الخميس  14 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عمير دعنا .. رحيل أقدم بائع صحف بالقدس

2015-02-26 02:19:50 PM
عمير دعنا .. رحيل أقدم بائع صحف بالقدس
صورة ارشيفية
 
الحدث - عبد الرؤوف أرناؤوط
 
بدأ عمير دعنا حياته العملية وهو في السادسة من عمره، كأصغر بائع للصحف في القدس، وودعها بالأمس، عن عمر يناهز 86 عاماً كأكبر بائع للصحف في فلسطين كلها.
 
ويقول ابنه نادر لوكالة الأناضول: "لقد بدأ والدي بتوزيع الصحف والمجلات منذ أن كان في السادسة من عمره، ورحل عن عمر يناهز 86 عاماً، وهو يبيعها، فكان بذلك أكبر بائع للصحف وأطولهم عمراً في هذه المهنة".
 
وبالنسبة للكثيرين من سكان القدس الشرقية وزوارها، فإن عمير دعنا، كان معلماً من معالم المدينة المقدسة، من خلال "كشك" الجرائد في منطقة باب العامود التي تعتبر المركز النابض بالحياة في القدس، حيث فيها محطة الحافلات المركزية ومنها المدخل الرئيس إلى البلدة القديمة.
 
وعن وفاته، كتب العضو العربي في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، أحمد الطيبي في تدوينة  على حسابه في موقع "فيسبوك": "رحل عنا عمير دعنا، أبو سلام، صاحب كشك الجرائد والصحف الأسطوري في باب العامود، تعرفت عليه عندما كنت طالباً في الجامعة العبرية (الطيبي يبلغ حالياً 56 عاماً)، كان موسوعة ثقافية يواكب الأحداث ويُلم بالتفاصيل، كان وجهاً مألوفاً للقدس والمقدسيين، يحترم الكتاب ويجل الثقافة الأدبية والوطنية".
 
و في لقاء نادر مع صحفيين ومثقفين نظمه نادي الصحافة في المدينة، منتصف العام 2011، قال دعنا: "ولدت في القدس عام 1929 في بيئة فقيرة مسحوقة، لم أتمتع بأي شيء من حياة الأطفال، شهدت ثورة 1936 وأنا في السادسة أو السابعة  من عمري، واعتقل والدي وإخوتي الثلاثة الأكبر سناً  على هذه الخلفية ".
 
وأضاف: "اضطررنا أنا وأخي الآخر للنزول للشوارع، والبحث عن عمل ونحن أطفال صغار، وحينها سمح لنا شخص يدعى يعقوب الجولاني، ببيع الصحف في شارع مأمن الله، بالقدس، وكنا نبيع صحيفتي الدفاع وفلسطين (كانتا تصدران حتى احتلال إسرائيل إسرائيل لأراضي الضفة الغربية بما فيها القدس عام 1967) ، فكنت في ذلك الوقت أصغر بائع صحف، واليوم أكبر بائع صحف في فلسطين كلها".
 
ويستطرد ابنه نادر حديثه قائلاً:" الظروف الصعبة التي مرت بها العائلة حرمت أبي من الدراسة في المدارس، وعندما أصبح في الثامنة عشرة من عمره افتتح كشكاً لبيع الصحف في باب العامود، واستمر فيه حتى شهر أكتوبر/تشرين أول الماضي، حيث داهمه المرض إلى أن رحل عن هذه الدنيا".
 
وعلى الرغم من ذلك فقد علّم عمير، نفسه بنفسه، إذ يشير ابنه نادر إلى أنه تعلم العربية وأصبح يتقن الانجليزية والعبرية إضافة إلى الفرنسية ، نوعاً ما ، ويتدبر أموره بعدة لغات أجنبية أخرى.
 
