الحدث- حامد جاد
اعتبر نيكولاس هيركوليس مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP أن المشكلة الحقيقية التي تواجه البرنامج وتعيق دوره تجاه تنفيذ إعادة إعمار مباني ومنشآت المواطنين التي دمرتها الحرب الأخيرة على غزة سواء بشكل كلي أو جزئي، تتمثل بشح التمويل المتوفر الذي ما زال يشكل أقل من 5% مما هو مطلوب توفره من تمويل لإعادة بناء وتأهيل القطاع السكني، مؤكداً في ذات الوقت أن رفع الحصار وتحسين آلية إدخال مواد البناء والتزام الجهات والدول المانحة بتنفيذ تعهداتها المالية المعلنة في مؤتمر المانحين الذي عقد في العاصمة المصرية القاهرة في تشرين الأول الماضي ووجود حكومة فلسطينية فعالة في الضفة وغزة سيشكل بداية الطريق المؤدي لإعادة إعمار قطاع غزة.
ولم يخفِ نيكولاس حقيقة تأثر اهتمامات المانحين بما تشهده دول المنطقة من أحداث وحروب ونزاعات أدت إلى توزيع التمويل والمساعدات المالية التي تقدمها الجهات المانحة إلى هذه الدول التي تعيش أزمات وحروب داخلية؛ ما كان له الأثر السلبي على نصيب الفلسطينيين، محذراً في الوقت ذاته من خطورة تفاقم حدة الأوضاع المعيشية وسيطرة مشاعر اليأس والإحباط على مواطني غزة حال عدم التزام المانحين بدفع ما تعهدوا به من أموال لإعادة الإعمار.
واستعرض نيكولاس في مقابلة خاصة أجرتها معه الحدث دور برنامج UNDP، وما يواجهه من معيقات في تنفيذ الجانب الخاص بإعادة إعمار مساكن المواطنين من غير اللاجئين، والآثار المترتبة على تأخر الجهات المانحة في تنفيذ تعهداتها المالية وأسئلة أخرى أجاب عليها نيكولاس في الحوار الآتي:
س: ما هي أبرز المشاكل التي تعترض إعادة الإعمار؟
المشكلة الحقيقية التي تواجهنا تكمن بشح التمويل اللازم لإعادة إعمار القطاع السكني فمن أجل إعادة بناء وتأهيل 30 ألف وحدة سكنية نحتاج إلى 270 مليون دولار، وكل ما حصلنا عليه حتى الآن بلغ 10 ملايين دولار، قدمها البنك الإسلامي للتنمية، ودوماً نطالب ونناشد الدول التي تعهدت في مؤتمر القاهرة بتنفيذ ما تعهدت بدفعه من أموال لإعادة إعمار قطاع غزة، ونحن كمؤسسة دولية مختصة بإعادة إعمار المباني التابعة للمواطنين غير اللاجئين قمنا بعد نهاية الحرب بالتعاون مع وزارة الأشغال العامة والإسكان واتحاد المقاولين بحصر أضرار المواطنين، حيث تم حصر 30 ألف وحدة سكنية متضررة كلياً وجزئياً، منها 75% من المنازل المتضررة جزئياً وتحتاج لمبلغ مالي أقل من خمسة آلاف دولار لإعادة إصلاح كل منزل منها، وهناك نحو ثلاثة آلاف منزل ممكن إعادة إعمارها دون استخدام مواد البناء الواردة لقطاع غزة، بل من خلال مواد متوفرة في السوق المحلية، وهناك خمسة آلاف وحدة سكنية غير قابلة للسكن وهي متضررة بشكل بليغ، واستطعنا توفير بدل إيجار لفترة تتراوح من 4 الى 6 أشهر وقدمنا مبلغ 500 دولار لكل أسرة صاحبة منزل لإعادة الاندماج وتوفير أثاث، وقدمنا لتغطية كلفة الإيجار مبلغاً تراوح ما بين 200-250 دولاراً شهرياً، حسب عدد أفراد الأسرة، حيث أتاحت هذه المبالغ لـ 2500 أسرة الحصول على بدل إيجار علماً أن هذا البرنامج يفترض أن تكون مدته سنتين، ورصد له 39 مليون دولار، ولكن ما حصلنا عليه فعلياً هو 5 ملايين دولار من السويد، وتلقينا وعوداً بدفع مبلغ سبعة ملايين دولار من السويد والنرويج، فهذا المبلغ يغطي كلفة بدل إيجار لخمسة آلاف أسرة منها 3400 أسرة دمرت منازلها كلياً، و1600 دمرت بشكل بليغ، وبالتالي فالمبلغ الإجمالي يكفي لتغطية بدل إيجار 12 شهراً، فيما نحاول بالتعاون مع وزارة الأشغال ومن خلال قطر تغطية كلفة إعادة تأهيل 600 وحدة متضررة بشكل بليغ عبر تمويل قيمته 10 ملايين دولار.
