الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عذاب المفاوضات/ بقلم: د. سامر العاصي

العذاب الأبدي

2020-08-22 03:14:36 PM
عذاب المفاوضات/ بقلم: د. سامر العاصي
د. سامر العاصي

يُحكى في بلاد اليونان القديمة، أن أبو الآلهات والبشر "زيوس"، غضب من الملك الطاغية سيزيف، (سيسيفوس)، لظلمه وجبروته وقسوته وشدة بطشه. ووصِفَ الملك هذا بأنه "أمكر خلق الله" على الأرض وأكثرنا لؤما، وكيف لا! وهو جد القائد العسكري الذي أشار إلى "الاسبارطيين" بصنع حصان خشبي، ليدخلوا فيه إلى قلعة طروادة بعد أن فشلوا في حصارها عشر سنين.

ومع أن الملك "سيزيف" كان قد اغتصب ابنة أخيه القاصر وعرشه، إلا أن صديقه "زيوس"، لم يغضب منه ولم يعاقبه. ولما صار سيزيف أغنى أغنياء البشر بعد أن جمع من الأموال والذهب ما لم يجمعه أحد من قبله أو من بعده، قام بإفشاء أسرار أبو الآلهات "زيوس"، معلنا أن "زيوس" هو من اختطف جميلة الجميلات "إيجينا"، ابنة آلهة النهر المقدس. وجن جنون زيوس الذي أمر آلهة الموت بقبض روح "سيزيف"، وأرسالها فورا إلى الجحيم.

وعلم صاحبنا أن الموت إليه قادم. وما إن وصل ملك الموت إلى مشارف مملكة سيزيف، حتى استقبله الرجل الماكر بكل صدر وترحاب، طالبا منه وهو يبتسم أن يجرب بنفسه إن كانت الأصفاد التي ستوضع على يده مؤلمة أم لا؟. وانطلت الخديعة.

وألقى الملك بآلهة الموت في غياهب السجون، وعاد صاحبنا يلهو ويتمسخر على كل الآلهات وعلى "زيوس" نفسه!

وشعرت آلهات الجنة والجحيم، بنقص في أعداد الموتى، وبعدم وصول القرابين التي كان اليونانيون يقدمونها عند موت أحد أفراد عائلاتهم أو أحبابهم، والتي كانت تكبر وتزداد حسب "مكانة" الميت. 

وأخبرت آلهات الحروب والمعارك في الأرض سيدها "زيوس"، بأن الجرحى لم يعودوا يموتون في المعارك. وعلى الفور قرر "زيوس" معاقبة خصمه الماكر بأن أرسل إليه الرياح والأمطار والكوارث والصواعق. ولكن الآلهات الخبيثات، كن قد أبلغن صاحبنا بدنو أجله. وعلى الفور، تراءا للملك سيزيف فكرة بأن طلب من زوجته عدم تقديم أية قرابين للآلهة بعد موته. وأُرسِلَ الميت سيزيف إلى العالم السفلي، ريثما تصل قرابينه من الأرض إلى السماء.

ومع تأخر وصول القرابين، تقدم سيزيف إلى الآلهة حارسة عالم الموتى السفلي، وأقنعها بضرورة ذهابه إلى زوجته من أجل إقناعها لتقديم القرابين "الكثيرة" للآلهات. وسمحت المسكينة " للماكر الخبيث بالذهاب شريطة أن يعود سريعا. وما إن وصل الرجل قصره، حتى علت أصوات ضحكاته السماء، لتسمع الآلهات كلها قهقاته. وعلى الفور أمر "زيوس"، آلهة الجحيم بقبض روح "سيزيف" هذه المرة بعنف وبشدة، وإحضاره إلى مقر الآلهات في قمة جبال "أوليمبيا" المقدس وسط بلاد اليونان.

وقرر زيوس معاقبة الرجل بأن جعله يحمل من أسفل الوادي، صخرة يرفعها إلى قمة جبل "أوليمبيا" العالي، فإذا وصل "سيزيف" وصخرته القمة، تدحرجت الصخرة من على كتف الرجل إلى قاع الوادي، ليعود صاحبنا لرفعها مرة أخرى... وهكذا دواليك، وإلى الأبد!  حتى أصبح عقاب "سيزيف" رمزا للعذاب الأبدي.

ترى! ومنذ أن بدأنا نحمل على أكتافنا العشرات من المبادرات والصفقات، هل كتب علينا، أن تبقى حياتنا مفاوضات؟ أو أن نظل دائما نتدحرج من الأعلى إلى الأسفل عند كل جولة جديدة من المفاوضات أو من الصفقات؟ أم أن آخرتنا، ستصبح يوما ما، رمزا لعذاب المفاوضات؟