مر قرابة العام على المشهد الكرنفالي في مخيم الشاطئ الذي علق عليه أبناء الوطن الغيورون آمالا كبيرة باعتباره اتفاقاً للوفاق الوطني حضره تصفيقاً وتهليلاً ممثلون عن جميع القبائل السياسية الفلسطينية.
لكن مسيرة الوفاق المتعثرة أثبتت أننا نعيش حالة نفاقٍ - لا وفاقٍ - وطني. هناك حالة من الانفصام السياسي المشبع بحالة لا مسؤولية تحاكي العبث. الحقيقة هي أننا، المواطنون، لا زلنا ندفع فاتورة الخطيئة الفلسطينية الكبرى بعد أن أتحنا الفرصة لقبائلنا المتناحرة أن تكفر عن خطاياها عن طريق الوفاق فما كان من تلك القبائل إلا أن أغرقتنا في دهاليز النفاق الذي ضاعت معه المصالحة ومعها، أي رؤية واضحة لِغَدٍ بات الآن غير مضمون المعالم!
من ناحية، تجتهد حركة حماس ومن يسخر طاقاته لتسويق آرائها، في مهاجمة حكومة ما سمي بالتوافق الوطني فضلا عن حركة فتح والرئيس محمود عباس. ويرتكز الهجوم الحمساوي على مراكمة الادعاءات والاتهامات الخطيرة التي تشمل التخوين بحيث يصبح الرئيس والحكومة التي وافقت على تشكيلتها حماس متهمين بالحصار الاسرائيلي وعرقلة جهود إعادة الإعمار وحالات الاعتداءات المتكررة التي يرتكبها معلومون، تصر حماس على وصفهم بالمجهولين. وتشن حماس الغارات الإعلامية والسياسية تلك في انفصام عن الواقع والحقائق التي تشمل موافقة حماس على تشكيلة الحكومة وتعهدها بتسليم معابر قطاع غزة لقوات الأمن والجهات المختصة خلال ثلاثة أشهر من اتفاق الشاطئ الكرنفالي آنف الذكر، فضلاً عن موافقة حماس على ما اصطلح على وصفها "آلية إعادة الإعمار" الدولية والتي تشترط وجود وسيطرة أجهزة الدولة على قطاع غزة وخاصة المعابر لتمكين عملية الإعمار.
وفي ظل هذا الصخب والغارات الإعلامية المتتالية والاستراتيجية، من حقنا – نحن المواطنون – أن نتساءل أين هي "حكومة الوفاق"؟ الجواب بسيط – هذه حكومة "شاهد ما شافش حاجة"، حكومة تعمل بمنطق "الحق على الطليان" وتصر على إنكار المسؤولية الوطنية الكبيرة المناطة بها. ولا شك أن حكومتنا تواجه تحديات كبيرة لا يقوى على حملها سوى الكل الوطني، خاصة فيما يتعلق بالقرصنة الإسرائيلية على عائدات الضرائب واخفاق معظم إخواننا العرب المتجدد في الالتزام بما تعهدوا بتوفيره من شبكة أمان مالية. لكن فيما يتعلق بالشأن الداخلي وأمام الإخفاقات الناتجة عن الجكر السياسي و/أو استمرار حالة النفاق الوطني، فإن حكومتنا العتيدة تعمل في ظل انعدام تام للرؤية وإصرار على إنكار الواقع ومرارة تفاصيله وتمنع على التواصل مع الرأي العام مقابل الانتصارات اللغوية والبلاغة الانشائية التي تملأ الصفحات الواقعية والافتراضية فضلا عن الأثير والشاشات الرسمية. مقابل واقع بائس وفي تدهور مستمر في قطاع غزة، تكتفي حكومتنا بمراقبة الأحداث والتعليق عليها – وإن كان بشكل نادر وشحيح – بصيغة أقرب للتحليل، في إصرار واضح على نهج "شاهد ما شافش حاجة" ومنطق "الحق على الطليان".
وقد تمرست حماس في تعزيز الصور المشوهة للآخر الفلسطيني وتجاهل الواقع لصالح صورة تنسجها البيانات الصحفية واللقاءات والحملات الاعلامية. والحق أن حماس أثبتت أنها ذات فعالية عالية في مثل هذه الحملات الهجومية، خاصة وأنها تعول على آخر فلسطيني مصابٍ بغرور غير مبرر يعمق حالة العزلة وانعدام الصِّلة بالنسبة للرأي العام.
آخر تجليات هذا الحالة المتردية التي نعيش ومساهمتها في عرقلة إعادة الإعمار هو تصريح للقيادي البارز في حماس، السيد موسى أبو مرزوق، هاجم فيه القيادي في الجبهة الشعبية جميل المجدلاوي بعد أن طالب حماس باحترام التزامها والانسحاب من المعابر الحدودية لأن استمرار استحواذها على المعابر يكلف الشعب الفلسطيني ما لا يستطيع تحمله ويعرقل جهود الإعمار. رد السيد أبو مرزوق غاضباً ومتهكماً واعتبر أن السيد المجدلاوي يطالب عناصر حماس بالانضمام إلى زوجاتهم في أعمال "جلي الصحون وتنظيف المنزل" كاشفاً بعباراته عقليةً ذكوريةً متحجرةً تتعامل مع المرأة بدونية، فضلاً على سياسة الحركة القائمة على انكار الالتزامات المتعلقة باتفاق الشاطئ وشروط إعادة الإعمار. أما حكومتنا فلم تنطق بكلمة حول الموضوع ولا حتى من باب التعليق والتحليل الهزلي وبهذا استمرت في التربع على عرش اللا-صلة! ولم نسمع من وزير الداخلية أيضاً أي تعليق، رغم أنه مسؤول عن العناصر المتواجدة على المعابر ولو نظرياً. لم نسمع أن الوزير – وللتذكير هو ذاته رئيس الوزراء – أصدر تعليمات من أي نوع لعناصر حماس الذين يسيطرون على الداخلية في غزة ولو من باب التجريب أو تسجيل المواقف!
منذ أن تشكلت هذه الحكومة ونحن نسمع ذات اللحن البكائي حول العراقيل والمشاكل التي تواجهها الحكومة والحاجة إلى إرادة سياسية لتمكين الحكومة من العمل. نظرياً، هذا مطلب شرعي ولا غبار عليه لو امتلكت الحكومة رؤية واضحة حول كيفية القيام بواجباتها ولو أنها كلفت نفسها عناء التواصل مع المواطن الفلسطيني حول تلك الرؤية التي تحقق مصلحته وتبيان من يعرقلها وكيف. نظرياً، يمكن استساغة اللحن البكائي لو رأينا أن الحكومة – مثلاً – قررت نقل مركز عملها لمدة شهر إلى قطاع غزة وواجهت منعاً أو عرقلة أو تهديداً من عناصر حماس المسلحين (المعرفون منهم والمتنكرون – الظاهرون منهم والمجهولون). لكن هذا لم يحدث حتى الآن ولا يبدو أن للحكومة نيةً في بذل أي جهدٍ في هذا الاتجاه. وبهذا، يكون الاستنتاج أن الأطراف والقبائل السياسية الفلسطينية مرتاحة لحالة النفاق الوطني العبثية هذه. وعليه، آن الأوان أن نسأل، نحن المواطنون المعنيون بالدرجة الأولى بوضوح الرؤية ومستقبل معلوم الملامح، حالة النفاق الوطني هذه إلى متى؟!