الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

بين التهرب من المسؤولية وتوفير الحماية للمعتدين في قضايا العنف على الأطفال والنساء/ بقلم: ديما علاء الدين

2020-07-20 11:19:57 AM
بين التهرب من المسؤولية وتوفير الحماية للمعتدين في قضايا العنف على الأطفال والنساء/ بقلم: ديما علاء الدين
ديما علاء الدين

 

في كل مرة يتقطب حاجباي وتتأهب دموعي لترسم دربها على وجنتاي ألماً لما أسمع وأقرأ من قصص عنف وتعذيب للنساء والأطفال والمقهورين، أذكر نفسي بعبارة أقولها دائماً: " الحياة أبشع بكثير مما ترى وأجمل بكثير مما تتخيل". ولكن مع واقع اليوم وما يخرج من حيز التستر إلى "نور الشمس الوردي" من قصص مفجعة نسف النصف الثاني من الجملة؛ ففي كل مرة نتوقع موقف صارم من السلطات والقضاء، نراهم في موقف التهرب والحماية والتستر على المجرمين. وفي تشخيص ووصف ذلك أكتب:

لعل أول صور التهرب التي تتبعها السلطات وأذرعها القضائية في فلسطين ما أحب تسميته "بالحجة التاريخية العابرة للظروف"، والتي تتمثل بعبارة "مش وقته". ويعود تاريخ هذه العبارة إلى أوائل العمل الوطني المنظم؛ فقد قامت النساء بعمل المؤتمر النسائي القومي في 1962 كنوع من الاحتجاج على الاقصاء الذي تعرضن له من قيادات القوميين العرب ولتحسين الوضع الاجتماعي للنساء في المجتمع. ولكن شقت أوراق مخرجات المؤتمر بمطالبها تحت ذريعة "مش وقته"، وأحيلت القضايا الاجتماعية للجمعيات النسائية، كما يحصل اليوم وفي كل يوم.

وما يؤلم هو اصطفاف عبارة "بعدين" إلى جانب حجة الأولوية التحررية من المستعمر؛ فهذه تأتي كرد على الحملات الرافضة لسيداو وقانون حماية الأسرة الفلسطينية من العنف، فيتم تخدير الشارع بإسكات النساء؛ في عبارة "بعدين" يؤجل سن القوانين والمباشرة بموائمة قانون الأساس مع الاتفاقيات الموقعة لحماية النساء والأطفال والأسرة الفلسطينية من العنف. ويتم إحالة هذه القضايا للجمعيات النسوية ومؤسسات المجتمع المدني، على اعتبار أنها وظيفتهم وفضائهم الذي يجب أن يستغلوه ويقدموا كل ما بإمكانهم من مساهمات لدعم منظومة "الدولة الفلسطينية"، ولكن المضحك هو أن مجهود هذه المؤسسات يرتب على رفوف ال"بعدين" والتي في سياقنا الفلسطيني مدتها 16 عام -حتى الآن-، أما الدعم المقابل من السلطة لهذه المؤسسات فيقتصر على توقيع الاتفاقيات والمعاهدات التي تعزز التعاطف الدولي مع "دولة فلسطين" أي ليس لسواد عيون المؤسسات وحقوق النساء، بل كطريقة للحفاظ على وجودها، كما أنها تسعى دائما للحفاظ على بناءها الهرمي الأبوي، الذي يشكل عامود الأساس لكيانها، وهذا هو سبب ال"بعدين". بعبارة أوضح، تخاف منظومة السلطة من خسارة موقعها على رأس الهرم الأبوي فوق قاعدة العشائر والعادات والتقاليد، فتنصاع لرغباتهم حتى تعلو بتصفيقاتهم. ولا يمكن توقع أي سلوك "لا أبوي" من هذه القواعد، فهي مرآة بل وأحد البنى التي تعكس التطور المادي التاريخي الطبيعي للمجتمعات البشرية، والتي بعد حقبة الهزيمة التاريخية للنساء أصبحت أجسام ذكورية ذات سلطة ضابطة للسلوك على مزاجها.

وفعلياً كل تهرب هو تواطؤ وحماية للمعتدين، فتهرب السلطة وتأجيلها سن قانون حماية الأسرة يعبد ممرات آمنة للمعتدين يهربون منها من المحاسبة على جرائمهم- هذه ليست بجملة مبالغ فيها- ففعلياً حتى لو أن قانون الأساس الفلسطيني يحمل في فقراته ما قد ينصف بضعاً من الضحايا فإن مشكلة هذه الفقرات هي أنها نصوص قانونية فضفاضة، غير متخصصة ولا تبت في التفاصيل ولا تعترف بكثير من الانتهاكات، مثل: الاغتصاب الزوجي، الاعتداءات الجنسية المثلية، سفاح القربى، والتحرش الجنسي. ولكن الاشكال لا يترتب فقط على نص القانون، فحتى لو وضعت قوانين منصفة فهنالك علامات سؤال حول القضاة والمحققين ورجال الأمن، فكثيراً ما نسمع عن مشتكية عن متحرش ذهبت لمراكز الشرطة لتتعرض لتحرش أخر أو لوم على لباسها وسلوكها، كل هذه التجاوزات تأتي من استغلال قوة المنصب الذي يملكه رجل الأمن أو حتى القاضي، وقد تمتد هذه المسألة للتغطية على المعتدين من أصحاب المال والنفوذ في المجتمع. وبالتالي فنحن لسنا فقط بحاجة إلى قانون حامي بل إلى منظومة تشريعية وتنفيذية لا أبوية-ذكورية.

 هنالك نوع أخر من الحماية والتهرب يدخل فيه بعد "دولة الاستعمار" بمنظومتها القضائية وسياساتها المدعية للديمقراطية وحماية المستضعفين أو ما يسمى "بالغسيل الوردي"، والذي يستغل كل ما سبق من فجوات وثغرات حتى يجمل نفسه، فمثلاً: في الوقت الذي يرفع القضاء الفلسطيني يديه عن مجرم لا يحمل الهوية الخضراء، وكون السلطة التنفيذية لا تملك أدوات وآليات قادرة على إنقاذ الضحايا خراج "حدود الضفة الغربية وغزة"، تصبح الضحية واقعة في مأزق اللجوء إلى سلطة غير شرعية، وهنا يدخل الكيان المستعمر ليتسلق على هذه القضايا ويلقّب بالحامي لهذه الفئات.

قد تكون هذه المقال قد حملت الطابع السردي للواقع، ولم تناقش الكثير من الأفكار الجديدة أو الحلول، ولكنها من جانب آخر تعكس ضعف القشة التي حاول أن يتعلق بها كل شخص لجأ لمنظومة السلطة الفلسطينية للخلاص من الاعتداءات التي يتعرض أو تتعرض لها.

كما وأعتبر أن كل ما كتب في هذه المقال هو عزاء لكل  امرأة أو طفل أو مقهور نجى أو راح ضحية الاعتداءات التي تعرض لها.