تتحدث الأنباء المتواترة من واشنطن أن الخلاف الأمريكي الإيراني في طريقه إلى الحل مطلع العام 2021، إذ أعلن المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية جون بايدن أنه سيعيد العمل بالاتفاق النووي الذي توصلت إليه مجموعة الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة مع إيران في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وانسحب منه الرئيس دونالد ترامب بعد انتخابه خلفا لأوباما تحت ضغوط إسرائيلية مارس على إثرها ترامب عقوبات اقتصادية قاسية على إيران وعلى الدول التي تتعامل معها وعلى شركائها، لإجبارها على إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي ليشمل صناعة إيران للصواريخ الباليستية القادرة في المستقبل على حمل رؤوس نووية ووقف نشاطات إيران في المنطقة. بدوره أعلن الرئيس ترامب المنسحب من الاتفاق النووي أنه سيتوصل إلى اتفاق مع إيران على برنامجها النووي في غضون 30 يوما حال إعادة انتخابه للرئاسة الأمريكية لولاية ثانية.
ويبدو أن ترامب بات على قناعة بأن عقباته الاقتصادية لم ترغم إيران على فتح الاتفاق النووي للتفاوض من جديد، كما ان إيران لم تعاني عزلة دولية كما رغب بذلك ترامب ومن ورائه بنيامين نتنياهو وبعض حكام الخليج الذين حشروا أنفسهم في صراع هم الخاسرون الوحيدون فيه نتيجة لجهلهم في السياسة الدولية ومصالح الدول الكبرى، واعتبار أن ثروتهم قادرة على جلب الأمن والاستقرار لدولهم ولأسرهم الحاكمة، وباتت إيران رقما أساسيا في المعادلة الدولية، يجب التعاطي معها على هذا الأساس ومحاولة التعامل معها واحتوائها إن كان في الإمكان ذلك.
ولا شك أن الحكم في إيران يجيد إدارة علاقاته الدولية باقتدار، واستغل بشكل جيد غباء الرئيس ترامب في إدارة سياساته الدولية؛ فاستعدى الصين وروسيا وحلفاء أمريكا في الاتحاد الأوروبي وربط مصالح أمريكا في الشرق الأوسط بمصالح اليمين الإسرائيلي المتطرف، فواجه فشلا تلو فشل ساعد إيران على أن تكون دولة مقررة في العراق وسوريا واليمن ولبنان وفلسطين، ليست من واقع فرض الهيمنة الإيرانية على دول المنطقة ولكن من منطلق مساعدة هذه الدول في التصدي للسياسة الأمريكية التي تنفذ رغبات إسرائيل غير المعقولة بالكامل وزرعت الخوف في دويلات الخليج والمملكة العربية السعودية من الجار الإيراني وأوهمتهم ببقاء أنظمتهم رهن الحماية الأمريكية وبالتحالف مع الكيان الإسرائيلي في مواجهة إيران إلى درجة دفعت حاكما مثل محمد بن زايد أن يذهب إلى تطبيع معلن وإقامة علاقات دبلوماسية وتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل أساسها التعاون الأمني وتزويد الإمارات بأسلحة نوعية أمريكية كانت تعترض عليها إسرائيل، ما يشير إلى أن الإمارات قد تتحول إلى قاعدة عسكرية إسرائيلية تنطلق منها طائرات إف-35 إماراتية ستحصل عليها الإمارات ويقودها طيارون إسرائيليون. وهذه الخطوة ستكون الطامة الكبرى على الإمارات التي ستتلقى الضربة الإيرانية فلا تقوم لها قائمة نتيجة لغباء حاكمها وخفة عقله.
وعليه، أمامنا بضعة أشهر لتعود المياه إلى مجاريها بين الولايات المتحدة وإيران وهذه الأشهر ستشهد تجاذبات وتصعيدا محسوبا بين الطرفين على الساحة العربية في لبنان وسوريا والعراق والخليج واليمن وفلسطين يحاول منها الأمريكان والإيرانيون تجميع أوراقهم للمساومة عليها في المفاوضات المقبلة.
ولا شك أن إيران ترغب في رؤية جو بايدن نائب أوباما الذي توصل إلى الاتفاق النووي معها في البيت الأبيض ولكنها أيضا لا تخشى عودة ترامب الذي خبرته ووقفت على حدود سياساته القصوى خلال أعوام ولايته.
ولنا أن نتكهن انعكاسات العودة الأمريكية للاتفاق النووي على دور إيران في المنطقة والسيناريوهات المحتملة لهذا الدور.
ولا شك أن الولايات المتحدة لن تترك المنطقة لنفوذ إيران وإن أقرت بدور ما لها، ولكنها لن تطلق يدها في سوريا والعراق ولبنان واليمن وفلسطين وسيكون جزءا من الاتفاق أن تهتم إيران بشؤون شعبها وأوضاعها الداخلية وعدم التدخل في شؤون دول المنطقة ودول أوروبا الغربية التي حافظت على الاتفاق النووي مع إيران وأمنت عودة الولايات المتحدة إليه.
وسؤال نطرحه، هل سيكون لعودة أمريكا للاتفاق تأثير مباشر على أوضاع سوريا والعراق ولبنان واليمن وما يسمى المحور كالانسحاب منه أو تجميد قياداتها تدريجيا منه لضمان استمرار أمريكا في رفع الحصار الاقتصادي عنها الذي يعد الشرط الأول والمركزي لإيران في الاتفاق الإيراني الأمريكي.
