الحماية هي الوظيفة القديمة للذكورة، وكثيرون مثلي من الرجال، لا يفضلون تحمّل ضربةٍ في الجمجمعة من مُجرم أو طعنةٍ من سكاكين الحثالات، إذا كانوا قادرين على حبسِ المعتديــن عليهم، ومعاقبتهم بواسطة الشرطة وحكم القانون.
ولكنّنا كرجال في المجتمعات العربية، مضطرون أحياناً للقتال دفاعاً عن بيوتنا وأهلنا وأموالنا، ما يعني أننا نحتاجُ قوة اجتماعية تغضبُ لغضبتنا، وتقف في ظهورنا إذا وقعت الواقعة.
وعلينا بالمقابل الالتزام أمام عشائرنا وعائلاتنا وأصدقائنا، بأن نحافظ على بيوتنا داخل "مناطق اجتماعية آمنة" من حيث السلوك والممارسات، فلا نسمح بشذوذ أولادنا وبناتنا خارج هذه المناطق، لأنهم سيكونون أكثر عرضةً للخطر، ويحتاجون دفاعاً ومساندةً متواصلةً لا يطيقها أحد. هكذا يُتركُ الخارجون عن ثقافة العشيرة أمام خيارين، إما التعرض للأذى المتواصل، أو السكوت والخنوع أمام اعتداء الآخرين على أهلهم وبيوتهم ليكونوا عديمي شرف، أي أن أحداً لا يتشرف بمجالسهم، ولا يدعوهم لحضور مناسبة.
الأصوات التي تنادي بإسقاط مفهوم الشرف من القاموس العربي تعمل بوعيٍ أو دون وعيٍ ضد مصلحة المجتمع، لأنّ السؤال الكبير هو حول مواصفات "المنطقة الاجتماعية الآمنة" وحدودها المعلنة بالقانون، فيجب على القانون الحاكم لأي نظام سياسي أن يراعي ابتداء قدرة الجهاز الأمنيّ على حماية الناس، لكي يعرف حدود "المناطق الاجتماعية الآمنة" التي يستطيع فرضها.
فالجهاز الأمني الفلسطيني مثلا، قد لا يستطيع التصدّي لمعركة بين مدينــتين، ذلك يعني أن على القانون محاربة أية ظواهر يمكنها أن تشعل مثل هذه العصبيات والهويات الضيقة، وعلى مؤسسات الدولة الأخرى أن تطوّر العملية التعليمية، وتخلق فرص الحوار واللقاء وتبادل الأفكار بين الناس بهدف توسيع "المناطق الاجتماعية الآمنة" وتحسين مواصفاتها وشروطها.
يمكن ساعتها لمفهوم الشرف البريطاني، أن يشمل فتاةً إنجليزية تمشي في أقذر وأحطّ شوارع العالم، بتنورةٍ قصيرة وملابس شفافة، لأنها تعرف أن سفارة بلادها العظيمة تحميها، ولأنّ المنجز الحضاريّ والثقافي لهويتها القومية قادرٌ على صونِ عرضها أينما حلّت و وطئت قدمها من كوكب الأرض. وفي المقابل، تعثرُ الشرطة الفلسطينية في بئرٍ منزليّ على جثّة فتاةٍ متحللة من تسع سنوات، لأنّ شرفَ والدها كان أضيق من محيط عنقها الصغير، وكان الطريق الأسهل أمام عفونة أفكاره وأفكارنا، أن يزهق روحه بيديه.