لم يكن الاتفاق الإسرائيلي-الإماراتي برعاية أمريكية حول التطبيع بين البلدين وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة والتعاون في المجالات الأمنية والاقتصادية والتجارية والسياحية وفي مجال الطيران والطاقة والمياه مفاجأة للمتابع للغزل الإماراتي-الإسرائيلي الممتد على أكثر من عقد من الزمان.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا ذهبت الإمارات إلى هذه الخطوة وماذا يتهدد الإمارات والأسرة الحاكمة فيها من أخطار حتى تعقد معاهدة سلام مع إسرائيل؟ وهل يبعد هذا الاتفاق مع إسرائيل الأخطار عن الإمارات أم يُدنيها من بلد يتمتع باستقرار هش في منطقة مضطربة وثراء محسود ولكنه مهدد بالزوال؟ وهل تخدم الإمارات بهذه الخطوة الأقصى والقدس والقضية الفلسطينية كما ادعى محمد بن زايد وقرقاشة؟ وهل حقا تستدعي خطوة محمد بن زايد وقرقاشة هذا الاهتمام من البيت الأبيض وتل أبيب وأبو ظبي طالما يعرف المواطن العربي أن العرب بأنظمتهم الإثنين والعشرين لم ينتزعوا أي حق من حقوق الشعب الفلسطيني بل لم يتركوا الشعب الفلسطيني أن يتدبر أمر نفسه بنفسه وحاولوا حصاره وكسر إرادته وتآمروا على قضيته منذ مئة عام وحتى اليوم وغدا، واخترقت الأنظمة العربية كل المحرمات حفاظاً على كراسي حكامها مضحية بفلسطين وشعب فلسطين وطموحات الشعوب العربية في التحرر من التبعية والاستعمار.
وكما يكلل العار الأنظمة العربية مجتمعة لخيانتها القضية الفلسطينية، فإن العار اليوم على أبناء الشيخ زايد أن يخونوا الأقصى والقدس والقضية الفلسطينية والموقف العربي والشرعية الدولية، ولكن المثل العربي قول "جمل خلف بقرة" هكذا حال الشيخ زايد مع أبنائه محمد وعبد الله. أبناء الشيخ زايد يكذوبون ويكذبهم بنيامين نتنياهو بعد دقائق من وضع سماعة التلفون مع محمد وترامب، عندما يقولون إن الاتفاق يوقف عملية الضم الإسرائيلي لأجزائ من الضفة الغربية محاولين التستر على خيانتهم، فقال لهم نتنياهو صراحة لا علاقة بين الضم والاتفاقية مع الإمارات وقد طلب الرئيس ترامب التريث في عملية الضم لبعض الوقت ولم يتم شطب ذلك من جدول أعمالي ولم أوافق على إزالة الضم ولن أتنازل عن حقنا في أرض إسرائيل. ولم أوافق على إزالة السيادة على الضفة الغربية من جدول أعمالي.
نتنياهو قال نعقد مع الدول العربية سلاماً مقابل السلام، مسقطاً بذلك بند الأرض مقابل السلام الذي قامت عليه مبادرة السلام العربية وحل الدولتين مقابل التطبيع وإقامة العلاقات مع الدول العربية والإسلامية. لكن نتنياهو لم يبخل في مديح محمد بن زايد وإنجازاته في مجال القضاء والأبراج وناطحات السحاب والمستقبل الزاهر الذي ينتظر المنطقة من تعاون إسرائيل والإمارات. كلام هراء أطلقه نتنياهو وهو يضحك في قرارة نفسه من أعراب الخليج الذين "يطلبون الدبس من النمس".
لم يستطع محمد بن زايد وقرقاشة تجميل الخيانة للقدس والأقصى بالإعلان أن المسلمين بإماكنهم ركوب الطائرات مباشرة من الإمارات إلى إسرائيل للصلاة في الأقصى وزيارة القدس، فمن من المسلمين يريد تبرير خيانة محمد بن زايد وقرقاشة على حساب دينه وعقيدته ويأتي ليصلي في الأقصى.
