الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

سرقة جرن المعمودية وغيره من الآثار مسؤولية من؟| د.غسان طوباسي

2020-07-21 07:18:27 PM
سرقة جرن المعمودية وغيره من الآثار مسؤولية من؟| د.غسان طوباسي
د.غسان طوباسي

 

كم كان مُحزناً منظر قوات الأحتلال وهي تدخل بلدة تقوع خلسة وتسرق جرن العّماد الوردي، الأمر مُحزن لأننا تركنا إرثاً وكنزاً مهملاً في الخلاء لسنوات طويلة رغم كل النداءات، ومُحزن لأننا لا نعرف قيمة آثارنا وكنوزنا، ومحزن لأننا نجهل تاريخنا وتراثنا مُتمسكين بجزئية تاريخ هذا الشعب متجاهلين جهلاً أو عمداً كامل الحكاية ومكوناتها المختلفة تاركين للمُحتل كل المجال لسرقة تراثنا وحضارتنا وتاريخنا ومسّلمين في أغلب الأحيان بروايتهِ المُزيفة التي بناها وفبركها من وحي تاريخ وحضارة الكنعانيين والآراميين وغيرهم من ساكني هذهِ الأرض الأوائل.

إن الأهمال في الحفاظ على جرن العماد الوردي والذي يعود تاريخهِ إلى الفترة البيزنطية أي ما يقارب ألفي عام؛ هو مثال على تقصيرنا وعدم معرفتنا بأهمية هكذا آثار والتي تشكل أهم الدلائل على دحض الرواية الصهيونية في أن هذه أرض بلا شعب.

إنها ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة في إهمال وتسريب آثارنا وتراثنا، لأننا لم ننجح حتى هذه اللحظة في ربط تاريخنا الفلسطيني بتاريخ الشعوب والحضارات التي سبقتنا على هذهِ الأرض، وهذا ما جعلنا عاجزين وفاشلين في وضع هوية فلسطينية جامعة وواحدة وبقينا أسرى لمكون واحد من ثلاثة مكونات للهوية الفلسطينية.

فإذا نحن لم نقتنع بأن الموروث الفلسطيني هو نتاج حضارات ثلاث اختلطت عبر الزمن على هذهِ الأرض أي الكنعانية والمسيحية والإسلامية سنبقى نتخبط ولا نستطيع مواجهة الرواية الصهيونية، والتي تستند أساساً إلى أن اليهود هم استمرار للحضارة والتاريخ الكنعاني وكل ما يمت إلى ذلك من تراث وحضارة ولغة وأرض.

الحفاظ على تراثنا وآثارنا يتطلب أولاً فهمنا بأننا الورثة الحقيقون لهذا التاريخ وهذهِ الحضارات وهذا بالطبع يتطلب قناعة فكرية وتاريخية تعيد التعريف لهوية وتاريخ الشعب الفلسطيني، وإلا فإننا نؤكد بأن الشعب الفلسطيني وهويته تكونت كرد فعل على المشروع الفلسطيني بأكثر تقدير بالقرن الثامن أو التاسع عشر.

ما نرتكبه يا سادة هو كارثة فكرية وسلوكية وأخلاقية خاصة وأننا أصحاب قضية عادلة ولكننا لم ننجح بالاتفاق على تفاصيلها وروايتها. 

المطلوب هنا أن تتم صياغة تاريخ وهوية واضحة ومحددة لهذا الشعب يتم تدريسها بالمناهج بدءاً من المرحلة الابتدائية وتعطى حيزاً مهماً في المنهاج تحت اسم المواطنة والهوية وهذا بحاجة لجهد من رجال فكر وعلم ووضع وثيقة تاريخية تتبناها كل أجهزة الدولة ومكونات المجتمع تعيد تعريف تاريخ وهوية الشعب الفلسطيني حتى نعرف نحن والأجيال التي بعدنا على ماذا يجب أن نحافظ وندافع ومن هم أجدادنا وتاريخنا وحضارتنا وإلا نكون قد وقعنا بالفخ وسمحنا للحركة الصهيونية بأن تنجح بمشروعها التزويري والذي كان أساسه سرقة تاريخ الكنعانيين وما سبقهم ولحقهم وأصبحوا هم ورثة هذا التاريخ.

إن ملاحقة اللصوص وتقديمهم للمحاكم الدولية يتطلب جهدا ومسؤولية عالية لاسترجاع كل ما تمت سرقته من آثار ومقتنيات تاريخية تعود لأجدادنا.

إنه الوعي والانتماء وهذا ما يحتاجه أبناؤنا وأحفادنا، ما نحتاجه إعادة صياغة مناهج وبرامج وطنية تحدد معالم التاريخ والحاضر والمستقبل.