخذ مسارها على هذا النحو من المؤكد سيكون هناك إغلاق لبعض دور النشر.
وأضاف، أن وزارة الثقافة لم تقم بتقديم أي خطة توضح ما هي الأسباب التي يجب أخذها للنهوض من جديد بعد جائحة كورونا، ولكنها اكتفت بطلب تعبئة استبيانات لمعرفة مدى خسائر دور النشر.
وذكر زيدان، أن المعرض الوطني الذي يُقام في شهر نيسان من كل عام، لم تتم إقامته لهذا العام بسبب جائحة كورونا، "والميزانية المخصصة من قبل وزارة المالية الفلسطينية للمعرض متوفرة، لذلك وبشكلٍ غير رسمي أقدمت جمعية الناشرين الفلسطينيين بتقديم طلب لتوزيع هذه المبالغ على مكتبات البلديات على مستوى الوطن وعرضها على المواطنين لبيعها ولو بسعر بسيط".
وبين عبد السلام عطاري، أن الضرر الكبير بعد جائحة كورونا لازم حركة النشر، نتيجة تضرر حركة النشر العربية وتوقف عدد من المعارض العربية من أهمها معرض مسقط ومعرض الرياض ومعرض أبو ظبي، وبالحديث عن إغلاق أكثر من 5 معارض بسبب الجائحة هذا من شأنه أن يضرّ بحركة النشر العربية وليس الفلسطينية فقط.
وأشار عطاري إلى "أن هناك إقبالا من القارئ الفلسطيني على القراءة وتبين ذلك من خلال دورات معارض الكتاب وكان هناك إقبال كبير على سوق الكتاب".
ومن الجدير ذكره، أن الصورة الحضارية والثقافية للإنسان الفلسطيني تبرز من خلال صناعة الكتاب وحل أزمة دور النشر والناشرين، وذلك من خلال نقطة تقع على عاتق الجهات الحكومية الفلسطينية بإقرار القوانين الخاصة بالملكية الفكرية وإنشاء المكتبة الوطنية وتفعيل دور الرقابة القانونية والنظامية، بالإضافة لوعي المؤسسات الثقافية الفلسطينية بضرورة الحفاظ على الملكية الفكرية للناشرين.