ترجمة الحدث_ محمد بدر
نشر موقع واللا العبري تقريرا حول القوة البحرية التابعة لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وذلك في ضوء التقارير، التي تتحدث عن هروب أحد قادة القوة إلى "إسرائيل" بعدما تبيّن أنه يعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية. وجاء في التقرير:
في آذار / مارس 2010، وصلت معلومة استخباراتية إلى مكتب رئيس جهاز الشاباك يوفال ديسكين حول أربعة من نشطاء حركة حماس يستعدون للعودة من إيران بعد تلقيهم تدريبات خاصة في فنون القتال في البحر، وهي معلومة نقلها ديسكين إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي، في ظل زيادة أعداد رحلات التدريب من قطاع غزة إلى طهران وبيروت، ليتضح فيما بعد أن الأربعة كانوا النواة الأولى لتشكيل "الكوماندوز البحري"، والتي تعتبر اليوم الوحدة الأهم والأقوى في القطاع.
وأوصى جهاز الشاباك في حينها بتصفية المقاتلين الأربعة فور دخولهم قطاع غزة، وكانت رسالة جهاز الشاباك إلى جيش الاحتلال بأنه في حال لم يتم التعامل معهم، فإن "إسرائيل" ستواجه مشكلة خطيرة على الأرض، لكن رئيس أركان جيش الاحتلال في حينها والمستوى السياسي الإسرائيلي فضّل عدم المساس بهم وذلك للحفاظ على حالة من الاستقرار في المنطقة، من أجل التفرغ للمشروع النووي الإيراني.
لكن قادة سلاح البحرية الإسرائيلي كانوا يعتقدون بأنه يجب اغتيال هذه النواة البحرية في حماس، وبعث قائد البحرية آنذاك، اللواء إليعازر ماروم، رسالة إلى الجهات المعنية بأن الاغتيال في هذه الحالة خطوة ضرورية، ومع ذلك لم يقتنع رئيس الأركان جابي أشكنازي بذلك، ولذلك بعث قائد البحرية، ضابطا كبيرا، إلى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية عاموس يالدين، من أجل إقناعه بضرورة التحرك، واقتنع الأخير بوجهة نظر سلاح البحرية، وتم تقديم المعلومات والتوصيات إلى مكتب أشكنازي، الذي أعطي "الضوء الأخضر" لبناء سيناريو اغتيال وطلب الحصول على معلومات مفصلة عن عودة المقاتلين الأربعة.
إلا أن حدثا جرى خلال أسابيع التخطيط وجمع المعلومات، عرقل عملية اغتيال المقاتلين، اضطر الجيش وسلاح البحرية للتعامل مع قافلة السفن التركية "مرمرة"، التي حاولت فك الحصار عن قطاع غزة في 30 مايو 2010، وخطف الحادث أنظار الجميع حتى في المؤسسة الأمنية.
في 4 يونيو 2010، بعد أيام قليلة من مهاجمة سفينة مرمرة، وصلت معلومة أخرى إلى المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية بأن سفينة مساعدات أخرى "راشيل كوري" ستصل إلى غزة، وقد تم السيطرة عليها من خلال اللواء الثالث عشر بقيادة العميد أ في اللحظة التي دخلت فيها إلى المياه الإقليمية، وتم نقلها إلى ميناء أسدود.
وفي اليوم نفسه، تلقت قيادة البحرية طلبًا للمساعدة في عملية يقودها سلاح الجو، وتتمثل في مراقبة المحور الساحلي بين خان يونس وغزة، وتبين أن هناك معلومات استخباراتية مؤكدة لدى جهاز الشاباك الإسرائيلي تفيد بأن فرقة من كتائب القسام تستعد لهجوم كبير من خلال البحر، وقد أرسلت طائرات مقاتلة لاغتيال الفرقة، لكن الظروف لم تساعد سلاح الجو في القيام بمهمته، لذلك تم تأجيل العملية 24 ساعة وطلب من القوات البحرية المساعدة في العملية.
