الأزمة المالية الراهنة تدفع الحكومة للتفكير بعقلية القطاع الخاص
رام الله - خاص "الحدث"
لأول مرة تفكر الحكومة بعقلية القطاع الخاص، والأخير يكون ناطقاً باسم الحكومة، بعد سنوات من العصف الذهني والقصف اللفظي بينهما حول الشراكة وجوهرها في إدارة دفة الاقتصاد الوطني التي بات على المحك في ظل امتناع حكام تل أبيب عن تحويل 70% من إيرادات الخزينة الفلسطينية، التي باتت تنذر وتحذر من انهيار السلطة في حال استمرار عدم تغذية الخزينة الفلسطينية بأموال الإنعاش والانتعاش، سواء من المستحقات المالية الفلسطينية من التقاص مع الجانب الإسرائيلي أو من عدم إيفاء الدول المانحة بالتزاماتها.
في أتون ذلك بادرت الحكومة الفلسطينية في طرح مسودة خطة اقتصادية على القطاع الخاص بمختلف مؤسساته القطاعية، ويجري تداولها حالياً، تركز ولأول مرة أيضاً على كيفية التحرر من التبعية الاقتصادية لإسرائيل، ومنها دعم المنتج الوطني وتخفيض ضريبة الدخل.
وتكشف "الحدث" عن مسودة خطة تحفيز المنتج الوطني وتعزيز الاقتصاد الوطني، التي يجري تداولها، وقد سلم المجلس التنسيقي لمؤسسات القطاع الخاص واتحاد جمعيات رجال الأعمال ملاحظاتهم لوزارة الاقتصاد الوطني، والتي في غالبيتها لا تمس جوهر الخطة وروحها، وإنما تلامس الإجراءات الفنية وآليات التنفيذ.
كما تكشف "الحدث" أن مقترح تخفيض ضريبة الدخل يتضمن خفض ضريبة الدخل عن الذين يبلغ دخلهم السنوي 36 ألف شيقل فما دون؛ لتصبح الضريبة صفراً، وما بين 36 إلى 74 ألف شيقل تصبح ضريبة الدخل 5%، وما بين 74 إلى 150 ألف شيقل تصبح ضريبة الدخل 10%، ومن 150 ألف شيقل فما فوق تصبح الضريبة 15%.
القطاع الخاص يقبل الخطة ولكن العبرة في التطبيق
من جهته، أعلن أمين سر المجلس التنسيقي لمؤسسات القطاع الخاص، رئيس اتحاد الصناعات بسام الولويل، عنقبول القطاع الخاصخطة تحفيز المنتج الوطني وتعزيز الاقتصاد الفلسطيني، وقال: "نحن موافقون على الخطة، ولكن العبرة في التطبيق، وإن هناك فعلاً جهداً مميزاً في الخطة، وإنه لأول مرة نحن نضع النقاط على الحروف في الجوانب التي بحاجة إلى تحفيز وتركيز، وما هي الخطوات التي يجب أن نقوم بها، فهي دراسة مستفيضة إنشائياً".
وأشار الولويل إلى أن الخطة تتحدث عن حوالي 6 محاور، تشمل دعم المنتج الوطني وتشجيعه، وتشجيع الاستيراد المباشر، وحماية الإنتاج الوطني، ومكافحة الإغراق الإسرائيلي، تعزيز الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص، وتنظيم القطاع الزراعي، وإعادة إعمار غزة.
لكن الولويل رغم إعلانهم بالموافقة إلا أنهم في القطاع الخاص سجلوا ملاحظاتهم الانتقادية على الخطة وطريقة عرضها، وقال: "إنها عرضت أولاً على الحكومة قبل أن تعرض على القطاع الخاص، في الوقت الذي كان يجب أن تعرض على القطاع الخاص لنقاشها، لتكون الحكومة على تفاهم كامل مع القطاع الخاص".
وبالرغم من ذلك تجاوز القطاع الخاص هذه القضية، وقال الولويل: "ليست لدينا مشكلة، ونتمنى في المرات القادمة وفي الحوار القادم أن يكون حواراً يطرح على القطاع الخاص والمجتمع المدني، بحيث تحصل الحكومة على رأي المجتمع في هذه الخطط والسياسات المالية والاقتصادية".
