تموز شهر ساخن، فيه تنضج الثمار وتذبل الأزهار ويستظل المرء بسقف الدار في النهار وينتشر ليلا في الشوارع والسهرات مع الأصحاب. هكذا هو تموز في بلادنا كل عام، ولكنه في عامنا هذا تموز شهر ساخن وحار جدا يحمل مسيرة القضية الفلسطينية وهو الأكثر سخونة على القضية الفلسطينية منذ مئة عام، وإن كان ما ينتظرنا في تموز عشرين عشرين (2020) هو حصيلة هذه المسيرة الطويلة من النضال الوطني الفلسطيني والخذلان العربي الرسمي للشعب الفلسطيني الذي يتجلى اليوم في أسوأ حالاته من القبول الرسمي لدول العرب بالكيان الصهيوني بل بالمشروع الصهيوني كواقع في المنطقة بل كحليف موثوق لبعض دويلات الأعراب الاثنتين والعشرين والمرشحة لتجاوز في عددها الثلاثين عما قريب.
وبالعودة إلى الضم وعدم الضم وتأجيل الضم؛ فالعرب والأعراب ينتظرون ماذا سيقرر الثنائي نتنياهو – غانس حول مصير الضفة الغربية بكاملها وهي المنطقة المتبقية من فلسطين التاريخية حتى الرابع من حزيران عام 1967.
خارج إطار الدولة الصهيونية التي أعلنت على 78% من أرض فلسطين التاريخية وطن الشعب الفلسطيني أثر نكبة عام 1948 وذلك قبل أن تقع كامل فلسطين التاريخية تحت الاحتلال الإسرائيلي إثر حرب حزيران 1967 فانطلقت عملية تهويد الأرض الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس) المحتلة في حرب حزيران بإنشاء عشرات التجمعات الاستيطانية على الأرض المحتلة الجديدة، مخالفة بذلك القانون الدولي كقوة احتلال.
وجاء إعلان المبادئ (اتفاق أوسلو) الموقع بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 ليعطي الجزء المحتل من الأرض الفلسطينية عام 1967 وضعا خاصا تطور في العامين التاليين ليكون هذا الوضع نواة لدولة فلسطينية أو شبه دولة على ذلك الجزء من الأرض الفلسطينية، تقدم السلطة الوطنية من الخدمات الاجتماعية والأمنية والاقتصادية لشعبها ما تقدمه أية دولة عربية مستقلة وذات سيادة رغم كل ما تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلي من عرقلة لجهود السلطة الوطنية في بناء مؤسسات الدولة العتيدة وتطور المجتمع الفلسطيني.
وفي رأي كثير من المحللين، فإن الإنجاز الذي حققته منظمة التحرير الفلسطينية بتوقيع اتفاق أوسلو رغم كل المآخذ عليه واختلاف الآراء حوله يعتبر ثاني أهم إنجازات (م.ت.ف) في مسيرتها الطويلة نحو التحرير، والإنجاز الأول للمنظمة بلا منازع والأهم تمثل في بعث الشعب العربي الفلسطيني وإعادة تشكيله واستعادة هويته والاعتراف به عربيا ودوليا كشعب له حق تقرير المصير والعيش في دولة خاصة به على أرض وطنه التاريخي فلسطين.
ولهذه الأسباب انقلب الإسرائيليون على اتفاق أوسلو واغتالوا راعي الاتفاق رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين والرئيس ياسر عرفات، وبدأوا في عهد نتنياهو بتفريغ الاتفاق من مضمونه ومحاولة طمس الهوية الفلسطينية من جديد التي تتجلى اليوم في أطهر صورها في نية ورغبة بنيامين نتنياهو بضم الضفة الغربية بكاملها أو أجزاء منها أو بعض المستوطنات إلى الدولة الصهيونية، ووضع الأول من تموز (اليوم الأربعاء) موعدا لإعلان هذا الضم، ويبدو أن مشاكل إدارة ترامب المتعاقبة قد أضعفت اندفاع إدارته في تأييد الضم وارتأت تأجيل الضم إلى وقت آخر لانشغال الإدارة في مشاكلها الكبرى وهي جائحة كورونا، التي تضرب العالم وبشكل خاص الولايات المتحدة وتأثير ذلك على التراجع الاقتصادي الذي يشهده الاقتصاد الأمريكي وثورة الأمريكيين من أصول أفريقية، ويدعم ذلك جزء هام من الشعب الأمريكي، ما أضعف خطوط دونالد ترامب في الفوز بولاية ثانية، وخسارة ترامب للانتخابات يعني أن صفقة القرن التي أحد عناصرها الضم ستذهب أدراج الرياح، ذلك أن الحزب الديمقراطي بل إن بعض الجمهوريين واللوبيات اليهودية والمناصرين لإسرائيل تاريخيا يعارضون الصفقة من منطلق تهديدها لأمن إسرائيل وتحويل هذه الدولة إلى دولة عنصرية ثنائية القومية تفقد الدعم الدولي الذي تمتعت به منذ قيامها عام 1948.
ولا بد أن نضيف إلى أسباب تأجيل الضم المعارضة الجادة والواضحة وغير المترددة للملك عبدالله الثاني الذي هدد بالانسحاب من اتفاق وادي عربة رغم كل الظروف التي تمر بها الأردن على المستوى الاقتصادي والمستوى السياسي ومحاولات بعض الأعراب حصارها سياسيا واقتصاديا.
ويظل الأمر الأهم في مواجهة صفقة القرن وتفرعاتها المتمثلة بالضم موقف الشعب الفلسطيني وقيادته ممثلة بالرئيس أبو مازن بالرفض الواضح والحازم لصفقة القرن منذ اليوم الأول للحديث عن هذه الصفقة وما تلاها من اعتراف أمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل وما تلا ذلك من نقل للسفارة الأمريكية إلى القدس.
لقد نجحت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الرئيس أبو مازن بخلق رأي عام دولي حول رفض صفقة القرن ورفض الضم من أساسه وثبتت حتى في الولايات المتحدة إضافة إلى أوروبا والدول الصديقة الأخرى أن العالم في قاراته الستة أن الأرض المحتلة من فلسطين عام 1976 هي أرض الدولة الفلسطينية وأن من حق الشعب الفلسطيني إقامة دولته المستقلة على هذا الجزء من الأرض الفلسطينية وفق ما سمي بحل الدولتين كمدخل للسلام والاستقرار في المنطقة وأثره على الاستقرار في العالم. وبين الضم وعدم الضم وتأجيل الضم سيظل يراوح بنيامين نتنياهو حتى يقرر القضاء الإسرائيلي مصيره، فإما الى السجن وإما إلى جر إسرائيل إلى هاوية الدولة العنصرية، وبالتالي والنهاية الحتمية لمصير النظام العنصري في جنوب أفريقيا وروديسيا (زمبابوي).
وإذا كان العالم كله قد اتخذ موقفا معارضا لسياسات إسرائيل العنصرية بما في ذلك أصدقاء إسرائيل التاريخيين كبوريس جونسون وما أعلنه في رسالة على الصفحة الأولى لصحيفة يديعوت أحرونوت في تموز برفضه لضم الأراضي الفلسطينية لخطورة الأمر على السلام والأمن في المنطقة، فلماذا لا نرى هذا الموقف من دويلات الأعراب الأصدقاء الجدد القدامى للكيان الصهيوني. ولكن كيف لنا أن لا نذكر قوله تعالى في قرآنه الكريم "الأعراب أشد كفرا ونفاقا..." صدق الله العظيم.