وأعطى اشكنازي الضوء الأخضر للبحرية الإسرائيلية بالمساعدة في اغتيال الفرقة القسامية، بعد أن وضعت البحرية بين يديه سيناريو للعملية، وأطلق على العملية اسم "مفتش الغذاء". وفي حوالي الساعة 3:00 بعد الظهر، وتحديدا في مقر البحرية، اتصل قائد البحرية بقائد اللواء 13 وطلب منه نشر القوات، وتجهزت القوات والمعدات للقيام بالعملية.
وأشارت المعلومات الدقيقة، التي وصلت لجهاز الشاباك أن الفرقة ستضم 5 مقاتلين، وأنهم سيصلون إلى شاطئ غزة - خان يونس خلال ساعات الليلة، ومن ثم سيبدأون هجوما من خلال البحر وصولا إلى إحدى قواعد جيش الاحتلال أو إحدى المستوطنات، ووفق الخطة الإسرائيلية، فإن سلاح الجو سيتولى مهاجمتهم إن كان ذلك ممكنا، وإن لم يكن كذلك، تهاجمهم البحرية الإسرائيلية.
وكانت العملية الإسرائيلية في عرض البحر تبدو لمسؤولي جهاز الشاباك غاية في التعقيد، فالبحر في غزة مدينة أخرى بحسب أدبيات المؤسسة الأمنية في "إسرائيل" وذلك لكثافة وجود القوارب والناس والمعدات، وهناك صيادون مهرة مهمتهم إبلاغ حركة حماس بأي تحرك مشبوه في البحر، من خلال إشارات متفق عليها بين الطرفين، ويقول مسؤول في جيش الاحتلال "سكان غزة بحارة، لقد ولدوا في البحر. إنهم يسبحون باحتراف واستخدام القوارب أمر طبيعي للغاية بالنسبة لهم".
تلقى قائد اللواء 13 الموافقة على العملية من المراتب العليا، وأجرى التمارين وقدم تأكيدات بأن القوات لن تصاب بأذى، ولكنه شعر بتوتر شديد في اللحظة، التي تقرر فيها بدء الهجوم، فقد صاحبته تخوفات حقيقية، مثل أن يتم إطلاق النار عليهم من الشاطئ، أو أن ينتهي المطاف بأحد جنود البحرية في عمق البحر، بحيث لا يمكن البحث عنه في ظل الظلام والنار، خاصة وأن أهم قاعدة في عمل البحرية هي الانسحاب من ساحة العدو بسرعة.
في تلك اللحظات، تم استدعاء قوة تنفيذية من جهاز الشاباك، كانت قد شاركت في عمليات اغتيال خاصة، أما غرف الشاباك، فقد امتلأت بالشاشات العملاقة، التي تعرض الصور ومقاطع الفيديو من أرض العملية، بما في ذلك صور وأسماء مقاتلي كتائب القسام الخمسة.
وفي الصف الأول من غرفة العمليات، كان "م" رئيس قسم العمليات في الشاباك، يدير العملية، وخلفه كان يجلس نائب رئيس الجهاز يتسحاق إيلان، الذي أشرف على تدفق المعلومات الاستخباراتية والتنسيق بين الوحدات، وكذلك رئيس العمليات في هيئة الأركان العامة تل روسو، وقائد البحرية ميروم وضباط آخرون من جيش الاحتلال الإسرائيلي وقسم عمليات القوات الجوية، وكانت المعلومات والصور تعرض أمام الجميع على الشاشات، وقال مسؤولون كانوا يتواجدون في الغرفة إن ما كان يُعرض من الأرض، ينسجم مع المعلومات، التي أوردها الشاباك حول العملية.
وقالت مصادر عسكرية اطلعت على العملية، إنه تم تحديد أسماء المقاتلين ونقلت المعلومات إلى المتحدث باسم جيش الاحتلال من أجل الإعلان عنها بعد تنفيذ العملية، وكانت الطائرات في تلك اللحظات تحلق فوق قطاع غزة. انتظر مسؤولو جهاز الشاباك لحظة وصول مقاتلي القسام إلى نقطة جغرافية ملائمة، وبعيدًا عن شواطئ غزة، كان مقاتلو البحرية الإسرائيلية، بقيادة العميد أ، في وضع الانتظار.