وأضاف: "عند مراجعتنا لهذه الخطة، وجدنا أن هناك بعض الملاحظات البسيطة التي لا تغير في جوهرها، وبالتالي فحتى لو لم تعرض علينا، سنقبلها أيضاً، وسنكون معها، ولكن العبرة في التطبيق، نريد ضمانات وآليات واضحة والتزاماً حكومياً في تطبيقها، ونحن جاهزون للحراك من أجل تطبيقها وتعزيز استثماراتنا في البلد، سواء كانت في رأس المال الفلسطيني المحلي أو في رأس المال الفلسطيني المنتشر في الشتات".
وأبدى الولويل استعداد القطاع الخاص للتعامل مع الخطة، ولكن فعلاً لأول مرة "هناك محاور ونقاط مباشرة وليست دراسات مستفيضة، لا نعلم أولها من آخرها، هذه الدراسة واضحة في جانب تنظيم الاستيراد وتشجيع المنتج الوطني، وحددت النقاط العملية فلنقم بهذه الخطوات، نحن الآن ندرسها في إطار المجلس التنسيقي، وسنقوم برفدها بأفكار لن تغير في جوهرها، وإنما ستعزز هيكلها وشكلها وتفصيلها وبعض البنود التي ربما سقطت سهواً ممن قاموا بإعدادها". وأشار إلى أن الخطة تحدثت عن التهرب الضريبي، وحماية المنتج الوطني ومكافحة الإغراق الإسرائيلي، والرسوم الجمركية المفروضة من إسرائيل وتحديد رسوم جمركية للمنتجات المستوردة والتي تسبب ضرراً على المنتج الوطني، وعن تخمين قيمة المستوردات لتكون كلفة المنتج الوطني هي الأساس ووضع الآليات اللازمة لذلك، وفرض نسبة حماية لأول مرة تقييم وتضخيم السعر على الأسعار التي يقل سعرها عن المنتج المحلي، فلأول مرة تتحدث عن نسبة حماية، فالخطة لم تغفل أي جانبأ وإنما هناك أمور يعتقد الولويل أنها سقطت سهواً يجب تعزيزها".
ملاحظات القطاع الخاص على الخطة
ومن بين الملاحظات التي أشار إليها الولويل على الخطة، الجودة وتطويرها فقال: "نحن بحاجة إلى مؤسسة تطوير الجودة، فلا يجوز أن يبقى هذا الموضوع عند مؤسسة المواصفات والمقاييس؛ لأنها جهاز تشريعي، ونريد لها أن تضمن تطبيق هذه المواصفة والرقابة عليها ومساعدتنا في القطاع الخاص على تطوير وتحديث جودتنا، وبالتالي نريد مؤسسة لتطوير الجودة، وحينما نتحدث عن المدارس وتعزيز المنتج في المدارس، فإننا نريد تعزيزه في رياض الأطفال وفي المدارس والأهم إدماجه في المقررات المدرسية ليجد كل طفل عند فتح الكتاب المنتج الوطني".
وعندما يتم التطرق إلى تحديث الصناعة "نحتاج إلى موازنات من الحكومة للاستثمار في البحث والتطوير، والقطاع الخاص مستعد لأن يساهم في هذا الموضوع، وفي الجامعات ومراكز البحث يجب أن نعزز ونطور المنتج ونكتشف طرقاً جديدة للإنتاج والتغليف، وعلينا أن نبحث كيف نخفض تكلفة انتاجنا، ولا بدّ من وجود منظمات للبحث والتطوير وموازنات الحكومة لتحديث الصناعة، فلا يجوز فقط التركيز على مصادر تمويل خارجيةأ إنما من موازنة السلطة، ونحن في القطاع الخاص الفلسطيني مستعدون للمساهمة في مشاريع تحديث الصناعة وفي مشاريع البحث والتطوير".
ويشدد الولويل على ضرورة خلق مراكز تفكر، كيف يمكن تدريب الكادر وتحفيز مبادرات الإبداع والتفكير المبدع التي لها علاقة بالاستثمار والقطاع الخاص والصناعة، والملاحق التجارية في 150 سفارة في العالم عليها أن تشتغل في الترويج للمنتج الوطني وتحضر لصفقات تجارية لزيادة الصادرات، وبالتالي هذه التعديلات البسيطة التي لا تغير في جوهر الخطة، وإنما سترفدها ولكن بالمجمل نحن موافقون عليها إن بقيت كما هي والعبرة في التطبيق.
