الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

العيد في زمن الكوليرا والكورونا/ بقلم: ناجح شاهين

أو النزاع بين ابن تيمية وحليفه الفرنسي والغزالي وحليفه الأمريكي

2020-07-30 10:45:07 AM
العيد في زمن الكوليرا والكورونا/ بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

 

عيد بأي حال عدت يا عيد؟ بأي حال يأتينا عيد النحر هذا العام، إن يكن في فلسطين أو سوريا أو العراق أو اليمن أو ليبيا؟ في فلسطين لحزننا الشديد مشاهد مؤلمة في حياة الناس اليومية قبل حياتهم السياسية. كأن الناس تتهاوى إلى آبار سحيقة مع انفلات العنف الاجتماعي على نطاق مقلق، خصوصاً فيما يتصل بقتل النساء والفتيات الصغار على أيدي رعاة الشرف من آباء وأزواج وأشقاء وصولاً إلى "نفهة" الخطيب التي وقعت منذ يومين في منطقة رام الله.

أما في مستوى المنطقة فتمول السعودية والإمارات وقطر التي تشهد اليوم ثورة سياسية تأخذها باتجاه جيل الشباب الذي يتقن الإنجليزية ولا يحتاج الى مترجم بينه وبين ترامب، عمليات واسعة للأضاحي البشرية في انحاء مختلفة من المنطقة في سياق حربها على الكفار والمارقين والشيعة والبعثيين، يستثنى مثلما هو متوقع دولة "إسرائيل" الكتابية، فهي دولة صديقة تساعد في محاربة الخطر الشيعي، والبعثي، والشيوعي إن ظل هناك خطر من النوع الأخير في دنيا المنطقة. دول النفط مع ذلك لا ينقصها الاهتمام بالقضايا العربية والإسلامية، ولذلك فهي مستعدة لبناء مئات المساجد في ألمانيا، وباقي دول اوروبا من أجل أن يجد المهاجرون دور العبادة الملائمة. لكن السعودية والإمارات لا يتوانيان عن قصف البيوت والمصانع والبنى التحتية والمساجد ذاتها في اليمن، وصولاً باليمن السعيد إلى عصر "العيد في زمن الكوليرا" مع الاعتذار للراحل ماركيز. استعر برنامج القصف العشوائي لحرق الأخضر واليابس في جهاد مقدس تقوده أمريكا ومن طرف خفي "إسرائيل" ضد الكفرة من أنصار الله. قتل البرنامج الرهيب حتى الآن ما يربو على ستين ألف يمني، وجرح مئات الآلاف وهجر الملايين، وها هو يهدد البلد كله بالكوليرا والكورونا والموت جوعاً. إنجاز يتفوق على مثيله الإسرائيلي الذي نفذ ضد الشعب الفلسطيني من قبل حليف السعودية الغامض "إسرائيل". في حادثة خفيفة الظل قصف السعوديون مصنعاً لتعبئة المياه المعدنية، وادعو انه مخزن للذخيرة والأسلحة. ثم قتلوا 19 شخصاً في مسجد وقالوا إنه مليء بالأسلحة، والحقيقة ان الطريقة الأمريكية في فيتنام و"الإسرائيلية" في لبنان وغزة تستعمل هنا بمنتهى القسوة والوحشية: اقتل المدنيين وحول حياتهم إلى جحيم، حتى ينفضوا عن المقاومة وينتفضوا ضدها. لكن الغريب ان هذا لم ينجح في حدود ما نعلم إلا في تسعير الغضب الشعبي ضد المستعمر، وفي هذه الحالة سيتصاعد الغضب ضد أداة الاستعمار القروسطية المدعوة بالمملكة السعودية. يقف وراء هذا الجهد التحرري المثابر لدحر الدكتاتورية في سوريا، والحوثيين الكفرة في اليمن، وحزب الله الإرهابي، طيف واسع من الديمقراطيين والمحافظين والمؤمنين من الأطياف كافة بما في ذلك بالطبع نتانياهو، وترامب، وملك السعودية السابق والحالي وولي العهد المغامر محمد بن سلمان، وزعماء المحميات النفطية متعددة الأسماء والأشكال، وكذلك دول القارة الكلاسيكية العجوز بما في ذلك دولة مثل السويد معروف عنها الحياد والاشتراكية. حتى حزبها الأخضر لم يرتدع بسبب خضرته عن دعم الجيش السوري الحر واحمد الجربا وهم حلفاء لجبهة النصرة. يتحرك بشكل أرعن وغير واثق الخطوة على الإطلاق الأكاديمي الأمريكي، العسكري ابن المؤسسة التي تحمي الطبقة البرجوازية الأكثر فساداً وتخلفاً في العالم عبد الفتاح السيسي، فيتقدم لدعم العمل العربي المشترك في اليمن، وفي سبيل الكفاح ضد قطر يتحالف مع محمد دحلان القادم من عند محمد بن زايد من أجل تحويل غزة إلى تابع للإمارات ومصر بدلاً من قطر وتركيا. لكن السيسي يتحسس رأسه على حين غرة شاعراً بضرورة القتال في ليبيا من أجل تخويف إثيوبيا على طريقة "مش قادر للحمار بعض البردعة". لكن الجنون لا يكتمل بدون ذكر مطامع رأس الخيمة والفجيرة وخورفكان الإقليمية، هذه تصاريف القدر.

