الحدث- جهاد الدين البدوي
نشرت مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية مقالاً للأستاذ المساعد في كلية باترسون للدبلوماسية والتجارة الدولية روبرت فارلي، تحدث فيه أن ترسانة "إسرائيل" النووية تعد الأسوأ في العلاقات الدولية.
يضيف فارلي بأن "إسرائيل" تتمتع حالياً بتفوق عسكري تقليدي هائل، ولكن هذا التفوق يعتمد إلى حد ما على بيئة استراتيجية إقليمية. وقد تؤدي التحولات السياسية إلى عزل "إسرائيل" دبلوماسياً، وأن تكون عرضة للهجوم التقليدي مرة أخرى. وفي مثل هذه الحالة، ستظل الأسلحة النووية جزءاً من مجموعة الأدوات التي تكفل بقاءها.
يضيف فارلي بأن الترسانة النووية الإسرائيلية هي أسوأ سر في العلاقات الدولية. منذ السبعينيات، حافظت "إسرائيل" على رادع نووي من أجل الحفاظ على توازن قوى إيجابي مع جيرانها. وبصرف النظر عن بعض اللحظات المثيرة للقلق خلال حرب أكتوبر عام 1973، إلا أن الحكومة الإسرائيلية لم تفكر بجدية في استخدام تلك الأسلحة.
يوضح فارلي بأن السيناريو الأكثر وضوحاً بالنسبة "لإسرائيل" لاستخدام الأسلحة النووية هو الرد على هجوم نووي أجنبي. رغم أن "إسرائيل" تمتلك منظومات دفاع صاروخي وجوي ووسائل إطلاق أسلحة نووية متطورة للغاية، بحيث لا يمكن تصور سيناريو تستطيع فيه أي دولة أخرى غير إحدى الدول النووية الكبرى أن تقوم بالضربة الأولى لنزع سلاحها. وبالتالي، من المؤكد أن أي مهاجم سيتحمل انتقامًا واسع النطاق، في وقت قصير. وإذا تم اعتبار إيران هي من تقوم بمهاجمة "إسرائيل"، فإن أهداف الأخيرة هي تدمير القدرة العسكرية للعدو وأيضاً إرسال رسالة مفادها أن أي هجوم نووي ضد "إسرائيل" سيقابل برد كارثي لا يمكن تصوره.
يتساءل الخبير العسكري: تحت أي ظرف يمكن "لإسرائيل" أن تبدأ حرباً نووية؟
يقول الكاتب: وإذا بدت قوة معادية كإيران وكأنها على وشك استخدام الأسلحة النووية، فقد تفكر "إسرائيل" في شن هجوم نووي وقائي. وفي حالة إيران، يمكننا أن نتخيل سيناريوهات لم يعد فيها المخططون "الإسرائيليون" يعتبرون الهجوم التقليدي قاتلاً بما فيه الكفاية لتدمير أو تأخير البرنامج النووي الإيراني. وفي مثل هذا السيناريو، وفي غياب تدخل مباشر من الولايات المتحدة، قد تقرر "إسرائيل" شن هجوم نووي محدود ضد المنشآت الإيرانية.
يتابع الكاتب: وبالنظر إلى أن إيران تفتقر إلى أنظمة دفاع مضادة للصواريخ باليستية، فإن "إسرائيل" ربما ستستخدم أسلحتها النووية عبر صاروخ "أريحا-3" متوسط المدى. ومن المرجح أن يقتصر هجمات "إسرائيل" على أهداف مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، بعيداً عن المناطق المدنية. ومن المحتمل أيضاً بما أن "إسرائيل" ستكسر المحرمات النووية على أي حال، فقد تستهدف منشآت وقواعد عسكرية أخرى في هجماتها النووية.
يشير الكاتب إلى أن الاضرار الناجمة عن الأسلحة النووية لا يمكن تخيلها وستفوق الأضرار الناجمة عن استخدام الأسلحة النووية بشكل كبير. مضيفا أن استخدام الأسلحة النووية من قبل "إسرائيل" قد يزيد اهتمام جميع الدول في المنطقة وربما في العالم بتطوير ترسانة نووية.
يقول الكاتب بأن أحد أكبر مخاوف "إسرائيل" أن تقوم إيران أو باكستان أو كوريا الشمالية ببيع أو إعطاء أسلحة نووية لفواعل غير دول، وبذلك سيكون من الصعب ردع حماس أو حزب الله أو أي جماعة أخرى أو أي دولة قومية أخرى.