تعظيم إيرادات الدولة فقط لا يؤدي إلى تحفيز الاقتصاد ولا تطوره
ويؤكد الولويل أنهم يتطلعون دائماً إلى حوار جدي بناء مع الحكومة، مفترضاً أن يكون هناك تكامل بين الحكومة والقطاع الخاص خدمة للاقتصاد الوطني، وقال: "لن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة يعتد فيها دون أن يكون هناك اقتصاد وطني مستقل".
وقال: "في الفترة الأخيرة نتدارك العديد من القضايا مع الحكومة وعلى تواصل معها، ونأمل أن يكون هناك دائماً جدية من قبل الحكومة، وبحثنا معها الخطوات التي يتحدثون عنها في جانب تخفيض ضريبة الدخل"، ويعتقد أن ما تم عرضه بداية موفقة أن تبدأ الحكومة بالتفكير ليس فقط في عملية تعظيم إيراداتها وإنما تتخذ سياسات وإجراءات مالية واقتصادية لتحفيز هذا الاقتصاد.
وقال:" إن تمكنا من تحفيز الاقتصاد على التطور وتعاظم الناتج القومي من 5 مليارات إلى 10 مليارات دولار، فهذا يعني أننا ضاعفنا إيرادات الدولة والتي ستكون تحصيل حاصل لعملية تطور وتحفيز هذا الاقتصاد، ولكن إذا أرادت الحكومة أن تعظّم فقط إيراداتها فهذا يمكن ألا يؤدي إلى تحفيز الاقتصاد ولا إلى تطوره، ولكن التنمية الاقتصادية والتطور الاقتصادي يعني ضمنياً أنه سيعظم إيرادات خزينة الدولة؛ لذا نرى الآن أن الحكومة بدأت تفكر جدياً في عملية تحفيز المنتج الوطني وتعزيز الاقتصاد والبدء بالتفكير على إعادة صياغة العلاقة مع الاقتصاد الإسرائيلي الذي هيمن علينا خلال فترة هذا الاحتلال كله منذ 67 وحتى اليوم".
مستجدات ضريبية جيدة لكنها ليست الطموح
ويعتقد الولويل أن ما يحصل من مستجدات في ضريبة الدخل شيء رائع وممتاز كخطوة، ولكنه ليس الطموح ونتمنى أن نصل إلى ضريبة دخل صفرية لتحفيز القطاع الخاص، وجذب استثمارات أكثر وتقديم كل هذه الفواتير المتعلقة بالضرائب المباشرة وتعظيمها، قال: "ربما اليوم إيرادات السلطة من ضريبة الدخل قد لا تتعدى 100 مليون دولار، ولكن إذا خفضنا هذه اعتقد أن الضرائب غير المباشرة ستزيد أكثر من 100 مليون دولار في السنة".
وقال الولويل: "نحن مع حوار تكميلي محترم يضمن تحقيق المشروع الوطني الاقتصادي في البلد، ولكن هناك ملاحظة عتب على الحكومة وهي أن التغييرات في ضريبة الدخل التي نتحدث عنها الآن هي أصلاً عرضت على الحكومة قبل أن تعرض على القطاع الخاص، وكان الأولى أن تعرض بداية على القطاع الخاص قبل عرضها على الحكومة".
الخطة تشكل خطوة مهمة باتجاه تحفيز المنتج الوطني
ويتفق رئيس مجلس إدارة اتحاد جمعيات رجال الأعمال سمير زريق، مع الولويل في ملاحظاته، وقال: "إن ما طرحمن نقاط في الخطة يشكل خطوة مهمة باتجاه تحفيز المنتج الوطني وتطوير الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام، ويرى الاتحاد أن تنفيذها هو الركن الأساسي والأهم لتحقيق النتائج المرجوة منها".
ويصف زريق الخطة بالسباقة والخلاقة، ولذلك يشددون في الاتحاد على تطبيقها لتحقيق النتائج المرجوة منها، الأمر الذي يتطلب تعاوناً وتضافراً من الأطراف ذات العلاقة كافة من مؤسسات حكومية والقطاع الخاص، مبدياً بعض ملاحظاتهم عليها، ويرى أن العنصر الأساسي لها هو تطبيقها لتحقق نتائجها.