وعن هذه المرحلة يقول عمير، في ذات لقاء 2011 والذي حضره آنذاك، مراسل الأناضول حالياً، : "بسبب حرماني من التعليم كنت متشوقاً إليه، فأخذت أتردد على بعض المقاهي التي يرتادها بعض الزبائن المتعلمين، في باب الخليل، وأسأل عن شكل ومعنى حروف الكتابة حتى تعلمت شيئا فشيئاً، وأتقنت القراءة والكتابة مع مرور الزمن ، وبدأت في قراءة كل ما يقع تحت يدي ومنها المجلات المصرية".
 
لم يتقن عمير فقط القراءة والكتابة، وإنما أصبح يكتب القصص القصيرة، وفضلاً عن ذلك فقد راسل بعض المجلات المصرية.
 
وعن كتاباته، قال نادر: "والدي كتب العديد من القصص القصيرة من بينها قصة القرش، وكان يعرض مؤلفاته في لقاءات مع المثقفين، كما أنه راسل مجلات مصرية في سنوات الخمسينيات".
 
يذكر عمير دعنا أن من بين المجلات التي راسلها في مصر "مجلة البعكوكة التي تهتم بالنكات والطرائف، ومجلة دنيا الكواكب".
 
يمضي نادر متحدثاً عن والده :" عوضنا عن حرمانه من التعليم بحصولنا على أفضل تعليم، فأخي الكبير سلام، هو طبيب، وكذلك أخي مازن، وهو طبيب عام، وأخي سامر طبيب أسنان، وأنا حصلت على ماجستير مختبرات طبية، أما شقيقتي فلم تستجب للنصائح المتكررة من والدي لها بتلقي التعليم وكان دائماً ما يلومها على قرارها هذا".
 
ولم تقتصر حياة عمير على الصحف، إذ نشط سياسياً خلال فترة الانتداب البريطاني الذي استمر حتى العام 1948، ولاحقا خلال العهد الأردني الذي استمر حتى 1967، وفترة الاحتلال الإسرائيلي المستمرة حتى الآن.
 
وعن هذا يقول ابنه: "لقد نشط والدي سياسياً خلال فترة الانتداب البريطاني، واُعتقل في السجون الأردنية، كما اُعتقل عدة مرات من قبل الاحتلال الإسرائيلي".
 
كانت حياة عمير دعنا العملية تبدأ في الساعة الرابعة والنصف صباحاً بالتوقيت المحلي للقدس (02.30 تغ)، وتستمر حتى ساعات ما بعد الظهر.
 
وفي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، الآن 3 صحف فلسطينية يومية هي القدس (خاصة)، والأيام (خاصة)، والحياة الجديدة (شبه رسمية)، بالإضافة إلى عدة مجلات شهرية، لكن دعنا كان يبيع أيضاً صحف ومجلات عربية ودولية وإسرائيلية.
 
فهذه الصحف والمجلات، كما يقول ابنه، كانت بمثابة "حياة عمير الذي عاش بين الصحف، وكان يرى الدنيا من خلالها، وبقي متعلقاً بها حتى آخر يوم في حياته".
 
لم يكن الراحل يقبل بإغلاق كشكه حتى ولو ليوم واحد مهما كانت الحالة السياسية أو الجوية، بحسب نادر الذي قال إن "المرة الوحيدة التي غادر فيها مدينة القدس كانت لأداء فريضة الحج، وما عدا ذلك، فقد كان مواظباً على العمل في الكشك".
 
ولكن هذا الكشك يواجه الآن خطر الإغلاق برحيل عمير دعنا، لأنه وحسب القانون الإسرائيلي فإنه "يُمنع نقل ترخيص الأكشاك إلا إلى الزوجة"، وبما أن الأخيرة متوفية، فإن "الأبناء يواجهون الآن خطر فقدان الكشك".
ويحمل المقدسيون البطاقة الإسرائيلية الزرقاء، وتعتبرهم إسرائيل مقيمين وليسوا مواطنين، وتفرض عليهم قانونها رغم المعارضة الفلسطينية والدولية لذلك.
 
 الأناضول