س : لمن تحمِّلون المسؤولية عن تباطؤ عملية الإعمار؟
نحن في البرنامج نفضل البحث عن حلول، وليس البحث عن أسباب المشكلة، وهذا يعني أننا مهتمون بتحقيق الالتزامات المالية التي تعهد بها المانحون والالتزمات السياسية التي من المفترض تنفيذها من خلال حكومة التوافق.
وأضاف يجب رفع الحصار وتحسين آلية إدخال مواد البناء علماً أن البرنامج لا يعمل ضمن هذه الآلية البطيئة جداً، فلدينا آلية خاصة بالبرنامج، ولكن يبقى نقص الأموال أهم معيق لإعادة الإعمار، ففي حال حصل البرنامج على 27 مليون دولار لتغطية بدل إيجار سيتمكن خلال فترة شهر من إنجاز هذا الأمر وتسكين خمسة آلاف أسرة؛ لذا عندما ننظر لمؤتمر المانحين في القاهرة نجد أن هناك التزامات مالية وسياسية، فالمانحون من واجبهم أن يلتزموا بتنفيذ تعهداتهم المالية، وفي الوقت ذاته كانت هناك وعود بوجود حكومة فعالة في الضفة وغزة؛ لذا من الضروري أن يكون هناك تطور، فنحن كبرنامج نريد أن يصل المال إلى غزة كي نقوم بدورنا.
س : كيف تقيِّم أداء البرنامج ودوره في إعادة الإعمار؟
أول مرحلة من مراحل إعادة الإعمار تتمثل بإزالة ركام وانقاض المباني المدمرة، وانطلاقاً مما يتمتع به البرنامج من خبرة متراكمة في هذا المجال ترتبت على قيامه بإزالة الركام التي خلفتها ثلاث حروب مرت على غزة، وبالتالي أصبح لدى البرنامج أهم الخبرات في العالم لإزالة الركام، فالحرب الأخيرة على غزة خلفت قرابة مليوني طن من الركام، وأثبتت خبرتنا السابقة أن 50% من الركام ممكن إزالته بواسطة المواطنين والشركات الخاصة، والـ 50% المتبقية تتم إزالته من خلالنا، حيث بدأنا في شهر تشرين الثاني الماضي في حي الشجاعية، وحتى الآن تمت إزالة 75 ألف طن، وقريباً سنبدأ في رفح وجنوب قطاع غزة، ولدينا تمويل بتبرع من السويد ووكالة التنمية الأمريكيةUSAID واليابان يكفي لإزالة الركام، بما في ذلك التأكد من خلو المكان من الأجسام المتفجرة ومخلفات الحرب، فحتى الآن قمنا بإزالة 76 جسماً قابلاً للانفجار تم العثور عليها والتخلص منها بطريقة آمنة.
س: بالإضافة إلى إزالة الركام، ما هي أشكال الجدوى المترتبة على المشروع؟
دائماً نحاول الاعتماد على القدرات المتوفرة محلياً فمنذ بدء المشروع وحتى الآن تمكنا من توفير 34 ألف يوم عمل ما يعنى أن هذا المشروع ساهم أيضاً بضخ الأموال في السوق المحلية وتنشيط حركة الشراء والبيع. أما عن المزايا الأخرى للمشروع نفسه فتتمثل بعدة جوانب، أبرزها معالجة مشكلة المباني الآيلة للسقوط عبر هدمها كلياً وإزالتها وإعادة استخدام الركام بعد تدويره في أعمال الطرق والبناء، حيث تم حتى الآن إعادة تدوير "سحق" 5500 طن من الركام، ومن المتوقع حسب سير العمل في المشروع أن نتمكن مع نهاية العام الجاري من إزالة كل الركام، فهناك حتى الآن مناطق كاملة تمت إزالة الركام منها وباتت جاهزة لإعادة الإعمار.
س: ما هو دور البرنامج في تمويل متطلبات إعادة إعمار المؤسسات العامة؟
وقع البرنامج مع قطر الأسبوع الماضي اتفاقية بقيمة 21 مليون دولار لإعادة بناء وتأهيل عدد من المدارس والجامعات المتضررة في قطاع غزة، بحيث تتم إعادة بناء المدمر منها وتأهيلها بطريقة أفضل تتماشى مع المواصفات والخدمات العامة المتوفرة في المرافق التعليمية في الدول المتقدمة، حيث هناك يتم رفد المدارس والجامعات بوسائل الطاقة البديلة ويتم تزويدها بملاجئ أرضية متاحة للإقامة فيها خلال الطوارئ، سواء الناجمة عن الزلازل أو الحروب أو الظروف القاهرة، وفي ذات الوقت نتعاون مع الأونروا في هذا المضمار، حيث افتتحنا في مطلع الشهر الحالي مدرسة في مخيم البريج وسط قطاع غزة.
