من المؤكد أن المواطنين في فلسطين مختلفون –أيضا- بتفاوت ثقافاتهم بالتفاعل والتعامل مع جائحة فيروس كورونا، فمنا الملتزم حمايةً لنفسه ولغيره، ومنا غير المبالي السائر بنظرية مناعة القطيع والمتأثر اليوم بشكل كبير نتيجة لذلك وهو الذي يرفض حجر نفسه –وعمله- ويتصرف كأنما ليس هناك فيروس!
أي كان القرار، فإنه سيؤثر على اقتصادنا وإن انتهت الجائحة، فمناعة القطيع يا سادة غير مناعة الاقتصاد، وبالتالي فالأثر علينا جميعا -إن لم نلتزم- سيكون الأمر مدمرا لاقتصادنا الهش أصلا والأخطر أن نبرر ونقنع أنفسنا بأن فتح المحال التجارية سيغطي التزاماتنا المستمرة، هذا لأن مرضنا سيقعدنا ويشكل خطر على حياتنا.
بالنظر إلى أعمالنا، نرى تباطؤا كبيرا بنسبة النمو حسب الإحصاءات المعلنة، لا وببعض المفاصل يوجد شبه شلل انعكس وسينعكس أكثر على معدلات البطالة. إن مشكلة الشيكات لم تنته ولكنها تأجلت تماما مثل دفعات القروض، ولكن بدون فوائد، وهذا أدى إلى زيادة في حجم الدورة التجارية للمنشآت والممولة أصلا من طرفين إما الوكيل / الموزع، وهو الآن مثقل بعدد وحجم الشيكات المرتجعة والتي كما أسلفنا تم تأجيلها "وليس إلغاؤها"، من البنوك التي مولت التجار الكبار الذين صمدوا بوجهه إفرازات الجائحة ولكنهم لا يتحملون ضغطا أكبر/ أكثر لسلامة جميع الأطراف. المطلوب حكمة في التعاطي لأنه لا وجود لوصفة صحيحة.
مما سبق، نستنتج بأنه -وبشكل عام- الذي اقترض هو التاجر المليء وليس المنشأة الصغيرة التي منحها هذا التاجر فترة سداد ليست بقصيرة. هنا يقف البنك حائرا أمام تاجر كبير أخذ التسهيلات ويستمر بالاقتراض لتمويل دورته التجارية / رأس المال العامل، من خلال حمل عبء المنشآت الصغيرة أيضا. هنا أخذ القرار الحكيم بإنشاء صندوق استدامة بقيمة 300 مليون دولار أو مليار شيقل وهو كاف إذا ما تم رفده ببعض المحددات والحوافز التي ترفع حجم الطلب عليه وبالتالي تنجح السبب لإنشائه، وأقترحها كما يلي:-
المصارف كما ذكرت قد أقرضت كبار التجار والآن بعضها جدول وأعاد جدولة بعض التسهيلات. فكيف نطالبها بإقراض أعلى ولمن؟، هنا يجب طلب المستطاع من البنوك وتوفير ليس فقط السيولة، وهي مرتفعة في عملة الشيقل بالأخص، ولكن ضبط مخاطر عدم السداد، لأن البنك إذا ما تعثر المقترض ستكون التكلفة عليه مهلكة -ليست صعبة أبدا- لأن المعيار المحاسبي "9" أصبح يطالب البنك بالتخصيص -من ربحه ورأس ماله- ليس عند حصول تعثر ما في التسهيلات ولكن احتساب المخصص من اليوم الأول حول احتمالية التعثر "PD"، وهنا نسأل طالب مدرسة بالصف الرابع هل احتمالية التعثر في زمن الكورونا مرتفعة؟ الجواب واضح.
تعتبر نسبة التعثر في فلسطين أكبر وسام لسلطة النقد وأفضل بوليصة تأمين للبنوك الوافدة، فأموالهم بأمان لأن ثقافة التعثر عندنا -بشكل عام- مبنية على عدم استطاعة الدفع وليس عدم النية بالدفع. بالطبع الشكر والتقدير لكفاءاتنا في دوائر التسهيلات التي تدرس بمهنية وأنا شاهد على ذلك، وهذا واضح بجميع أرقامنا وإحصاءاتنا. وهنا أقول الطلب من البنوك بالإقراض شيء والموافقة بالمنح شيء آخر فمن غير المعقول التهور بالإقراض لحماية الاقتصاد ولكن اتباع الإقراض السليم ولمستحقه كفيل بحماية الاقتصاد.
إن مأساة المقاصة في الأشهر السابقة وما حصل ويحصل نتيجة لذلك يجب ألا يرعب صانعي القرار بالمصارف، فخيار إرجاع الشيكات لجميع المصدرين والطريقة التي يتعاملون فيها وهم الأقل تضررا لا بل الأوفر حظا بالبيع بأيام الطوارئ، لا تنطوي على دفعات القروض "وهي أيضا التزامات كالشيكات"، فقد نفذت بطريقة مهنية وما زالت، وهنا درس آخر يجب أن نتعلمه.
إن استمرار صناديق ضمان القروض بالعمل على مدى أكثر من خمسة عشر عاما وضمانها للقطاع المصرفي بتسهيلات منخفضة التعثر بمئات ملايين الشواقل وعدم إفلاسها نتيجة ارتفاع نسب التعثر مثلا، كفيل باستخلاص العبر واستغلال هذه الصناديق في وقتنا هذا وإنشاء صناديق جديدة. أوصي هنا لصانعي القرار بالتحاور في هذا المضمار وإشراك لا بل اشتراط ضمان حزمة القروض المذكورة أعلاه من مؤسسات ضمان القروض وبنسب وآجال متفق عليها. وهنا نقول بما أن قاعدة مخاطر أعلى = سعر فائدة أعلى والعكس صحيح، فإن الإقراض بنسب فائدة 3% يصبح مبررا حكما. وهنا نسأل: هل البنوك بحاجة إلى سيولة للإقراض بحجم 300 مليون دولار، أم بحاجة إلى حماية / ضمانات لفتح شهيتها على الإقراض وتبرير خفض سعر الفائدة؟
بالنهاية نقول: إن كان ولا بد من دعم الاقتصاد بقروض مثل باقي الدول، فالأولى أن تكون مضمونة سيما وأن ثمن الضمان ممكن دعمه من أكثر من طرف.