إذا سألت رسميا فلسطينيا حول القضايا الداخلية التي يعيشها المجتمع الفلسطيني، لأجابك على النحو التالي "إننا منهمكون في مقاومة كورونا، ومنهمكون كذلك في مواجهة مؤامرة الضم، وكل ما عدا ذلك يمكن أن يتأجل حتى إشعار آخر".
وإذا لاحظنا كيف تتعامل الكيانات الحية مع الجائحة ومع التحديات السياسية، فإننا نرى أنها تعطي اهتماما متوازيا لكل ما تواجهه ولا نرى من يعتبر الجائحة سببا لإهمال أي شأن خاصة وأن مصالح الناس مرتبطة ببعضها البعض ولا مجال للفصل بينها بل ولا مجال للبحث عن أعذار للتخلي عن كثير منها.
ما الذي يواجهه المجتمع الفلسطيني في هذه الفترة ولنسمها فترة الجائحة الصحية المسماة كورونا والجائحة السياسية المسماة صفقة القرن؟
هنالك معادلة مفتعلة وهي أن النجاحات للسلطة أما الفشل فهو من الناس، وهذا المصطلح الذي يستخدم لتفسير كثير من الأمور السلبية في بلادنا يشير صراحة إلى خلل عميق في العلاقة بين السلطة والناس، وهذا أمر لا يحل بالإعلام ولا بالجدل ولا بالمناشدات، وإنما يحل بأداء سليم ومقنع لكل المهام الملقاة على عاتق السلطة.
ليس مطلوبا أن تستخدم الهراوات لإلزام الناس بالتقيد الدقيق بالتعليمات الصحية، فالذي لم تنفع معه الهرواة الإسرائيلية لن تنفع معه أي هراوة أخرى، إذا نحن حيال خلل ينبغي أن يعالج ولا جدال في أن إحجام قطاعات واسعة عن الامتثال لتعليمات السلطة له سبب يتصل بتقويم الناس لأدائها في شتى المجالات وليس في مجال إصدار تعليمات الوقاية، فما أسهل أن يقال للناس افعلوا كذا وكذا وما أصعب أن يذعن الجميع.
لو نظرنا إلى حربنا مع كورونا، فإننا وإن كنا جميعا نقدر الجهود التي تقوم بها الطواقم الطبية ومن يتطوع معها، ومن يقدم لها ما تحتاج من إمكانيات، إلا أننا لا نغفل ما يتعين على السلطة أن تقدم وفي واقع الأمر عليها الكثير.
الفلسطينيون عصاميون ويعتمدون كثيرا على أنفسهم حين يحتاجون ذلك في شتى المجالات، ولننظر إلى تفاصيل معركة الخليل مع كورونا بالذات، إن المقوم الأساسي لهذه المعركة هم الناس المنتشرون في جميع أنحاء العالم، والذين تشدهم إلى بعضهم البعض وإلى بلدهم شرايين دم لا تنقطع، وهذا بحد ذاته ما يبعث في نفوسنا طمأنينة دائمة وإذا ما تميزت الخليل عن باقي المحافظات بفعل كثافة واتساع بؤرة الوباء، فإن ما أظهرته الخليل هو سمة مميزة لأهل فلسطين في كل مكان على أرض الوطن وفي الشتات، فلتستفد السلطة من تجربة كهذه وترعى وتدعم بعمل مؤسس ومنظم الإفادة من طاقات الشعب الفلسطيني ليس فقط في مواجهة الجائحة وإنما في التنمية المستدامة التي نحتاجها إذا ما أردنا أن نواصل الحياة والصمود والسعي باتجاه الحرية والاستقلال.
عودة إلى السياسيين وانهماكاتهم المعلنة ونحن نرى ماذا يفعلون ولا يفعلون.
إن حكاية الضم هي حكاية الإجماع الفلسطيني على رفضها وعدم التعاون معها تحت أي ظرف من الظروف، الفلسطينيون ليسوا بحاجة إلى شعارات وهتافات ولا إلى سياسيين يجلسون على المقاعد في الصف الأول يتبادلون الخطب، إن الفلسطينيين بحاجة إلى من يحل لهم المشاكل المتفاقمة التي تعترض حياتهم وحياة أسرهم، الفلسطينيون بحاجة إلى من يصارحهم وبحاجة إلى برامج تخفف الوطأة عن كاهلهم، وحتى الآن لم نسمع شيئا مقنعا في هذا الاتجاه.
كورونا وباء يجب أن نتضامن جميعا في مواجهته وكذلك الاحتلال، ولا أريد اختصار الأمر في الضم، أما الناس الذين بدأوا يجاهرون بالشكوى، فهم ينتظرون حلولا عاجلة، وكل ما تأخر الوقت ازدادت المعضلة استفحالا.