قليلا ما قرأت مقالة سياسية تنشر في صحافتنا المحلية تحظى برد أو عدة ردود عليها، فيما هو حوار فكري وسياسي ينتج خلاصات تصلح لترشيد أدائنا الوطني من كل الجوانب سواء كان أداءً رسميا أو غير ذلك.
وآخر ما قرأت وآمل أن يكون محتواه مجال حوار مفتوح، مقالة للصديق المحامي زياد أبو زياد تحت عنوان "هل استنفذت حكومة الدكتور اشتية مبررات وجودها؟"
المقالة تضمنت عرضا موضوعيا مسنودا بالوقائع لما كان مأمولا من حكومة الدكتور اشتية، إلا أن معظمه إن لم يكن جميعه لم يتحقق، وهكذا تقوم عادة الحكومات وقد اصطلح على منح أي حكومة جديدة مهلة مائة يوم لكي يظهر ما إذا كانت قطعت شوطا ملموسا نحو ما وعدت، ولكن عندنا في فلسطين جعلنا المائة يوم الأولى مجرد استقبال للتهاني ونثر الوعود، وحتى مائة أسبوع لا تكفي لوضع علامة دقيقة تشير إلى النجاح أو الفشل، لأنه يوجد في فلسطين معادلة لا يوجد مثلها في أي مكان آخر وهي أن الحكومة عندنا تضع الأسئلة لنفسها وتضع الأجوبة بنفسها وتضع العلامة التي تناسبها، ولا ترضى أي حكومة والحالة هذه بأن تضع لنفسها أقل من مائة بالمائة كنسبة نجاح.
وإذا ما سئلت أي حكومة، ما دمت ناجحة إلى هذا الحد فلماذا يعاني البلد والناس ما يعانون من أزمات كلها من النوع الذي لا حل له فيشهرون تلك الحجة المكررة دائما في تفسير الفشل… "إنه الاحتلال".
وأحيانا يقال إن الناس لا ينضبطون، إذا نحن أمام تبرير للفشل وليس أمام إشارات واضحة نحو الخروج منه ومع تفهمي وموافقتي على التشخيص الذي تضمنته مقالة المحامي زياد أبو زياد، إلا أنني فوجئت بضعف المخرج الذي ساقه كوصفة لحل الأزمات التي تطال كل مرافق الوطن والمجتمع... "تغيير أشخاص وتعديل وزاري مع إشارة مواربة وضبابية ومختصرة وحتى خجولة نحو الحل الفعال الذي هو إعادة إنتاج المؤسسات الوطنية بصورة صحيحة وأولها المجلس التشريعي الذي أعاقته إسرائيل عمليا وألغته السلطة رسميا، كما لم تتم الإشارة للانتخابات العامة كما لو أنها رجس من عمل الشيطان فليجتنب، مع أن معظم الكيانات والمجتمعات لم تجد حتى الآن مخرجا من أزمات نظامها السياسي سوى الانتخابات، وإذا كنا في فلسطين تحت احتلال واحد وغاشم فإن الكيانات التي أجرت أو تعتزم إجراء انتخابات واقعة تحت أكثر من احتلال وتخوض شعوبها أكثر من حرب على أكثر من جبهة.
إن الامتناع عن الانتخابات العامة هو امتناع عن وجود ودور مؤسسة مركزية تضع القوانين وتراقب تنفيذها وتسائل المقصرين في أداء المهام التي كلفوا بها، إن لم يفعل ذلك مؤسسة مركزية ينتخبها الشعب فمن يفعل؟؟
لا أوافق على وضع اللوم كله على حكومة اشتية مع أنها ملامة كثيرا فهي مجرد مكون جزئي من مكونات الحياة السياسية الفلسطينية والنظام السياسي الفلسطيني، فإذا ما أردنا معالجة حقيقية وفعالة فلنعد كل مؤسساتنا الوطنية إلى الحياة والعمل وإذا كانت إسرائيل تضع العراقيل فلتكن انتخاباتنا الوطنية مادة معركة معها بعيدا عن ربط كل شيء بموافقتها أو منعها.
أخيرا أقول إن تغيير الأشخاص مهما كانت مراتبهم ومواقعهم وتغيير الوزراء، ربما يأتي بمن هم أكثر سوءا من الذين يقترح تغييرهم، ففي غياب المؤسسة المنتخبة التي تمتلك شرعية القرار والمتابعة والمساءلة، فسيظل البلد وأهله مجرد حقل تجارب محصلته إما المراوحة في المكان أو البقاء في دائرة التراجعات والانهيارات والفشل.