يشير الكاتب إلى أنه حتى لو لم تستخدم الفواعل غير الدول الأسلحة النووية فوراً ضد أهداف "إسرائيلية" فإنها يمكن أن تنتزع تنازلات لا ترغب "إسرائيل" في تقديمها. وفي مثل هذا السيناريو، قد تفكر "إسرائيل" في استخدام الأسلحة النووية من أجل إحباط عملية نقل أو تدمير الأسلحة النووية للعدو بعد التسليم. وسيتوقف ذلك على الحصول على معلومات استخباراتية مؤكدة حول نقل الأسلحة، ولكن ليس من المستحيل أن تتمكن أجهزة الاستخبارات "الإسرائيلية" عالية الكفاءة من تقديم هذه البيانات.
لماذا خيار الضربة النووية الأفضل؟ يجيب الكاتب بأن السبب الأكبر والأهم هو ضمان نجاح الضربة، فستكون الأسلحة النووية ومن ينقلها أهدافاً هامة بامتياز، والهجوم النووي من شأنه أن يضمن تدمير هذه الأسلحة بشكل أكثر فاعلية وموثوقية من استخدام الأسلحة التقليدية. كما أن استخدام القوة الأكثر تطرفاً قد يكون رادعاً لكل من الدول الناقلة والفواعل غير الدول، ناهيك عن الدول التي تساهم بتسهيل مرور هذه الأسلحة كسوريا مثلاً.
ينوه الكاتب إلى أن استخدام الأسلحة النووية ضد الفواعل غير الدول قد ينظر العالم إليه وكأنه مبالغة في القتل، ويمكن أن يزيد التأكيد على اهتمام مصدر الأسلحة النووية بالتسبب في المزيد من المشاكل "لإسرائيل".
يرى الكاتب فارلي بأن فكرة هزيمة إسرائيل بحرب تقليدية تبدو سخيفة في الوقت الحالي، إلا أن جوهر البرنامج النووي "الإسرائيلي" يعتمد على احتمال امتلاك الدول العربية قوة عسكرية فائقة يمكن استخدامها لإلحاق الهزيمة "بإسرائيل" وتهديد وجودها. وهو ما كاد أن يحدث في حرب أكتوبر عام 1973، حيث استولى الجيش المصري على قناة السويس وتقدم الجيش العربي السوري إلى مرتفعات الجولان. ولا تزال الروايات حول مدى جدية مناقشة "إسرائيل" استخدام الأسلحة النووية خلال تلك الحرب غامضة، ولكن لا شك في أن "إسرائيل" قد تفكر في استخدام أقوى أسلحتها إذا كان التوازن التقليدي قد خرج بشكل حاسم من صالحها.
يجيب الكاتب: يمكننا أن نتخيل بعض السيناريوهات، التي ينطوي معظمها على زيادة العداء بين "إسرائيل" وجيرانها الأكثر تسامحاً. ثورة أخرى في مصر يمكن بسهولة إعادة كتابة المعادلة الأمنية على الحدود الجنوبية "لإسرائيل". في حين أن الصداقة السعودية تبدو آمنة، فإن عدم الاستقرار السياسي قد يغير ذلك؛ حتى السياسة التركية قد تتحول في اتجاه سلبي. تتمتع إسرائيل حالياً بتفوق عسكري تقليدي هائل، ولكن هذا التفوق يعتمد إلى حد ما على بيئة استراتيجية إقليمية مواتية. وقد تؤدي التحولات السياسية إلى عزل "إسرائيل" دبلوماسياً، وعرضة للهجوم التقليدي مرة أخرى. وفي مثل هذه الحالة، ستظل الأسلحة النووية جزءاً من مجموعة الأدوات التي تكفل بقاءها.
يخلص الكاتب إلى أنه من غير المرجح، ولكنه من غير المستحيل، أن تقرر "إسرائيل" أن تبدأ حربها باستخدام الأسلحة النووية في أي صراع مستقبلي. وأفضل طريقة لمنع حدوث ذلك هو الحد من الأسباب التي يمكن أن تدفعها في هذا الاتجاه وأهمها منع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة. وإذا استخدمت "إسرائيل" الأسلحة النووية في حالة الغضب، فإنها يمكن أن تعيد تشكيل الخريطة الدبلوماسية والأمنية في الشرق الأوسط، وكذلك خريطة منع الانتشار النووي في العالم بأسره.