وقام المقدم "ر"، الذي كان يراقب العملية من إحدى الطائرات، بالنظر إلى كل تلك المعلومات في شاشة القيادة، وكانت وظيفته تحليل الصورة البحرية، والإشارة إلى المسار الذي من خلاله يجب أن تطلق البحرية قذائفها في حال لم يتم القضاء عليهم من الجو، ولأن صورة البحر تتغير كل لحظة بسبب حركة زوارق الصيد في الفضاء المزدحم، فإن تحليل الوضع كان حرجا وتطلب درجة عالية من اليقظة طوال الثماني ساعات التي مرت على الكمين في قلب البحر.
رئيس قسم عمليات جهاز الشاباك، كان في تلك الدقائق يركز بشكل جيد على الشاشات المعروضة أمامه وعلى المعلومات الاستخباراتية التي وصلت، وبعد تقييم الوضع، أعطى أمراً للقوات الجوية بضرب السيارة، التي كان يستقلها المقاتلون، لكن تم تأجيل الهجوم من قبل القوات الجوية للقيود التي فرضها رئيس الأركان قبل العملية، وفي النهاية وصلت السيارة إلى الشاطئ، ولكنه لم يكن بالإمكان مهاجمتهم بسبب الازدحام، وفي تلك اللحظات فهم مقاتلو البحرية بأن العملية ستقع على عاتقهم.
دخول المقاتلين واحدا تلو الآخر إلى البحر، كان موثقا بواسطة طائرة مسيرة، كانت تنقل الصور أولا بأول إلى غرفة العمليات، وطُلب من اللواء 13 في البحرية الإسرائيلية في تلك اللحظات ببدء الهجوم، وفي غضون ثوان كان طرادان يشقان طريقهما إلى مقاتلي القسام بسرعة بلغت 30 عقدة، وبحسب مسؤولين كانوا في غرفة العمليات، "كانت كل ثانية مهمة، لأن ما يجري هو بمثابة مناورة صعبة للغاية في الماء. ظلام، مساحة مزدحمة، عوائق في البحر مثل شباك الصيد أو الفخاخ. بالإضافة إلى ذلك، كل واحد من المقاتلين هو عبارة عن مصدر خطر ويجب التعامل معه بسرعة".
واستمر جنود اللواء 13 في الإبحار بسرعة نحو الشاطئ واندفعوا من الجنوب إلى الشمال لمفاجأة المقاتلين، مع الحرص على عدم الاصطدام بقوارب الصيد، وعندما وصلوا لهدفهم فتحوا النار بكثافة، وتم اغتيال المجموعة، التي كانت تنوي القيام بعملية كبيرة انطلاقا من القطاع.
بعد أربع سنوات من هذه العملية، وتحديدا في صيف عام 2014، نجحت كتائب القسام في تنفيذ عملية كبيرة على شاطئ زكيم بعد أن هاجموا قوة بحرية على الساحل وتمكنوا من مهاجمة دبابة لجيش الاحتلال وقوات أخرى. وتبيّن نتائج التحقيق، الذي أجري من قبل قيادة البحرية الإسرائيلية والقيادة الجنوبية في جيش الاحتلال ويكشف لأول مرة في واللا، أنه لأكثر من 20 دقيقة، لم يلاحظ جيش الاحتلال تسلل اثنين من مقاتلي القسام دخلا إلى الشاطئ أولا، ثم تبعهم اثنان آخران استطاعت أبراج المراقبة رصدهما.
وكشف التحقيق أيضا أنه حتى بعد تحديد وتشخيص وجود مقاتلي القسام، كان من الصعب نقل المعلومات إلى قوات جيش الاحتلال التي وصلت إلى المكان من خلال المحور، الذي عبره المقاتلون، حيث قاموا بتدميره.
أشعلت عملية زيكيم العديد من الأضواء الحمراء في مكاتب المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وأصبح معروفا لدى الجميع بأن حركة حماس تتعامل مع قوتها البحرية على أنها بالغة الأهمية وخصصت لها العديد من الموارد للتدريب داخل وخارج قطاع غزة حتى تتمكن من تنفيذ عمليات كبيرة وخطيرة، وتم تعيين الجنرال يتسحاق ترجمان رئيسا لقسم العمليات، وتعامل واهتم بالمعلومات، التي جمعت حول نشاط كتائب القسام في المجال البحري، وبناء على ذلك تم شن غارات مكثفة على المرافق والمواقع، التي تستخدمها حماس في هذا السياق.