الإمارات أبعد ما تكون عن مشاكل المنطقة ولكنها تبحث عن جلب المصائب لنفسها فتحاول تفكيك اليمن العصي على كل غاز، واستعداء إيران وتركيا وسوريا والعراق وليبيا والسودان والصومال وقطر وفلسطين. ولا ندري لمصلحة من تقوم الإمارات بذلك وهي دولة أوهن من بيت العنكبوت. ولكن الاتفاق الذي توصلت إليه مع إسرائيل يعطي جواباً على التساؤل المطروح أنها تعمل لمصلحة إسرائيل والولايات المتحدة. فهل ستوفر لها إسرائيل وأمريكا الأمن والاستقرار في حال اشتبكت دويلة الإمارات مع أي من الدول التي تعاديها؟
لقد جانبت الإمارات الصواب في اتخاذها قرار التطبيع مع إسرائيل وستكون الخاسرة من هذا الاتفاق لأن إسرائيل بالكاذ تستطيع تأمين أمنها وأي تعاون أمني للإمارات مع إسرائيل سيجلب للإمارات مخاطر لم تحسب لها أي حساب الآن.
لكن ما تشي به تصريحات دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو عقب إعلان الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي ربما هي التي توفر الطمأنينة النسبية لأبناء الشيخ زايد. فقد أعلن ترامب ونتنياهو أن دولاً عربية وإسلامية عدة ستحذو حذو الإمارات قريباً وتقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل.
وما يؤسف له أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان أول المرحبين بالخطوة الإماراتية ووصفها بالتاريخية وقد جانبه الصواب في ذلك ولا يبرر له توقيع أنور السادات اتفاق كامت ديفيد مع الكيان الإسرائيلي الترحيب بالاتفاق الإسرائيلي-الإماراتي رغم ما تقدمه الإمارات من دعم مادي لمصر وستظل لعنة كامب ديفيد تلاحق السادات إلى يوم القيامة وتلاحقة كل من يسير على خطاه طالما شعب مصر الأبي يرفض التطبيع مع إسرائيل وقد مر أكثر من 40 عاماً على اتفاقية كامب ديفيد.
وهنا لا بد من الإشارة إلى الموقف الفلسطيني الصلب من رفض الخطوة الإماراتية ووصفها بالخيانة وهو تعبير قلما تستخدمه منظمة التحرير الفلسطينية في علاقتها مع الأشقاء العرب ولكن ما أقدمت عليه الإمارات هو فعلاً خيانة للأقصى والقدس والقضية الفلسطينية.
وفي ظل الموقف المصري والعربي المتخاذل نعتقد أن أي بيان للجامعة العربية يؤكد التمسك بمبادرة السلام العربية والشرعية الدولية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني لا يعدو أن يكون حبراً على ورق فكم مرة أكدت الأنظمة العربية في بياناتها المشتركة ومناسباتها القوية على هذه الحقوق وهي في الوقت نفسه تسعى إلى التطبيع مع إسرائيل وحصار الشعب الفلسطيني سياسيا ومالياً ونضاليا، ولا نعتقد أن الجامعة العربية وأمينها العام قادر على التنديد بالخطوة الإماراتية واستقالة الأمين العام تكون واجبة كما صرح بذلك د. صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
لكن الحقيقة الأهم من كل ما يجري سواء على صعيد ضم القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل أو ضم المستوطنات والأغوار وأجزاء أخرى من الضفة وفصلها عن قطاع غزة الحقيقة الأهم هي تمسك الشعب الفلسطيني بحقوقه الوطنية المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ودحر الاحتلال الإسرائيلي عن الأرض الفلسطينية وإزالة المستوطنات وحق العودة، ولن تستطيع إسرائيل والولايات المتحدة حتى لو طبعت العلاقات مع كل الدول العربية والإسلامية أن تلغي حق الشعب الفلسطيني في وطنه التاريخي فلسطين وأن 14 مليون فلسطيني قادرون على انتزاع حقوقهم التاريخية والطبيعية والقانونية وتقرير مصيرهم بأنفسهم والعيش في دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس أسوة بباقي شعوب الأرض.