الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خُردة للبيع/ بقلم: د. سامر العاصي

هناك وفي الدول النامية أشياء "خردة" للبيع أربح لشعوبها من تجارة بيع الطائرات

2020-07-25 09:39:42 AM
خُردة للبيع/ بقلم: د. سامر العاصي
د. سامر العاصي

يقول مؤلف كتاب "التاريخ البحري"، الكاتب كريس فريم، إن السفينة "QE2" الشهيرة، التي شقت البحار بين قارات العالم الستة، ما بين العام 1969، والعام 2008، قد تم تحويلها إلى فندق عائم في دبي عام 2018!. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت السفن السياحية بمثابة مدن عائمة مليئة بالفنادق والكازينوهات ودور السينما والمطاعم والحمامات والحانات. وتشير آخر إحصائيات بيع السفن السياحية والتجارية وحتى البارجات العسكرية، إلى أن الكثير منها يتم بيعها كخردة، وهو مصير يمكن أن يصبح أكثر شيوعاً إن استمرت جائحة كورونا. وعند اقتراب تقاعد أي سفينة، فإن مشغلها يقوم أولاً بإزالة ما يمكن بيعه، وأحيانا تكون صفقة البيع "الجمل بما حمل". ولأن الدول "المتقدمة" تحافظ، لا بل وتعاقب كل من يتسبب في إضرار بيئتها، فإن البلدان النامية وعلى رأسها دول شبه القارة الهندية، التي تحظى شواطئها بحركات واسعة من ظاهرة المد والجزر البحري مما يسمح بوصول السفينة إلى الشاطئ لتغرز عميقا مع ظهور شمس النهار التالي في رمال تلك المرافئ، التي اُعدت خصيصا لتفكيك وتقطيع السفن. وهكذا ولدت واشتهرت تجارة "خردة السفن" في الهند وباكستان وبنغلادش التي أصبحت هذه الصناعة تمثل 69٪ من دخل الصناعة في البلاد. الجدير ذكره أن بريطانيا قامت قبل سنوات، ببيع حاملة الطائرات "إيلاسترياس" لتجار الخردة، بعد استخراج الأسلحة منها (طولها 210 أمتار، ووزنها 22 ألف طن).

والحقيقة أن تجارة الخردة لا تقتصر بتاتا على بيع السفن أو المصانع أو السيارات أو الثلاجات أو سكك الحديد وغيرها، فصناعة بيع خردة الطائرات هي التي تحقق أرباحا سنوية أكثر، تقدر بمئات الملايين من الدولارات، فمن المعروف أن شركات الطيران تنفق الملايين لشراء أحدث الطائرات. ولكن ما الذي يحدث عندما تتوقف الطائرات القديمة عن العمل، فالطائرات وكما تقول الهيئات المتخصصة في شؤون الطيران يمكن أن تطير من 25 إلى 30 سنة كحد أقصى، أي بمعدل 27 عاما، وهو العمر الافتراضي للطائرة، التي ترسل بعدها إلى المذبح لتفكيكها وتقطيعها "حِتت حِتت" على قول المصريين. ويقاس عمر الطائرة بعدد دورات الضغط التي يتعرض لها جسم الطائرة وأجنحتها عند كل عملية تحليق في الجو، وتعتبر كل عملية إقلاع وهبوط، دورة واحدة من عمر الطائرة، وكلما زاد عدد الدورات كلما أصبح عمر الطائرة أكبر، علما أن الطائرة تستطيع تحمل حوالي 35 ألف دورة ضغط، أي ما يقرب من 150 ألف ساعة طيران. ولهذا فإن الطائرات التي تستخدم في الرحلات القصيرة، "تشيخ" و"تهرم" بشكل أسرع من تلك التي تستخدم في الرحلات الطويلة.          

ومن الجدير ذكره، أن قرابة 100 ألف طائرة "تجارية" تطير سنويا، أي أن هناك 40 مليون رحلة تجارية في العام الواحد، لذا فإن الطائرات التجارية لا تُعَمر أكثر من 10-15 عاما فقط، كما أن الفحص الأول للطائرة يتم بعد تحليقها 400-600 ساعة، وهو ما يعني إتمامها 200-300 دورة، ويأتي الفحص الثاني بعد 6-8 أشهر، والثالث قبل مرور عامين، ثم تخضع الطائرة بعد مرور 6-10 سنوات لفحص الشركة الشامل، كما وتوجد عدة اختبارات لتحديد ما إذا كانت بعض أجزائها قد تقادمت أو أن أجزاءها قد استهلكت، وهو ما لم يحدث بتاتا لإحدى طائرات البوينج "ايرباص 320"، التابعة "لشركة الطيران السودانية- Sudan Air"، التي أُرسلت إلى أوكرانيا لإجراء الفحوصات الشاملة،وقيل بأنها اختفت" لسنوات" حتى عادت إلى السودان في نهاية العام 2019.

تطير الطائرة في رحلتها الأخيرة إلى مقابر الطائرات، وهي مواقف يقع أشهرها وأكبرها في ولاية أريزونا الأميركية جنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية، التي تضم أكثر من 5 آلاف طائرة، علما أن معظم الطائرات فيها عسكرية. وتبلغ مساحة المقبرة حوالي 10 آلاف دونم مربع. وقد تم اختيار تلك المنطقة لتوفر الجو الجاف، الأمر الذي يُبطئ من عملية الصدأ، وذلك بعد أن يتم غسل الطائرة جيداً لإزالة الأملاح العالقة بجسمها، منعا لتآكل سطحها الخارجي. ويتم تفريغ خزان الوقود لبيعه ثم غسله جيداً. كما تغطى إطارات الطائرة بطبقة عازلة تمنع الشمس من تجفيف المطاط، وتدهن الطائرات بلون أبيض يعكس أشعة الشمس الحارقة. وتلقى بعض من الطائرات رواجا للبيع، فبعضها يصل سعره إلى مليون دولار إن كان المحرك ما زال سليما. وفي النهاية يجري تفكيك ما تبقى من هيكل الطائرة وإعادة تدويره في صناعات أخرى.

الغريب في الأمر، أن بعض الدول النامية تقوم بشراء الطائرات القديمة رغم معرفة المشتري بتجاوز عمر الطائرة الافتراضي.

هناك وفي الدول النامية، أشياء "خردة" للبيع، أربح لشعوبها من تجارة بيع الطائرات، التي هرمت وشاخت حتى أصبح عمرها الآن 27 عاما. وها نحن الآن في العام 2020، أي أنه قد مضى على مرور اتفاق أوسلو و"للصدفة"، 27 عاما، لذا، فلا غرابة ولا مانع ولا أسف، إن قامت قيادتنا الفلسطينية بعد أن أعلن "ترامب" عن صفقة القرن، وهددنا نتنياهو بضمه للأغوار،  بإرسال الاتفاق إلى مقبرة الاتفاقيات، لعل وعسى من يشتري منا "خردة الاتفاقيات".