لكن زريق شدد على ضرورة إعداد البرامج والخطط التفسيرية والتوضيحية لتنفيذ المقترحات المشمولة في الخطة، لا سيما في القضايا التي من شأنها رفع جودة المنتج الوطني وتخفيض كلفة الإنتاج والمباشرة بالترتيبات اللازمة لتنفيذ المقترحات المرتبطة بتشجيع الاستيراد المباشر ووقف الاستيراد غير المباشر ومكافحة التهريب والإغراق.
ثماني ملاحظات لاتحاد رجال الأعمال على الخطة
وأشار زريق إلى ثماني ملاحظات على الخطة قدمها الاتحاد للحكومة، وصفها بغير الجوهرية، لكنها توضيحية أو تعزيزية، من بينها نسبة منح الأفضلية للمنتج الوطني في العطاءات الحكومية 15% طالبناهم برفع النسبة إلى 25%، ومنح الأفضلية للرديات الضريبية للمستوردين والمصدرين بشكل مباشر، وليس عن طريق وسيط إسرائيلي، بهدف تخفيض التكلفة الإجمالية للمواد المستوردة والمصدرة، مؤكداً إذا قامت الحكومة بتطبيقها على ثلاث مراحل المدى القصير والمتوسط والطويل، فإنهم يعدّون هذا إنجازاً كبيراً جداً.
الخطة عكست مطالب القطاع الخاص خلال السنوات الماضية
وفي السياق نفسه، لم يختلف رئيس مجلس إدارة مركز التجارة الفلسطيني "بال تريد" إبراهيم برهم، مع الآخرين حول جوهر الخطة التي رحب بتوجه وزارة الاقتصاد الوطني والحكومة بشكل عام في موضوع فكرة تعزيز المنتج الوطني، والأهم منها هو التعامل مع الظروف الصعبة التي يعاني منها شعبنا من ضمنها الاقتصاد الفلسطيني، وقال: "التفكير ببدائل أو بتوجه لبديل للسياسات الاقتصادية فيما يتعلق ببناء القدرات الاقتصادية لتمكين الاقتصاد الفلسطيني ومن ضمنها تمكين المنتج الوطني في تسهيل التجارة".
وأشار برهم إلى أن مضمون ما جاء في الخطة عكس مطالب القطاع الخاص خلال السنوات الماضية، متوقعاً أن الأمور تسير الآن بالاتجاه السليم، ويأمل أن يتوصلوا مع الحكومة إلى تفاهمات حول الإطار العام لهذه الخطة والبرامج المرجوة على هذا الصعيد، خاصة فيما يتعلق بإمكانية تطبيقها على الأرض، وخاصة في بعض القطاعات الإنتاجية "كالزراعي والخدمي والصناعي"، فهي القطاعات الأساسية المطلوب منها التعامل بقوة لأنها القادرة على تشغيل الأيدي العاملة وفي الوقت نفسه تخفيف الاعتماد على الموارد التي تأتي من الجانب الإسرائيلي أو المستورد وزيادة قدرة المنتج الفلسطيني على حصته في السوق الفلسطينية وقدرته وفاعليته باتجاه المنافسة في مستوى التصدير أيضاً، فإذا زادت حصته في السوق الفلسطينية تصبح فاعلية الإنتاج أكبر وبالتالي يصبح هناك مجال للمنافسة على مستوى الأسواق الخارجية أيضاً.
أثر تخفيض ضريبة الدخل على دعم المنتج وتعزيز التنافسية
ويرى برهم أن الاجتماع مع الحكومة بهذا الخصوص إيجابي جداً، وقال: "التوجه العام الذي تقوم به الحكومة باتجاه إعادة النظر بالشرائح الضريبية وبالأخص موضوع ضريبة الدخل يعزز فكرة الاستثمار في البلد ويساعد الشركات الفلسطينية والإنتاج الفلسطيني على المنافسة بهذا الاتجاه، ومن المؤكد ستكون لها تبعات إيجابية، لذلك رحبنا بالتوجه الذي قامت به الحكومة والذي تفكر به فيما يتعلق بالنظام الضريبي بشكل عام وليس فقط ضريبة الدخل التي هي إحدى الأدوات، ولكن أيضاً تعزيز الرقابة الضريبية على مستوى البضائع المستوردة والتهرب الضريبي والجمركي وتعزيز الفكر الضريبي وتوسيع القاعدة الضريبية كل هذه الأمور ستساعد على أن تكون لدينا عدالة ضريبية بشكل عام، وفي الوقت نفسه تساعد في مدخولات الحكومة وتعزز فرص الاستثمار في البلد، خاصة أن الظروف صعبة في البلد، وبالتالي نعم هذه إحدى الخطوات الأساسية التي نرحب بها في القطاع الخاص والحكومة".
