مع اللحظة الأولى لإعلان مباشرة العلاقات (الطبيعية) بين سلطات الإحتلال الإسرائيلي والسلطات الإماراتية، شعرتُ بهدوءٍ عميق، ذلك أنني لم أتفاجأ على الإطلاق من فكرة التقارب الإسرائيلي – الإماراتي، فالغزل الخليجي لإسرائيل يأخذ منحنى تصاعدي خلال السنوات القليلة الماضية، ولعلّ الخطوات التحضيرية لمثل هذا الاتفاق كانت متتالية ومتراكمة إلى حدّ كبير، فزيارة ميري ريغيف (وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلية) إلى الإمارات نهاية تشرين الأول من العام 2018 بدعوة رسمية، شكّلت مؤشراً واضحاً للتوجهات الإماراتية في هذا الشأن، بإشراف كامل من رئيس الموساد الإسرائيلي (الذي يقدّمه نتنياهو خليفة له)، وقامت ميري ريغيف أيضاً بزيارة سلطنة عُمان بعد أن أعلن رئيس الموساد عودة العلاقات الإسرائيلية – العُمانية إلى سابق عهدها قبل أن تقطعها سلطنة عُمان إبّان الإنتفاضة الثانية عام 2000، وقد عبّرت وزيرة الثقافة والرياضة الاسائيلية عن رغبتها بالتعبير عن "رسالة الأخوة والسلام الممكنة بين المسلمين واليهود" وذلك في رحاب مسجد الشيخ زايد بن سلطان قبل أن تخلع حذاءها وترتدي الزي الإماراتي وتغطي شعرها وتوقّع على سجّل الزوّار باللغة العبرية.
تبع ذلك بكلّ أسف دعوة إسرائيل للمشاركة في إكسبو دبي 2020، وتخصيص جناح مميّز لها، ولولا جائحة كورونا لشهدنا بعد أقل من شهرين افتتاح المعرض، كيف سيكون الأمر؟ وخاصة أن وزارة الثقافة الإماراتية كانت تسعى لعقد مؤتمر للوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في العالم العربي على هامش المعرض، إلا أن تأجيل المعرض للعام القادم قد يغيّر من المشهد ليبدو أكثر قسوة.
وتوالت بعد ذلك الخطوات التحضيرية على المستوى الثقافي لتهيئة الرأي العام لتقبّل فكرة تطبيع العلاقات بين معظم دول الخليج واسرائيل، وكان أبرزها افتتاح مهرجان سينما المرأة الإسرائيلي في القدس بفيلم "المرشّحة المثالية" للمخرجة السعودية هيفاء المنصور بتراريخ 16-19 كانون أول من العام 2019، وفي بداية العام الحالي (2020) قامت اسرائيل بعرض أفلام عربية لستة دول في مهرجان سينمائي في القدس بعنوان "سينما الشرق الأوسط"، ومن ثم كان هناك عرض لمسلسلات عربية على شاشة الـ (MBC) السّعودية وبإنتاجٍ منها تتناول العلاقة مع اليهود بما يقدّم اسرائيل بشكل جديد يتقبّله المشاهد العربي.
فالتطبيع عملية مستمرة متفاعلة، لن تهدأ حتى الوصول إلى أهدافها، وبكل تأكيد ستأتي ضمن سياقات مختلفة أخطرها السياق الثقافي والاجتماعي، ولعلّ النافذة الرئيسية التي تحاول اسرائيل الدّخول عبرها إلى عالمنا العربي والإسلامي هي نافذة الثقافة بكل أشكالها لكسر الرّفض الاجتماعي العربي والاسلامي ولترسيخ فكرة التطبيع كنهج وأداة.
أمام كلّ ذلك، سنشهد إنعكاساتٍ خطيرة على أداء المنظمات العربية والإسلامية، وستصبح منقسمة على نفسها، إذ أن غالبية هذه المنظمات تتلقى مخصصاتها بشكل أساسي من دول الخليج، ما يجعل هذه المنظمات تابعة ومنحازة لتوجهات الدول الخليجية المهيمنة بفعل قدراتها المالية.