الخميس  21 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

قانون حماية الأسرة (2): المرأة وخطاب الفوضى والاستثناء

2020-07-21 12:31:57 PM
قانون حماية الأسرة (2): المرأة وخطاب الفوضى والاستثناء
رولا سرحان

تورد عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي وجهة نظرها في مفهوم الخلاص عند عميد الأدب العربي طه حسين بالقول إن الخلاص عنده يبدأ حين يتم الحوار بين المُضطهِدِ والمُضطَهَد، وبين القوي والضعيف، ولا يمكن أن يتم المضي قدماً في حالة من حالات التطور دون أن يتعلم الرجال نسج علاقة مع الكائنات الأقرب إليهم، أي النساء اللواتي يتقاسمن معهن الفراش. فأي ابتعاث فكري أو تقدم أو سيادة أو عملية تحرر إنما ينشأ تطبيقها من مبدأ القبولِ بالحوارِ أي القبولِ بالآخر طرفاً مساوياً له في القدرِ والقُدرة، ونبذ الاستبداد في التصرف وفي الرأي، وتركِ العنفِ كفعلٍ مجسد لامتلاك السلطة ومشروعية ممارستها.

وتتجلى أبرزُ مظاهِرِ خطاب السلطة الممارس حالياً، من قِبَلِ أي سلطة كانت، في فوضويته، أي أنها فوضويةٌ كامنة في البنى المكونة لكل مركزٍ للسلطة. وبالقياسِ على واحدةٍ من جرائم عدة، كجريمة مقتل الفتاة "نورا شاكر النتشة" وضياع جثتها لعشر سنوات في حفرة امتصاص قاذورات العائلة، ومن ثم قيام إحدى وسائل الإعلام بإجراء مقابلة صحفية مع ابن الفقيدة بصفاقةٍ لا توصف، وصولاً إلى منع النائب العام النشر في القضية، تتكشف معالمُ الفوضى تلك، وتتكشفُ معالمُ التواطؤ القائم على الاستثناء أيضاً.

ما هي فوضى الخطاب المقصودة هنا؟ عندما تكونُ حالةُ الاستثناء هي حالة الممارسة المستدامة تصبحُ بنيةً أصيلةً في التركيبة الاجتماعية والتركيبة السياسية. وهي بذلك، تمهد الطريق لحالة الفوضى في الخطاب وبالتالي الممارسة،  فالأب يقتل ابنته لأن هنالك حالات استثناء تُتيحُ له قانونياً فعل ذلك، ولأن الأب مستثنى بفعل أبوته وذكوريته من اللوم الاجتماعي على اقترافه جريمة قتل، فالمدانةُ أولاً وأخيراً هي المرأة، بذريعة أنها لو لم تفعل ذلك، لما قام "هو" بفعل ذلك بـ "هي". لتكونُ المرأةُ مُمثلةً لخطابِ العفة وتمثلاته في الظاهر لكنها مستثناةٌ منها بداهةً وحقيقةً.

ويمكن تمثيلُ تلك الفوضى أيضاً في تكرار حالات الاستثناء من النشر، أو ما يعرفُ في القانون بسلطة النائب العام بـ"منع النشر" لمقتضيات المصلحة العامة وعدم التأثير على سير التحقيقات. وتُشكل حالات ممارسة "السلطة" تلك تعبيراً واضحاً لفوضى الخطاب القانوني في فلسطين، الذي يراوحُ مكانه ولا يجد من منفذ له للهروب إلى الأمام سوى بمنع النشر. وحالةُ منع النشرِ تلك تحفظُ الوضع القائمَ على ما هو عليه، وتحافظُ على رداءةِ الرديء، بل تغذيه وتربيه، لأنها تمنعُ أي نوعٍ من الوقوفِ أمام الحقائق على بشاعتها، وبالتالي لا تَحدُثُ حلولٌ جذريةٌ قائمة على المواجهة ما بين القانون والعرف الاجتماعي، فتظل الغلبةُ للعرف الاجتماعي على حساب القانون، ويظل النائب العام يمنع النشر تحت طائلة الاستثناء، ولا يمنع الجريمة من الوقوع والاستمرار تحت طائلة التكرار.

أمّا الإعلام الساذج، فيظنُ أنه حالةُ استثناءٍ في المهارات أو في الوصولِ إلى سبقٍ صحفي، دونَ أن يعي أن حالةَ الاختراق التي حققها هي حالةٌ أخرى تضافُ إلى حالات فوضى الخطاب الإعلامي، الذي يبدو في كثير من الأحيانِ متواطئاً في الصمتِ عن قضايا المرأة، ومساواتها، وحريتها، بل أحقيتها وجدارتها بالحياة، فيفزعُ فزعةَ رجلٌ مخصي، وينامُ بعد إنتهاء الإثارةِ والتشويق ولذة الاستمتاع بالخبر.

إن خصوبة إنتاجِ الفوضى، مبنيةٌ على استمراء العيش في ظل الاستثناء، لأنها تُحافظُ على مبادئ اللعبة قائمةً دون تغيير القواعد، ودون حاجةٍ إلى خلخلةِ السائد، وضرب ما يُظَنُّ أنه حقيقة، أو مقدس، فنظلُ نراوحُ مكاننا نحاولُ أن نبرر لماذا نريدُ قانوناً يحمي المرأة، ويحمي الطفل، ويحمي الأسرة من العنف.