وفي واحدة من المناقشات في مكتب رئيس الأركان السابق غابي أيزنكوت حول القدرات البحرية لحزب الله وحماس، أكد ضباط في البحرية الإسرائيلية أن مقاتلي القسام، الذين نفذوا عملية زيكيم، كانوا يتمتعون بلياقة بدنية عالية، وكانت لديهم قدرة الغوص مع بالونات الأكسجين وأنظمة التنفس المغلقة التي تسمح بتقليل قدرة الجيش على اكتشافهم.
قبل أسابيع قليلة، اجتمع قادة كبار في المؤسسة العسكرية لمناقشة قدرات فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بقيادة الجناح العسكري لحركة حماس، الذي استغل الهدوء النسبي خلال العامين الماضيين لتسريع عمليات تطوير الأسلحة والقدرات الجديدة وتهريب المعدات والأسلحة إلى القطاع وتهريب المواد الخام لإنتاج وتحسين النظم الهجومية في البحر وفي الجو.
وكان من بين القضايا، التي طرحت في المناقشات الأخيرة في المؤسسة العسكرية، التدريبات، التي تجريها كتائب القسام لقواتها البحرية، والإنتاج المستقل لأنظمة الغوص؛ السفن ذاتية القيادة تحت الماء، والطائرات المسيرة واستخدامها في عمليات الرصد وتنفيذ الهجمات. وظهرت خلال النقاش قضية مهمة جدا، لا تقل أهمية عن كل ما سبق، وهي تدفق الأموال من الخارج إلى كتائب القسام. وحذر مسؤولون كبار في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من نجاح رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والذي يقيم حاليا في العاصمة القطرية الدوحة، في جمع أموال طائلة لصالح القسام.
وبحسب مسؤولين كبار في المؤسسة العسكرية، استطاعت حركتا حماس والجهاد الإسلامي تعويض ما خسرتاه من أسلحة وعتاد خلال حرب عام 2014 على قطاع غزة، ويتطلب تجهيز وتصنيع الصواريخ نظامًا كاملاً لتهريب المواد الخام والإنتاج والنقل والإخفاء في المستودعات وحفر الإطلاق. وبناءً على ذلك، وسعت حماس جهودها لتحسين جودة أنظمة أسلحتها، وضاعفت من عمليات إطلاق الصواريخ باتجاه البحر، ومن إرسال البعثات التدريبية إلى إيران وجنوب لبنان، وما يهم الحركة اليوم هو بناء أنظمة خاصة مستقلة لصناعة الأسلحة.
كما بدأ محور التهريب البحري التابع للقسام بمضاعفة عمليات التهريب، ويبذل جهاز الشاباك جهداً كبيراً في مراقبة المنطقة وإفشال نوايا جميع الفصائل بتهريب الأسلحة والمعدات. وأوضح مسؤول أمني كبير لـ واللا أن حركة حماس تنوي تحقيق عنصر المفاجأة في أي مواجهة قادمة، وهي تقّدر أنها ستنجح في الساحة البحرية بشكل رئيسي من خلال الغواصين المحترفين أو المعدات المتطورة التي تطورها باستخدام المعلومات والمواد الخام التي تم تهريبها إلى غزة، مضيفا، أن "حماس تنوي مهاجمة منشأة حساسة واستراتيجية من خلال البحر في المواجهة القادمة، وهو ما سيؤدي إلى تحقيق ضربة قوية في الوعي الإسرائيلي وشد انتباه الفلسطينيين لنشاط الحركة".
لذلك، في خلفية النقاش حول اتفاق تهدئة بين حماس و"إسرائيل"، يتم طرح سؤالين رئيسيين أثيرا في مناقشات سرية في المؤسسة العسكرية: ماذا ستفعل "إسرائيل" ضد محاولات حماس تعزيز قدراتها العسكرية وخاصة البحرية سواء بالتهريب أو من خلال الإنتاج المحلي؟ وكيف سيتصرف جيش الاحتلال في ظل التهدئة ضد عمليات تهريب الأنظمة والمعدات؟