مئة يوم حاسمة قد تترك آثارها على تاريخ المنطقة والعالم، وهي المدة التي تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وتشير استطلاعات الرأي العام الأمريكية إلى تراجع شعبية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتأخره بين ثماني نقاط وأربع عشرة نقطة عن منافسه الديمقراطي جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي السابق.
يواجه ترامب أزمات حقيقية داخلية وخارجية أبعدت بعض أنصاره الذين صوتوا له في انتخابات 2016 وأهمها عنصريته وخطابه العنصري الواضح ضد الأمريكان من أصول أفريقية ولاتينية وآسيوية ومسلمة. وتجلت هذه العنصرية في تصرفاته وتصريحاته التي أعقبت خنق شرطي أبيض أمريكي لمواطن أمريكي أسود وهو ما أشعل مظاهرات لم تهدأ حتى اليوم تعرض فيها المتظاهرون إلى قمع الشرطة التي تكتم أنفاس الأمريكيين وتتمتع مع ذلك بحصانة قضائية ما يزيد من إجرامها بلا رقيب أو حسيب.
وإذا أضيفت هذه الأزمة إلى أزمة فيروس كورونا وتداعياتها الصحية من تعاظم عدد الإصابات والوفيات وخروجها عن السيطرة كنتيجة للأداء المتردد والضعيف لترامب وإدارته. ولكن تداعيات كورونا الاقتصادية وزيادة نسبة البطالة وتهديد نشاط قطاعات اقتصادية كثيرة كانت آثارها أكبر على شعبية ترامب وكشف كثير من عيوب الرئيس الذي بدأ إحساسه يزداد بخسارة الانتخابات بعد مئة يوم، ولا يمكن إغفال التأثيرات السلبية لسياساته الخارجية الانتقامية ضد الصين أكبر شريك اقتصادي للولايات المتحدة وروسيا وحتى ضد حلفاء أمريكا التقليديين كالاتحاد الأوروبي وكندا واليابان وكوريا الجنوبية وضربه لقواعد القانون الدولي والاستخفاف بالأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
ويشارك بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي دونالد ترامب في مشاكله ونظرته العنصرية وأزمة كورونا والوضع الاقتصادي المتدهور ونسبة البطالة المرتفعة وشلل حكومة الرأسين وفشله في تمرير قرار الضم وصفقة القرن والتعامل مع التحديات التي تواجه الكيان الإسرائيلي من الشمال والجنوب والشرق والتحدي الإيراني لهما.
وإذا كانت تقديرات المحللين والمراقبين للسياسات الدولية من ذوي القدرة على التحليل الدقيق لمجرد من التهويش والدعاية السياسية والإعلامية قد توقعت صداما أمريكيا صينيا عسكريا في بحر الصين الجنوبي أو في مكان آخر منذ أن تولى ترامب الرئاسة الأمريكية ووضع مبدأ "أمريكا أولا" وأتبع ذلك بحرب اقتصادية على الصين التي قد يتفوق اقتصادها خلال السنوات العشر القادمة على الاقتصاد الأمريكي الأول في عالم اليوم ردت عليها الصين بإجراءات مماثلة أوجعت ترامب والاقتصاد الأمريكي .
في ضوء ذلك فإن ثمة خشية من حدوث صدام عسكري أمريكي مع الصين خلال المئة يوم التي تسبق الثالث من تشرين الثاني القادم والتي تشهد تراجعا في شعبية ترامب وتدني حظوظه في الفوز بولاية ثانية، يعقبها (الاحتكاك العسكري ) جلوس على طاولة المفاوضات لتحديد مستقبل العالم بعد تداعي الدور الأمريكي في قيادة العالم اقتصاديا وسياسيا كقطب وحيد والتوافق مع الصين على إدارة الاقتصاد العالمي ودور اليوان الصيني كعملة تداول عالمية إلى جانب الدولار الذي يتخلى رويدا رويدا عن عرشه الذي جلس عليه قبل نصف قرن.
لكن نتنياهو المأزوم هو أيضا يفضل جر الولايات المتحدة إلى صدام عسكري سعى إليه من خلال سنوات إدارة ترامب على وجه الخصوص مع إيران وسوريا ولبنان والعراق وفلسطين وليس التوتر الذي نشهده على حدود لبنان وجنوب دمشق والتفجيرات في العراق وإيران سوى مقدمات لعدوان يعتقد نتنياهو ومستشارو ترامب أنه يساعد في تحسين أوضاعهما الداخلية المتزعزعة وإمكانية إعادة ترامب إلى البيت الأبيض وإنقاذ نتنياهو من السجن ولكن خشية الثنائي المأزوم أن تتدحرج الأمور إلى حرب واسعة غير محسوبة أو محسومة النتائج تؤثر سلبا على حظوظ "الثنائي" وطموحهما السياسي. فالدخول في حرب غير مؤكدة النتائج قبل الانتخابات لا تخدم الساسة الذين يشعلونها اللهم إلا إذا كانوا من نوع ترامب الأحمق المتقلب المزاج ونتنياهو الفاسد الذي ينتظره السجن.