الأمور بخواتيمها وتجربتنا مريرة بأن ما يقال وما نوعد به لا ينفذ
في حين يصف مدير عام الشركة الوطنية لصناعة الألمنيوم والبروفيلات عنان عنبتاوي، الخطة بأنها تصيب الوتر الحساس والعصب المطلوب لدعم المنتج الوطني بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام،وإنوالتفاصيل التي نتحدث عنها هي ثانوية.
ويأمل عنبتاوي ألا تكون الخطة مجرد خطة ردة فعل فقط لغرض الضغط على إسرائيل بشكل أو بآخر أو الانتباه لوجود القطاع الخاص فقط في الأزمات، بحيث لا يكون الاهتمام موسمي من قبل الحكومة، "لأن هذا ما كنا نطالب به الحكومة منذ سنوات وأتمنى أن تطبق على أرض الواقع، كما وصفت وكتبت؛ لأنه صراحة فقدنا جزءاً كبيراً من الثقة بأن كل ما يقال يطبق على أرض الواقع، والأمور بخواتيمها كما يقولون والشيطان دائماً في التفاصيل وتجربتنا تجربة مريرة بأن ما يقال وما نوعد به لا ينفذ".
تخفيض الاعتماد على المقاصة الإسرائيلية هو مفتاح لدعم المنتج الوطني
ويعتقد عنبتاوي أن القطاع الخاص مستعد كامل الاستعداد على التعاطي معها، وبالعكس فقد وضعنا ملاحظاتنا ومقترحاتنا بوضوح، الأمر الذي يساعد على إنجاحها،إ تتداول قيمة الضريبة المضافة في داخل السوق الفلسطينية ويقل الاعتماد على المقاصة الإسرائيلية هو مفتاح لدعم المنتج الوطني ولسن المواصفات والقوانين اللازمة وأهمها المواصفات، وقوانين ضبط جودة المنتج الوطني وما يدخل على السوق الفلسطينية من خارجه، والتشجيع على الاستيراد المباشر، مؤكداً أن القرارات الخاطئة التي صدرت في السابق والتي لم يتم الاهتمام بتفاصيل تطبيقها أدت إلى زيادة التهرب الضريبي وأصبح المستورد الفلسطيني يستورد عن طريق المستورد الإسرائيلي بمقاصة، الأمر الذي زاد وأدى إلى إفراغ خزينة الدولة من النقود وزاد اعتمادنا على المقاصة الإسرائيلية.
ينقصها فقط آلية للتطبيق
ويرى عنبتاوي أن ما ينقص الخطة فقط آلية للتطبيق وأن يتم إفهام وشرح طواقم الوزارات ذات الاختصاص والأجهزة التي تتابعها لهدف ومعايير تطبيقها، وأن يتم الإيعاز للجهات المختصة مثل المواصفات والمقاييس التي تحتاج إلى كفاءات وأموال للحصول على المواصفات أو صياغة مواصفات أو حتى لنسخ مواصفات حتى يتم تطبيقها للمنتجات الحساسة التي مواصفاتها غير متوفرة أو ناقصة.