إلى ليبيا ينتقل مركز ثقل الصراع الراهن بين جناحي العالم السني السعودي/الإماراتي والتركي/القطري. في هذا السياق لا يمكن توجيه اللوم إلى الرافضة أو المسيحيين أو الشيوعيين أو البوذيين. الصراع أصيل مئة في المئة، كأنه صراع بين داعش والنصرة أو القاعدة والإخوان المسلمين، إنه صراع بين شيخ الإسلام ابن تيمية وحجة الإسلام أبوحامد الغزالي. تنقسم القوى الاستعمارية بين مؤيد لأبي حامد مثل الولايات المتحدة ومؤيد لابن تيمية مثل فرنسا. أما ضحايا "الجهاد" فإنهم عرب أولاً وأخيراً، خصوصاً شعب ليبيا ونفطها وثرواتها كلها.

فلسطين تواصل مسيرة الركود السياسي المحفوف بالمزيد من الاستيطان وتهديدات الضم الوشيكة والانقسام الأبدي بين دويلة غزة ودويلة رام الله. أما زعماء العالم العربي/الإسلامي المنقسمون في ليبيا وتونس فيتفقون تماماً في هوى الدولة العبرية التي تتمتع بأوثق العلاقات مع السعودية والإمارات وقطر وتركيا. وعلى الرغم من ارتفاع صوت السلطان التركي حامل سيف الإسلام فإنه لا يتجاوز الهجوم على كنيسة أيا صوفيا وتحويلها إلى مسجد، بينما تمتلئ الأسواق الإسرائيلية وأسواق الضفة وغزة بالبضاعة التركية التي تدخل بمباركة القرار السياسي والاقتصادي الإسرائيلي.

في تونس تضيع الطاسة السياسية وصولاً إلى نذر الدولة الفاشلة والحرب الأهلية في سياق أوهام الديمقراطية التي تزعزعها بقوة أطراف الصراع ذاتها مع دور نشط لحلفاء السلطان العثماني من جماعة "النهضة". وأما المغرب فقد طلق العروبة ثلاثاُ عن طريق قراره باستبعاد اللغة العربية لمصلحة الفرنسية والعامية. هكذا سينشأ جيل لا يعرف العربية في أي مستوى. وما هو إلا عقد من الزمن حتى تصبح لغة القراءة الوحيدة هي الفرنسية. والتهديد الوحيد لذلك هو الضغط الذي يمارسه أنصار الإنجليزية الذين يؤكدون أن اللغة الحية الآن هي لغة الأنكل سام التي يجب أن تجب الفرنسية والعربية على السواء.

إلى الشرق والجنوب قليلاً نجد السودان الخارج من آخر ثورات الربيع العربي المزعوم صديقاً حميماً لإسرائيل لكي يتخلص من سيف العقوبات الأمريكية ويمتلك القدرة على مواجهة الشقيقة مصر التي "تحتل" مثلث حلايب. قضايا العرب لا تعني شيئاً بالنسبة لقيادة "الثورة" السودانية وتكتفي من ذلك كله بالجهاد في اليمن، وربما نتجه أيضاً إلى ليبيا مثلما تشير التقارير الأخيرة بأن أفراداً كثيرين من العاملين السودانيين في الإمارات قد التحقوا بالجهاد في لبييا بعد تدريبات عسكرية موجزة.

فانتازيا العيد الراهن أوسع من ذلك كله وأبعد غوراً، وهي "لا معقول" صرف يتفوق على لا معقول صموئيل بيكيت. وحده الدب الروسي فرض شيئاً من النظام ببناء بعض السدود في وجه تيار الإيمان المنفلت من كل عقال ليذبح ويقتل دون أن يلوي على شيء. ووحده حزب الله من بين العرب جميعاً من يحافظ على "أسطورة" عفا عليها الزمن تتحدث عن عدو صهيوني يكاد يخلو منه المشهد السياسي والإعلامي العربي بشكل تام. وهكذا أمتعنا الحزب بمشهد إسرائيلي سريالي قبل بضعة ايام تمثل في ارتباك الجهاز الإعلامي والسياسي فيما يتصل بدخول عناصر المقاومة أو عدم دخولها، قتلهم أو انسحابهم بسلام...الخ كانت ساعات من التخبط الإسرائيلي الذي يقول الكثير عن حدود القوة الصهيونية في مواجهة مقاومة ذكية وشجاعة ومبدعة.

كل عام ونحن جميعاً على قيد الحياة، على الرغم من مكر الكوليرا والكورونا وموجات الجهاد الأعمى. كل عام والأمل حي يرزق بأن المقاومة المحاصرة بجيوش السلطان العثماني وأمراء المحميات تحفر طريقها في الصخر وتبني مستقبلاً مختلفاً. ذلك هو أملنا الوحيد على الأرجح في أن يأتي العيد المقبل وقد تخلصنا من عصر الهيمنة القروسطية السعودية التي تشكل واجهة سافرة للاستعمار الأمريكي وحليفه الصغير "إسرائيل".