س: ماذا بشأن مشاريع تشغيل العمالة؟
في الجانب الاقتصادي، وظفنا مؤخراً مليون دولار لخلق فرص عمل، وذلك بالتعاون مع وزارة الأشغال، ومن ضمن هذا المشروع قمت مؤخراً بزيارة لمشروع زراعي في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة حيث استهدف هذا المشروع تدريب وتشغيل عدد كبير من المزارعين وإتاحة المجال أمامهم لطرح أفكار جديدة لمشاريع زراعية من الممكن تمويلها، كما نفذنا بالتعاون مع مجموعة الاتصالات (بال تل) خلال الحرب الأخيرة وما زلنا حتى الآن ننفذ مشروعاً كلفته 1.7 مليون دولار، ويتضمن توزيع أدوية على المحتاجين والفقراء والمصابين بمرض السرطان، حيث حصل العديد منهم على أدوية خلال الحرب، وما زلنا نعمل على توفير أدوية للمصابين بهذا المرض.
س: ما أثر الأحداث التي تشهدها دول المنطقة على اهتمامات الدول المانجة؟ ومن هي الدول الأكثر التزاماً تجاه إعادة الإعمار؟
نحن نرحب بكل جهد مفيد، وإذا قمنا بتحليل أداء ومستوى التزام كل دولة نجد أن أكثر الدول التزاماً كانت قطر، أمريكا، السويد، النرويج واليابان، ولكن ما لا شك فيه أن اهتمامات المانحين تأثرت بما تشهده دول المنطقة من أحداث وحروب ونزاعات؛ وبالتالي توزع التمويل والمساعدات المالية التي تقدمها الجهات والدول المانحة على هذه الدول، حيث إن كل دولة مانحة في العالم تخصص في موازنتها مبلغاً معيناً من أجل دعم الأعمال الإنسانية أو التنموية، فعلى سبيل المثال دولة مثل سوريا بحاجة فعلياً لأموال المانحين، وهناك دول أخرى بحاجة لمساعدات وبالتالي فإن الدعم المفترض تقديمه للفلسطينيين سيتأثر بهذا الوضع، فنحن لا نملك المال، وليست هناك مصادر أموال تغطي حجم تكاليف إعادة الإعمار وتعويض المتضررين والدفع النقدي لهم فإن لم يلتزم المانحون بدفع ما تعهدوا به ستكون هناك مشكلة في تعويض متضرري الحرب، أما إذا التزموا بذلك فسنتمكن من الدفع النقدي لتعويض الأضرار التي لحقت بأكثر من 30 ألف أسرة، وفي الوقت ذاته ستتمكن الأونروا من تغطية احتياجات نحو 100 ألف متضرر من اللاجئين في قطاع غزة.
س: ما هي الرسالة التي توجهها للمانحين؟
أعتقد أننا يجب أن نخلق بيئة نشعر من خلالها بالأمل تجاه المستقبل، فعندما يشعر المواطنون باليائس ويعيشون في ظل أوضاع بائسة فمن المؤكد أن يغلب على سلوكهم وردود أفعالهم تجاه هذا الواقع المعيشي تصرفات وسلوكات تتسم باليأس والإحباط، وخير دليل على ذلك ما نسمعه حالياً عن محاولات انتحار في غزة، وعن شباب ماتوا في القوارب أثناء محاولتهم الهجرة إلى أوروبا؛ لذا فرسالتنا إلى كافة الدول والجهات المانحة أننا نريد أن نبدأ بإعادة الإعمار، ويجب أن يرفع الحصار كي يؤدي ذلك إلى إزدهار وتحسين الأوضاع ليس على مستوى غزة، فحسب بل على مستوى الأقليم بشكل عام، فكلما وصلتنا أموال بشكل أسرع كان الوضع أفضل في بث الأمل في نفوس أهالي غزة.
س: كيف تقيِّم دور البرنامج تجاه المشاريع التي ينفذها خارج إطار إعادة الإعمار؟
البرنامج يواصل تنفيذ العديد من المشاريع الممولة من جهات مختلفة، ومنها ألمانيا التي ساهمت مؤخراً بخمسة ملايين يورو عبر بنك التنمية الألماني Kfw وسيحصل قطاع غزة على 60% من هذا التمويل، كما ساهمت هولندا بتمويل برنامج الوصول للعدالة، فلدينا عيادات قانونية منتشرة في غزة لمعالجة الحالات التي فقدت أوراقها الثبوتية إثر الحرب ولدينا العديد من المشاريع الأخرى، حيث بدأنا مؤخراً بتنفيذ مشروع ممول بقيمة 58 مليون دولار لمعالجة المياه العادمة في جنوب القطاع بتمويل مشترك من اليابان بـ 16 مليون، والباقي من الصندوق الكويتي عبر البنك الإسلامي للتنمية، وسيؤدي هذا المشروع إلى تحسين حياة 320 ألف مواطن في جنوب القطاع.
س: هل يعني ذلك أن حجم التمويل المخصص لتلبية احتياجات غزة في تراجع؟
بالتأكيد لا، فنحن استثمرنا 40 مليون دولار في قطاع غزة العام الماضي، ومن المتوقع أن يكون حجم التمويل المخصص للعام الحالي أعلى من العام الماضي، وبشكل عام شكل حجم التمويل المقدم عبر البرنامج لكل فلسطين من مختلف المشاريع خلال السنوات الخمس الماضية أكثر مما أنفقه البرنامج خلال الـ 25 سنة الأولى منذ بدء عمله في ثمانينيات القرن الماضي.