رولا سرحان
ماذا يريد اليسار الفلسطيني؟ هو سؤال يستحق المتابعة، خاصة وأنه لم يعد لهذا اليسار ملامح واضحة لجهة مواقفه وبرامجه السياسية، ولا يُعرف كم عدد فصائله، ولا كم هي نسبة تمثيله للشارع. وفي أغلب الأحيان لا نأخذ نحن المتابعين لمواقف أحزاب اليسار تصريحاتهم السياسية على محمل الجد، إلا إذا كنا نريدُ تصريحاً للتداول الإعلامي، لأننا نعلم بأن المقصود من مواقف اليسار في أغلب الأحيان تسجيل موقف لا أكثر ولا أقل، والسبب وراء ذلك أن تلك المواقف تفتقر في أغلب الأحيان لآليات تطبيق، ولآليات متابعة، وبالتالي فهي تفقد جديتها وصدقيتها وتفرغ من محتواها.
والحالة في هذا الأمر تنطبق على الزوبعة الإعلامية التي أثارها اليسار قبل أيام قليلة فيما يتعلق باستيراد الغاز من إسرائيل، وبغض النظر عن موقفنا في "الحدث" من هذه الاتفاقية، التي سنفرد لها متابعة خاصة في الأعداد المقبلة، إلا أن ما يعنينا اليوم هو فهم موقف اليسار الفلسطيني من هذه الاتفاقية.
في الحقيقة لا يخلو أي تصريح صدر حول استيراد الغاز من إسرائيل من لغة المنطق والعقل أو الوطنية، وهو ما لا نشكك فيه أبدا، لكنه في ذات الوقت يفتقر للمهنية لافتقاره للمعلومات الدقيقة والفنية والمختصة، فأعتقد أن اليسار لم يطلع على الاتفاقية، ولا أيضاً على التفاصيل الفنية المصاحبة لها، كما أنه ليس فيهم مختص أو خبير في موضوع الطاقة أو الطاقة البديلة، او متابع للتوقعات المستقبلية لحجم الاحتياجات في منطقة الشرق الأوسط من الغاز، كما أنهم لم يطلعوا على تفاصيل اتفاقية التنقيب الحصري الممنوحة من السلطة الفلسطينية للشركة البريطانية "BG" ولا على تعديلاتها، ولا على تفاصيل اتفاق النوايا المبدئي مع الحكومة الفلسطينية، لبحث إمكانية استيراد الأردن للغاز الطبيعي من حقل "غزة مارين" الفلسطيني. وكل ما في متناول يدي اليسار الفلسطيني هي المعلومات التي يتم نقلها لهم إما من الجهات الرسمية التي قد تبدي وتخفي التفاصيل التي تريد، وإما من المعلومات التي ننشرها نحن في الإعلام.
وإن كان هذا المأخذ الرئيس على تلك التصريحات، فالمأخذ الثاني يتعلق بالإجابة على سؤال ماذا بعد تلك التصريحات والمؤتمرات الصحفية؟ فالتجارب السابقة مع اليسار سواء على الصعيد السياسي مثل مواقفهم من مشروع القرار الفلسطيني لإنهاء الاحتلال، ومن المحكمة الجنائية الدولية لم تقدم ولم تؤخر، ولم يستطيعوا تحريك الشارع لتدعيم موقفهم، ولم يستطيعوا خلق جبهة معارضة تقف في وجه التفرد في صناعة القرار في فلسطين.
عندما وقف "كليمان غوتوالد" عام 1948 في شرفات إحدى قصور براغ ليعلن بدء الحقبة الشيوعية كان محاطاً برفاقه ومن بينهم "كليمانتس"، وكان الثلج، يسقط، فما كان من "كليمانتس"، إلاّ أن نزع قبعته من الفرو ووضعها على رأس "غوتوالد"، وهذا المشهد أعيد انتاجه آلاف المرات. لكن بعد سنوات قليلة اتهم "كليمانتس" بالخيانة، وشُنق، وتم محو أثره من التاريخ، ولم يعد أحد يتذكر شيئاً عنه سوى قبعته.
وهكذا نحن، لن نتذكر شيئاً عن اليسار الفلسطيني سوى جعجعته.