الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كيري رايح جاي

مقال رئيس مجلس الإدارة

2014-01-08 00:00:00
كيري رايح جاي
صورة ارشيفية

سامي سرحان

غادر السيد جون كيري المنطقة الأحد، على أن يعود إليها الأسبوع المقبل، لمواصلة جهوده مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي للتوصل إلى اتفاق إطار يرسم الخطوط العريضة للحل النهائي للصراع الصفري الممتد عقوداً بين طرفي الصراع. سجل كيري أكثر من عشر زيارات وأكثر من عشرين لقاءاً مع الجانبين وصرف مئات الساعات معهما لتحديد نقاط ما يمكن أن يسميه اتفاق إطار عادل ومتوازن.

جهود كيري وتصريحاته وهو في طريقه إلى السعودية ليطلع المسؤولين فيها على إنجازاته في رام الله وتل أبيب توحي بأننا على عتبة اتفاق، كما توحي بذلك لقاءاته المطولة والمغلقة والمنفردة مع كل من الرئيس أبو مازن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو. لكن ما يرافق ذلك من تصريحات علنية من طرفي الصراع لا توحي ولا تظهر ولا تقول بأننا قريبون من الوصول إلى الهدف المنشود باتفاق نهائي عادل ومتوازن ينهي النزاع. 

إن أساس أي اتفاق هو المصلحة، وليس الرحمة أو الشفقة أو المبادئ الإنسانية والأخلاقية. وللفلسطينيين مصلحة في التوصل إلى اتفاق نهائي عادل يؤمن حقوقهم المشروعة في دولة مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة عاصمتها القدس الشرقية، ويحفظ حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وتعويضهم لأن قضية اللاجئين قضية متجددة ومتفجرة لا يصمد أمامها أي اتفاق ولا يكتب له الديمومة بدون حلها.
والمسار السياسي للقيادة الفلسطينية يظهر أنها تدرك المصلحة الفلسطينية في التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن مع الجانب الإسرائيلي فأقدمت على تسويات تاريخية واعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل إلى جانب دولة فلسطين وبالقدس مدينة موحدة عاصمة للدولتين؛ الشرقية المحتلة عام 1967 وضواحيها عاصمة لفلسطين والغربية عاصمة لإسرائيل وخطوط 4 حزيران 1967 الحدود الفاصلة بين الدولتين. 

وإلى اليوم لا نجد في إسرائيل عقلاء يفكرون في مصلحة إسرائيل المستقبلية، “فاليهود الذين ضاعوا في كل الدنيا وتاهوا وتشتتوا قد فرضوا كل ذلك على الشعب الفلسطيني” كما يقول الصحفي دونالديف. ونحن نرى مع كل حكومة إسرائيلية جديدة يزداد التطرف والصلف والعنصرية تجاه الشعب الفلسطيني، وبات أمراً طبيعياً أن يقود سياسة إسرائيل رجل مثل ليبرمان وآخر من البيت اليهودي يتكئ عليهما نتنياهو الأكثر يمينية من كليهما. ولم يصدم نتنياهو بواقع يفرض عليه اختيار السلام فلن يتقدم خطوة واحدة نحوه.

كيري يوافق نتنياهو على يهودية إسرائيل وهو بذلك يخرج عن إطار العدالة لأنه يسقط عودة اللاجئين إلى ديارهم. كما يوافق نتنياهو على قدس موحدة دون ترسيم حدود القدس الشرقية المفترض بها أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية. ويوافق على وجود أمني في الأغوار رغم اعتراف مئير داغان رئيس الموساد السابق بعدم أهمية الأغوار الأمنية لإسرائيل وأهميتها القصوى لدولة فلسطين كسلة غذائية لا بديل لها.

هل من مصلحة إسرائيل أن تصادم إلى الأبد 5 مليون فلسطيني في فلسطين التاريخية وخلفهم مثلهم في الشتات وخلف هؤلاء جميعاً العالم العربي رغم ما يبدو عليه من إنهاك وتفكك وضعف. ليس من عاقل يقول أن لها مصلحة في ذلك. ويبدو أن إسرائيل توصلت إلى خلاصة مفادها أن القضية الفلسطينية باتت يتيمة ولم تعد أحد محركات السياسة العربية وإنها لن تكون كذلك في المستقبل المنظور، وبالتالي لا عجلة مع عقد سلام مع الفلسطينيين حتى يظهر شريك فلسطيني مقبول لدى نتنياهو يتنازل عن القدس وحق اللاجئين في العودة والأغوار والأمن.

لقد أعمى الغرور والصلف الحاكمين في إسرائيل وقطاع واسع من المستوطنين والإسرائيليين الآخرين، فدفعهم إلى التلهي بالمفاوضات وفي كيري وفي ترسيخ وجودهم الاستيطاني في الجزء الصغير المتاح أمام الشعب الفلسطيني لإقامة دولته المستقبلية. 

لقد أوجدت القيادة الفلسطينية نقاط التقاء كثيرة مع حكام إسرائيل واختارت المفاوضات سبيلاً للوصول إلى حل نهائي، وكلما بدت بوادر اتفاق تلوح في الأفق جنحت إسرائيل إلى التطرف وإلى مزيد من التطرف حتى بات متطرف مثل بينيت من البيت اليهودي يُملي على كيري الحل العادل والمتوازن.

وطالما ليبرمان وبينيت هما المفاوضين لكيري فلا أمل في اتفاق إطار ولا أمل في الوصول إلى حل نهائي حتى نهاية نيسان أو العام القادم. وقرار القيادة الفلسطينية حتى اليوم في مواصلة المفاوضات هو قرار ونابع من إدراك أن السلوك الإسرائيلي هو من سيفجر المفاوضات ويُفشل جهود كيري. 

أملنا أن يكون العام 2014 هو عام سلام يرفع الظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني وينهي الاحتلال. وأملنا أن تنجح جهود كيري في الوصول إلى السلام، ولكن فشل جهود كيري ليست نهاية التاريخ