وبالنسبة للاستيراد المباشر قال عنبتاوي: "وضعنا بعض الملاحظات التي تساعد على ضبط الجودة من المصدر أي قبل شحن البضاعة إلى فلسطين، بحيث تقوم السلطة بإحالة المواصفات الفلسطينية لإحدى الشركات الرقابية على المواصفات المعتمدة عالمياً وهذه لا تحتاج إلى تكلفة مالية، وبالتالي يتم فحص الجودة وضبطها قبل عملية الشحن ومدى مطابقتها للمواصفة الفلسطينية، وأن تكون لها خانة في البيان الجمركي تتم المصادقة عليه من قبل الجهة الرقابية العالمية المعتمدة، وبالتالي لا مبرر لوجود فحص المطابقة الإسرائيلي وما يتبعه من عمليات غش وتحايل على القانون تتم الآن، كما نعلم وتعلم السلطة والمواصفات وكل الجهات الرقابية بأنه لا يمكن الاعتماد على فحص الجهات الإسرائيلية للبضائع القادمة للسوق الفلسطينية بنفس الدقة والحدة والرقابة التي يتم فحص البضائع عليها عندما تكون مستوردة للسوق الاسرائيلية، فأي شيء مستورد للسوق الفلسطينية لا يتم الاهتمام بمواصفاته، لا بل يطلب تعهد من المستورد الفلسطيني بألا يتم بيع البضاعة هذه إلا في السوق الفلسطينية حتى يتم الإفراج عنها رغم عدم مطابقتها للمواصفة".
تخفيض التبعية التجارية يعني تراجع حصة الضرائب عبر المقاصة لصالح الضريبة المحلية
ويرى الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم أن دعم المنتج الوطني وتحرره من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي وتفكيك علاقته به له مضمون سياسي وليس اقتصادياً فقط، وهو هدف يصفه بالنبيل ولا أحد يختلف عليه وبالعكس الجميع معه ويدعمه.
لكن د. عبد الكريم، يرى أنه يجب أن نكون أكثر تحديداً فعن أية تبعية نحن نتحدث؟ لأنه يقول: "أن التبعية تتجلى في أكثر من مجال في العلاقة الاقتصادية الفلسطينية الاسرائيلية، ففي بعض التبعيات سهل التخلص منها وتفكيكها، ولكن في تبعيات أخرى تحتاج إلى وقت طويل المدى من المنظور الإستراتيجي، ولا توجد حلول فورية لها.
وأوضح أن وزارة الاقتصاد الوطني معنية أكثر بنوعين من التبعيات (بحسب د. عبد الكريم)، الأولى هي التبعية التجارية، حيث إنها تريد أن تخفض عجز الميزان التجاري الذي دائما يتفاقم لصالح اسرائيل، بمعنى آخر فإنها تريد ان تدعم المنتج الوطني بزيادة حصته في السوق المحلية، أو تشجيعه على التصدير وزيادة حصته في الأسواق الخارجية "تشجيع الصادرات" وهذا من شأنه بكل بساطة أن يؤدي إلى تخفيض العجز في الميزان التجاري مع العالم ومع إسرائيل "التجارة الخارجية"، وهذا يعني ايضا انكشاف الاقتصاد الفلسطيني من حيث الأسعار وتوفر السلع وتنوعها، وكذلك فإن انكشافه على الاقتصاد الإسرائيلي وارتباطه به سيتراجع، لأنه يصبح معتمداً أكثر على السلع المنتجة محلياً والتي فيها قيمة مضافة محلياً، وبالتالي لهذا فوائد اقتصادية جمة خاصة بالميزان التجاري.
ومن أهم الفوائد التي يراها د. عبد الكريم، أنه قد يؤدي تخفيف الارتباط والتبعية "كما يحلو للبعض تسميتها" إلى تخفيض التبعية المالية العامة، لأنه كلما تفاقم الميزان التجاري "ميزان التجارة الخارجية" أصبح هناك العجز في ميزان التجارة الخارجية أكبر، وهذا ما حدث في السنوات الماضية، كلما عنى ذلك ازدياد حصة الضرائب التي تأتي إلى خزينة السلطة من المقاصة مع إسرائيل في الموازنة العامة، وهذا ما يفسر أنها تبلغ الآن أكثر من 150 مليون دولار شهريا، وهي تشكل أكثر من 70% من الايرادات العامة للسلطة، وبالتالي فإن العجز في الميزان التجاري مرتبط بالمقاصة، فكلما زاد العجز زادت المقاصة.