وبفقدان إيران من المحور، يتعين على الدول العربية وحركات المقاومة أن تسارع من اليوم إلى لملمة أوضاعها الداخلية لوقف المخطط الإسرائيلي – الأمريكي التركي وتتوصل العراق وسوريا على أقل تقدير إلى اتفاق تعاون مشترك عسكري واقتصادي وإطلاق طاقات شعبي البلدين في إعادة البناء والتصدي لأطماع دول الجوار لأن أي اتفاق بين الطرفين يتطلب تنازلات من جانب كل طرف، وطالما أن العراق وسوريا والدول العربية الأخرى لن تكون طرفا في الاتفاق، فإن المساومة على حقوقهما وحقوق العرب ستكون في صلب الاتفاق. فهل سيضمن الاتفاق استقرارا في سوريا ووحدة أراضيها تحت رعاية روسية وفي مقابل أي ثمن يجب على سوريا دفعه للأمريكان عبر روسيا وإيران وهل سيقود هذا الثمن إلى تسوية محتملة بين سوريا وإسرائيل تأخذ في حسابها الوضع في الجولان المحتل بعد أن أقدم دونالد ترامب على الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية عليه. وكذلك ماذا ستكون حصة تركيا هل تنسحب من الشمال السوري مقابل تمثيل جماعتها في المشهد السياسي والحل المنشود في سوريا، وهل يستمر الرئيس بشار الأسد في قيادة سوريا في المرحلة القادمة بعد أن تمكن من الحفاظ على تماسك النظام طيلة فترة الحرب بفضل التواجد الروسي ومحور المقاومة وأساسها إيران وحزب الله. ونطرح هذا التساؤل حول بقاء الرئيس اللأسد على رأس سوريا من واقع الحالة الصحية للرئيس التي لم يخفيها هو شخصيا أمام الشعب السوري وممثليه والعالم عبر شاشات التلفزيون العربي والسوري.
والأمر الذي يجري التكهن به حول سوريا ينسحب على العراق، فالوجود العسكري الإيراني في سوريا لا تعترف به إيران وتقول إنه يقتصر على مجموعة من الخبراء ومن السهل الاستغناء عنهم. أما في العراق فإن الحدود العراقية الإيرانية شبه مفتوحة خاصة من الجانب العراقي والميليشيات العراقية التي تدين بالولاء لإيران ذات تأثير واضح على الوضع في العراق كما أن إيران لن تستسلم بسهولة لتواجد عسكري أمريكي على الأرض العراقية سواء كان هذا التواجد بإرادة الحكومة العراقية أو دون إرادتها. وهذا في حد ذاته يشكل فرصة أمام الحكومة العراقية لتوحيد الشعب العراقي على كامل أرض العراق من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب والتطلع إلى علاقات حسن جوار مبنية على الاحترام المتبادل لسيادة كل دولة وعلى وجه الخصوص مع سوريا التي تشاركها نفس المشاكل والأطماع والطموحات في مستقبل عربي واعد يضع حدا للأطماع الصهيونية في تنفيذ شعارها "حدودك يا إسرائيل من الفرات للنيل" خاصة وهي في أوج نشوتها بتوقيع اتفاقية سلام مع حاكم الإمارات وتنتظر دولا أخرى لتوقيع مثل ذلك الاتفاق قصير النظر الذي يتجاهل حقائق التاريخ وجذور الصراع في المنطقة على مر العصور.
أما لبنان فإن مشاكله أكثر تعقيدا وهو ملخص للصراع الدائر في المنطقة بين إسرائيل والشعوب العربية والصراع الدائر بين الدول العربية نفسها والصراع بين الولايات المتحدة وفرنسا وغيرهما من الدول الغربية، وفي ظل هذه الصراعات يظل حزب الله القوة الحية في لبنان التي يمكن أن تشكل بديلا قويا وفاعل لتنسيق عراقي سوري في مواجهة العدوان الصهيوني. والأمر كذلك بالنسبة لدور فصائل المقاومة الفلسطينية التي ترى أن المشروع الأمريكي الصهيوني يستهدف اليوم تصفية القضية الفلسطينية. أما اليمن السعيد التعيس بما ابتلى به من قتل وتدمير وتجويع وأمراض وأوبئة على أيدي التحالف الشيطاني الإماراتي السعودي فقد صمد رغم كل ما حل به، ومل التحالف الشيطاني من حربه على اليمن التي ردت بشكل مدروس على العدوان عليها لكن ردها اقتصر على منشآت حيوية في السعودية ولم يطل الإمارات التي تسعى إلى السيطرة على السواحل الجنوبية لليمن وبخاصة باب المندب لتأمين حرية الملاحقة لإسرائيل. وفي ظل توقيع محمد بن زايد لاتفاق الخيانة مع المحتل الإسرائيلي لا يستبعد المراقبون في الأشهر الأربعة القادمة أن تطال صواريخ وطائرات اليمنيين منشآت إماراتية ولن يبدي أي من العرب أسفا على مصير الأسرة الحاكمة في الإمارات رغم أننا نتمنى الخير لشعب الإمارات العربي وأن المطبعين هم من الخونة لأمتهم وشعبهم وللقدس والأقصى وفلسطين والإجماع العربي والشرعية الدولية.