السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

دردشة في كتاب

"اختــراع الشــعب اليــهودي" - شلومو ساند

2015-02-26 09:44:26 AM
دردشة في كتاب
صورة ارشيفية

الحدث- نبهان خريشة

خلافاً للمؤرخين الإسرائيليين الجدد الذين انحصرت أبحاثهم في عام 1948 وما تلاه، يغطي أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب شلومو ساند في كتابه هذا كامل التاريخ اليهودي ليس كأحداث متراكمة، بل كعرض نقدي للخطاب التاريخي اليهودي بمختلف مراحله وتياراته.

ويطرح ساند سلسلة من الأسئلة المحرّمة في إسرائيل التي تطال الأسس الرئيسة لبناء الرواية الصهيونية واليهودية عامة للتاريخ، ومن هذه الأسئلة: هل يمكن الحديث عن "شعب" يهودي وجد واستمر آلاف السنين بينما زالت الكثير من الشعوب الأخرى من الوجود؟ كيف ولماذا أصبحت التوراة كتاب تاريخ يروي نشوء "أمة" علماً بأنه لا أحد يعرف بدقة متى كتب؟ وهل هاجر اليهود فعلاً من مصر؟ وهل وجدوا أصلاً فيها ليهاجروا منها؟ هل تمّ فعلاً نفي سكان "مملكة يهودا" بعد تدمير الهيكل أم أن ذلك لا يعدو كونه مجرد أسطورة مسيحية شقت طريقها إلى التراث اليهودي الذي جيّرها فيما بعد لمصلحته؟ وإذا لم يكن هناك منفى فمن أين أتى يهود العالم إذن؟ ثم ما الذي يجمع ثقافياً واثنياً (بالمعنى المدني) يهود "مراكش" ويهود "كييف" مثلاً؟ وإذا كان لا وجود لوحدة ثقافية بين الجماعات اليهودية المختلفة أتكون هناك "وحدة دم"؟ وهل صحيح أن هناك «جيناً يهودياً» كما تدّعي الصهيونية؟ وأخيراً، وليس آخراً، هل إسرائيل دولة ديمقراطية فعلاً؟

للإجابة على هذه الأسئلة، صاغ ساند أطروحته التي تقول: إن اليهود شكّلوا دائماً جماعات دينية مهمة اتخذت لها موطئ قدم في مختلف مناطق العالم، ولكنها لم تشكل شعباً (ethnos) من أصل واحد وفريد تنقل من ثم عبر التشّرد والنفي الدائمين.

 ويقول ساند: إنه في عام 1970 حصل تطور في علم الآثار تحت تأثير مدرسة الحوليات التاريخية في فرنسا وارتدى الطابع الاجتماعي للبحث التاريخي أهمية أكبر من الطابع السياسي ووصل هذا التحوّل إلى الجامعات الإسرائيلية... هكذا بدأت تناقضات الرواية الرسمية بالبروز، وهو ما يزعزع الأساطير المؤسسة ليس فقط لدولة إسرائيل بل للتاريخ اليهودي عامة.

إن احتلال بلاد "كنعان" وإبادة سكانها حسب سفر "جشوا", والتي تعدّ أول مجزرة في تاريخ البشرية, لم تقع وهي إحدى الأساطير التي دحضتها الأركيولوجيا كلياً، كما أن الرواية التوراتية الأخرى حول مملكة داوود وسليمان التي يفترض أنها عاشت في القرن العاشر قبل الميلاد والتي يعدها جميع المؤرخين الإسرائيليين حجر الزاوية في الذاكرة الوطنية والمرحلة الأكثر إشراقاً والأكثر تأثيراً في التاريخ اليهودي, دحضتها أيضاً الاكتشافات الأثرية الجديدة، حيث إن الحفريات التي جرت في 1970 وما بعد ذلك في محيط المسجد الأقصى لم تثبت وجود أي أثر لهذه المملكة ولا حتى لأي أثر لسليمان الذي تجعله التوراة بمرتبة ملوك بابل وفارس نفسها... يقول ساند: "إن القدس في تلك المرحلة لم تكن سوى مدينة صغيرة، وإن الملك سليمان لم يكن ليملك قصراً يتسع لزوجاته السبعمئة ولثلاثمئة خادم".

ويخلص ساند بعد ذلك إلى القول إن الأساطير المركزية هذه حول شعب يهودي قديم واستثنائي خدمت بإخلاص تام نشوء الفكرة القومية اليهودية والمشروع الصهيوني وأعطت تبريراً لعملية الاستيطان في الأرض الفلسطينية. لكنها بدأت تتفسخ في نهاية القرن العشرين في إسرائيل نفسها وفي العالم  وتتحول إلى مجرد خرافات أدبية تفصلها عن التاريخ الفعلي هوة سحيقة يستحيل ردمها.