ويقول عبد الكريم: "إن قامت السلطة بتخفيض التبعية التجارية فبكل بساطة يعني أنه حصة الضرائب عبر المقاصة تتراجع لصالح الضريبة المحلية، لأنه يصبح عندنا انتاج محلي وقيمة مضافة محلية اكبر، وبالتالي عندما نتحدث عن قيمة مضافة اكبر وانشطة استثمارية واستهلاكية في الداخل الفلسطيني ما يعني جباية رسوم وضرائب اكبر محليا، وهذا يؤدي إلى تخفيف هذه العلاقة أو الاعتمادية على أموال المقاصة في تمويل النفقات الحكومية".
ويظن عبد الكريم، أن هذا مهم؛ لأن اسرائيل تدرك أهمية حجم المقاصة وأهمية أموالها لخزينة السلطة، وتدرك أنها الممول الأساس للنفقات، وبالتالي فإنها تستخدم هذه الورقة للضغط على الحكومة لأنها تعرف أنه من دونها لا تستطيع الحكومة أن تدفع حتى الرواتب كاملة.
تقليل التبعية والاعتمادية التجارية من شأنها تخفيض الاعتمادية المالية
ويستنتج عبد الكريم، أن التبعية والاعتمادية التجارية إذا خفت فمن شأنها أن تخفف من الاعتمادية المالية وأيضاً مرتبطة باعتمادية سوق العمل، لأنه إذا دعمت السلطة المنتج الوطني وشجعت الصادرات وزادت حصتها محلياً فبكل بساطة هذا يعني أن تصبح الاستثمارات في القطاعات الانتاجية التي تنتج سلعاً خصوصاً السلع الأساسية الزراعية والصناعية والسياحة وبعض الخدمات التي تصبح مغرية وجذابة من الناحية الاستثمارية للمستثمرين، فإما أن يقوم المستثمرون الحاليون بتوسيع استثماراتهم في المجال نفسه أو يأتي مستثمرون جدد ويستثمرون في قطاعات لها تنافسية في السوق المحلية بعد الخطوات التي يمكن أن تتخذ، وبالتالي يصبح الاستثمار في الزراعة والصناعة جاذباً؛ لأنه تصبح لها حصة اكبر في السوق المحلية، وفرصة اكبر للتنافس في الأسواق الخارجية، وهذا يؤدي بكل بساطة إلى جذب الاستثمارات وتوسيعها؛ ما يؤدي إلى زيادة فرص العمل، وبالتالي لا يضطر معظم العمال وخريجي الجامعات للذهاب إلى سوق العمل الاسرائيلي.
وهنا يؤدي إلى تراجع عدد العمال العاملين داخل الخط الاخضر، وتبدأ العمالة داخل مناطق السلطة تزداد، وخصوصاً أنه يفترض كلما زادت تنافسية القطاع الخاص في السوق الفلسطينية أو في الخارج زادت أرباحه، وبالتالي يصبح أقدر على رفع الأجور، وبالتالي يصبح جاذباً للعمالة.
مؤشرات لتقييم الجهد ومقاييس كمية لقياس حجم الزيادة في المنتج الوطني
ونرى أن هذه الاعتماديات الثلاثة مرتبط بعضها مع بعض، وبالتالي فإن د. عبد الكريم يؤكد أنه إذا الحكومة وضعت إستراتيجية بخطوات محددة تماماً وبجدول زمني، وأن تضع مؤشرات لتقييم الجهد بمعنى مقاييس كمية لقياس حجم الزيادة في المنتج الوطني وقل عجز الميزان التجاري وزاد التشغيل في القطاع الخاص الفلسطيني، مشدداً على أن هذه المؤشرات يجب أن توضع من أجل أن تتم متابعة أي جهد حكومي بحيث لا يبقى مجرد تمنيات.
الحوافز الضريبية تشجع القطاع الخاص على التصدير وتدعم حصته في السوق المحلية
وفي جانب تخفيض ضريبة الدخل أكد عبد الكريم، أن تقديم الحوافز الضريبية وغير الضريبية من شأنها أن تشجع القطاع الخاص على التصدير وتدعم حصته في السوق المحلية، ويرى أن تقديم الحوافز الضريبية والإعفاءات تصبح استثمارت القطاع الخاص مجدية ومربحة وجذابة أكثر، فلا يضطر لدفع ضرائب كبيرة للحكومة ويقتطعها من ارباحه، فيصبح العائد على استثماراته أعلى مقارنة بفرص أخرى موجودة في مناطق مجاورة.
