الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

رسالة إلى وزير التربية والتعليم القادم/ بقلم: د. أسامة الميمي

2020-08-03 01:21:20 PM
رسالة إلى وزير التربية والتعليم القادم/ بقلم: د. أسامة الميمي
الدكتور أسامة الميمي

 

لأسباب كثيرة، وجدتني أوجه رسالة إلى وزير التربية والتعليم القادم أقول فيها: 

عزيزي....
في البداية أتقدم لك بالتهنئة على مهمتك الجديدة وأتمنى لك كل التوفيق. أنا شخصيا لا أعرفك ولا تعرفني واسمح لي أن أخاطبك باسمك دون أن يسبقه "معالي"؛ فهذه الكلمة لا تروق لي. أدرك مدى أهمية وصعوبة مهمتك. أولا: لأن التعليم يرسم صورة مستقبل أطفالنا وشبابنا، وثانياً: لأنك ورثت الكثير من التحديات المتعلقة بالنظام التربوي الفلسطيني والتي تتطلب منك العمل الكثير لتجاوزها. 


أكتب لك هذه الرسالة علها تكون مفيدة... 

أقترح أن يكون لديك رؤية تربوية ترسم فيها ملامح مستقبل أبناءنا وتعمل بجد لتحقيقها من خلال استراتيجيات وخطط عمل واضحة وأدوات تدخّل مغايرة ومبدعة وتركز على ذلك دون تشتت. وبالتالي متوقع منك أن يكون لديك مشروعاً تربوياً تعمل لأجله ليل نهار؛ مشروع يأخذ أبناءنا إلى مستقبل مختلف، أبناء ينتجون ويفكرون ويتأملون، والأهم من ذلك، كله قادرين على الحلم. 

أتمنى أنك ترددت كثيرا قبل قبول منصب الوزير إذا كنت غير متخصص في المجال التربوي. فهذا المنصب يتطلب معرفة ومهارات عميقة وواضحة في التخصص، معرفة ومهارات تساعدك في تشكيل رؤية تربوية ناضجة. مطلوب منك أن تكون لديك خبرة بمفردات المجال التربوي ومفاهيمه ونظرياته وأن يكون لديك لغة مشتركة مع مجتمع المعلمين والمعلمات والبيئة المدرسية. لا يكفي أن تكون على شواطئ المعرفة في هذا المجال. 

أعرف مدى فرحتك بالجلوس على كرسي الوزارة، وربما كان هذا حلمك منذ وقت طويل. أتمنى منك أن تعمل واثقا بمشروعك التربوي (ان كان لديك رؤيا ومشروعا تربويا) دون حسابات جانبية تأخذك الى مناطق هنا وهناك وتبعدك عن مهمتك الرئيسية؛ فمهمتك تحقيق أهداف مشروعك التربوي وليس الحفاظ على كرسي الوزارة أو محاولة تجنب مراكز القوى فيها رغبة في ارضائهم، فكرسي الوزارة لا محال زائل وكل ما سيبقى في تاريخك هو ما صنعته من مستقبل لكل طفل فلسطيني. 

أرجو منك ان تقضي وقت طويلا " خاصة في بداية مهمتك" في المدارس وتشاهد ما الذي يحصل فعليا في غرفة الصف ولا تكتفي بالسمع أو قراءة التقارير. لعل ذلك يساعدك في تطوير أفكار تساهم في تحقيق أهداف مشروعك التربوي بطريقة واقعية وذات معنى. سيقاس نجاحك يا عزيزي بمدى التغير الذي حصل فيما يفعله الطلبة في الغرف الصفية ومدى رضى المعلمين والمعلمات وليس بعدد الاجتماعات أو المؤتمرات الصحفية أو ورشات العمل التي شاركت بها؛ فهذا كله يعتبر انجازات وهمية والكثير من الناس يدركون أن هذا فقط للتسويق الاعلامي. 

 

لا أحد يتوقع منك ان تضغط على "زر إعادة التشغيل" وتبدأ من جديد. المتوقع ان تكون بوصلتك في العمل البناء وليس الهدم. البناء على قصص تربوية ناجحة وربما البناء على جهود من سبقوك الى ذلك المنصب. مطلوب منك أن تقوم بتقييمها إما بنفسك أو من جهة خارجية محايدة ليتشكل عندك صورة واضحة عن فعاليتها ومساهمتها في تحقيق أهداف مشروعك التربوي. أذكر على سبيل المثال لا الحصر: خلال الحكومات السابقة تم استبدال اسم انجاز بدل "توجيهي" وبعدها تم "شطب" كلمة انجاز وتم اعادة الاسم كما كان.

 والحقيقة يا عزيزي لم يكن هناك أي تغيير بالمفهوم أو المنهجية أو طريقة التفكير وانما كان الاختلاف على "الاسم". هل هذا يعقل؟ هذا أحد الامثلة البسيطة ولا مجال لذكر ما هو أعظم من ذلك في هذا المقال. 

ولأن التعليم مسؤولية الجميع وليس مسؤولية وزارة التربية والتعليم فقط، أنصحك بنسج شراكات حقيقية مع مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص. فيجب ألا تكون هذه الشراكات مجرد بروتوكولات و"مانشيتات" صحف ولقاءات واجتماعات لا تفضي إلى أي شراكة حقيقية وبالتالي لا تصل إلى إنجاز حقيقي. 

إذا وجدت نفسك "مكبلا" ممن حولك أو لأي سبب من الاسباب غير قادر على تحقيق رؤيتك التربوية في الاصلاح وبالتالي غير قادر على تحقيق أهداف مشروعك التربوي، أنصحك بالرحيل فورا ولا تنتظر تغييرا وزاريا؛ فهذا أيضا إنجاز وسيسجل في تاريخك أنك غادرت وتركت المجال لآخر- أو أخرى- ربما يستطيع أن يخترق الظلام ونستطيع نحن وأطفالنا سرقة ما تبقى من حلم.