تقول الأسطورة الأسكتلندية، إن نجارا كان يعيش في قرية كنتال على شاطئ أسكتلندا الغربي، أراد أن يصنع سفينة لتحمله إلى الطرف الآخر من "بحر الظلمات"، أو البحر المظلم، أو البحر الأخضر، أو بحر أوقيانوس، وكلها أسماء تشير إلى المحيط الأطلسي الذي ظل الناس لآلاف من السنين يعتقدون أنه نهاية العالم وأن الشمس تغطس فيه كل يوم!. وبعد أشهر من العمل المتواصل، احتاج الرجل لوحا خشبيا من أشجار الصنوبر لإنهاء عمله، ولما تعذر الحصول عليه في تلك القرية الصغيرة، اضطر صاحبنا للذهاب إلى تلك الغابة البعيدة عن قريته.
ومع بزوغ فجر ذاك اليوم، بدأ النجار في البحث عن مطلبه في الغابة حتى صار في وسطها، إلا أنه ومع حلول المساء، أيقن الرجل أنه قد ضلً طريقه بين الأشجار. وما أن أدرك الليل صاحبنا حتى بدأ الخوف ينتابه، وبدأ المسكين بالبحث عن مكان يختبئ فيه من وحشة الليل وأصوات الحيوانات المفترسة، حتى رأى من بعيد ضوءا خافتا سرعان ما بدأ يركض نحوه، حتى وصل إلى كوخ وسط الغابة بعد أن نال الجوع والتعب والخوف منه. وبدأ الرجل يطرق باب الكوخ عندما خرجت منه سيدة عجوز شمطاء، وعلى الفور بدأ صاحبنا يخبرها بقصته! علما بأنها لم تسأله عن أمره!. كما أنها وافقت دون تردد بأن يبيت الرجل في كوخها الصغير دون أن تسأله عن أجر أو مقابل!. وبعد أن قدمت العجوز له الطعام، قامت لتدله على غرفته لينام. وإذا باثنتين من العجائز الشمطاوات كانتا جالستين في الغرفة تتحدثان وتضحكان!. سرعان ما تركتا الغرفة للضيف بعد أن أشارت العجوز الأولى لهما بالانصراف.
وبدأ القلق والخوف والتفكير يراود صاحبنا، وجلس الرجل على السرير لكي يرتاح قليلا، ولينفذ بعدها خطته في الهروب من هذا الكوخ، وما لبث المسكين حتى غط بالنوم العميق. واستفاق الرجل ليلا على أصوت كانت تأتي من غرفة العجائز الثلاثة مما جعله يتقدم لينظر بحذر شديد إلى ما يجري في تلك الغرفة. ورأى الرجل العجائز الثلاثة يقفن أمام صندوق خشبي قديم وقد أخرجن منه 3 طواق حمراء. وما إن وضعت العجوز الأولى طاقية فوق شعرها ورفعت يدها اليمنى، حتى قالت:-
إلى لندن!... وعلى الفور اختفت العجوز من الغرفة! وجاءت العجوز الثانية، التي ما إن لبست طاقيتها الحمراء ورفعت يدها اليمنى وصاحت:- إلى لندن! حتى اختفت هي أيضا.
وتكرر المشهد مع العجوز الثالثة!. وأصبح الكوخ فارغا إلا من صاحبنا الذي وقف مشدوها لا يدري ماذا يفعل. وعلى غير وعي منه، فتح الرجل الصندوق الخشبي ليجد طاقية حمراء سرعان ما وضعها على رأسه وهو يقول:- إلى لندن!
وما إن فتح صاحبنا عينيه حتى وجد نفسه في إحدى بارات لندن! وقد جلست العجائز على إحدى الطاولات يحتسين الويسكي، وهن يُشرن إليه بالجلوس معهن. وتقدم الرجل وجلس مع العجائز اللواتي لم يسألنه أو يعاتبنه بشئ. ومع بزوغ فجر اليوم التالي، وقبل أن يُحضرَ النادل الحساب، وقفت العجائز، بعد أن وضعن على رؤوسهن الطواقي الحمراء، ورفعن أيديهن اليسرى وهن يصرخن وسط ذهول النجار:-
إلى غابة كنتال!.
وبلمح البصر، اختفت العجائز من المكان ووصلن إلى كنتال بسلام وأمان. وفي تلك اللحظات كان النادل قد وصل ووقف يسأل صاحبنا الذي لم يكن يحمل أي مال، عن فاتورة الحساب. وسيق المسكين إلى شرطة لندن، التي استمعت إلى قصته وقررت إرساله إلى المحكمة بتهمة "الشعوذة والدجل" بعد أن سمعوا روايته. وتم الحكم على الرجل بالإعدام شنقا حسب القوانين التي كانت سائدة في تلك الأيام.
وجاء يوم الإعدام، وسُئل الرجل من على المشنقة، عن آخر ما يتمناه الإنسان. وهَمً المسكين بقول كلمة "لا"!
إلا أنه فجأة ودون تردد قال:- نعم! أريد أن أضع على رأسي وأنا أموت طاقيتي الحمراء التي نسيتها في جيبي. ولم يجد القاضي من سبب لرفض هذا الطلب. وما إن تناول الرجل طاقيته ووضعها فوق رأسه بعد أن رفع يده اليسرى حتى صاح بأعلى صوته:-
إلى قرية كنتال!
وبلمح البصر، ظهر الرجل أمام دكانه في "كنتال"، واقفا فوق لوح خشبة المشنقة وحبال الشنق تتدلى أسفل رقبته. وفجأة علت على وجه صاحبنا الابتسامة بعد أن رأى خشبة الإعدام التي وصلت معه إلى كنتال، إذ أن لوح الخشب هذا، كان هو اللوح المطلوب لإتمام بناء سفينة الأحلام.
ترى وبعد أن وقفت قضيتنا منذ سنوات على خشبة الإعدام، وبعد أن ظل حبل المشنقة يلف حول أعناقنا منذ توقيع اتفاقيات السلام، هل سننجو مما هو قادم إن لبسنا طاقيتنا الحمراء وصحنا بأعلى أصواتنا:-
إلى منظمة التحرير يا شباب؟
أم أننا نسينا عندما ذهبنا إلى "أوسلو"، أن نضع في جيبنا "طاقيتنا الحمراء"؟