ومن هناك يجد رأس المال هذه الفرص جذابة، ولهذا السبب يقول عبد الكريم: "إن تخفيض ضريبة الدخل يعني دعم حصة المنتج في داخل المناطق الفلسطينية وتجعل المستثمرين يقبلون على الاستثمار، وبالتالي تزداد فرص العمل على المدى المتوسط، ولكن على المدى الطويل، سيؤدي إلى زيادة ضريبة الدخل وليس تخفيضها، لأنه كلما نشط القطاع الخاص وكلما وظف أكثر خلق قيمة مضافة أعلى، وبالتالي تزداد الضرائب والرسوم الأخرى والضرائب على الأجور وتزداد القدرة الشرائية والاستهلاكية للمواطنين، وهذا يؤدي إلى تحريك الدورة الاقتصادية؛ ما يؤدي إلى زيادة في حجم الضرائب الكلية أو الإيرادات الكلية".
قلق من الربط التلقائي بين الأزمة المالية الراهنة وما بين دعم المنتج الوطني وإعادة هيكلة الاقتصاد
ولكن ما يقلق د. عبد الكريم، هو الربط في طروحات الحكومة في مسودة الخطة ما بين دعم المنتج الوطني وإعادة هيكلة الاقتصاد الفلسطيني وزيادة حصة المنتج في السوق المحلية، وما بين الأزمة المالية الراهنة التي تمر بها السلطة.
ويقول" يجب ألا يكون هذا الربط أوتوماتيكياً ولا تلقائياً؛ لأنه بكل بساطة الاول هو أدوات إستراتيجية وتأثيراتها لن تظهر إلا على المدى البعيد، ولكن الأزمة المالية الراهنة مسبباتها معروفة وتحتاج إلى حلول فورية لمواجهتها؛ لأن حلها صعب، مستدركاً أن هناك أزمة بنيوية اصلاً في موازنة السلطة وهي سنويا تعاني من عجز قيمته مليار ونصف دولار، بينما الازمة الطارئة التي اضيفت إلى الأزمة البنيوية فسببها معروف وهي أزمة سيولة، فيها نقص الموارد مقابل النفقات، وبالتالي نقص السيولة المتمثلة باحتجاز اسرائيل 70% من إيرادات السلطة ومن تدني منسوب المساعدات الدولية في مثل هذا الوقت من السنة، وبالتالي حل الازمة هذه لا يمكن أن يأتي من خلال الربط مع اعادة هيكلة الاقتصاد ودعم المنتج الوطني وزيادة حصته؛ لأن هذا يحتاج إلى وقت وذلك يحتاج إلى معالجة فورية.
وفي ظل بحث الجميع عن حلول لمواجهة الازمة من أجل التخفيف من وطأتها ومن حدتها لادارتها، والتي يرى عبد الكريم انها في صلب مهمة اللجنة الوزارية التي بصدد تشكيلها، حيث يجب أن تكون تأثيراتها فورية، من بينها عناوين عريضة للتقشف، وترشيد النفقات، وزيادة وتحسين الجباية أفقيا، والاسراع في التسويات الضريبية، وحث القطاع الخاص والمكلفين على ان يعملوا سلفيات ضريبية مقدما، ولربما أيضاً تكثيف الجهد لمحاربة التهرب الضريبي والحد منه؛ لأن فيه تهرباً كبيراً وتسريباً للإسرائيليين، وممكن ادارة عملية الاقتراض من البنوك، وضمن المقترحات التي يجب النظر فيها المساعدات الدولية لاحياء ما كنا نقترحه سابقا، وهو ما يسمى بالصندوق الدوار للدول المانحة.
ويرى عبد الكريم أنه يمكن أن تقسم الخطة إلى اجراءات فورية واجراءات ربما من منظور استراتيجي، وهذه من مهام اللجنة الوزارية، وفي كل الاحوال فانه يستغرب ويساوره القلق من الحكومة التي لم تشكل خلية ادارة الازمة "اللجنة الوزارية" وان تضع السيناريوهات والاحتمالات والاجراءات مسبقاً لمواجهة الازمة الحالية، لذا يجب ان تشكل هذه اللجنة فوراً، وتبدأ تعمل ولتتواصل مع الموظفين ومع القطاع الخاص والمواطنين وتعلمهم بصورة تطورات الازمة وموقف الحكومة بشأن حلها.