دعونا نتوقع وصول بايدن إلى مقعد الرئاسة في البيت الأبيض، وتنحي نتنياهو عن رئاسة الوزراء في إسرائيل لمصلحة شريكه في الائتلاف الحكومي غانتس.
كان توقع كهذا محفوفا بكثير من الشك قبل إعصار كورونا الأمريكي، وأعاصير نتنياهو الإسرائيلية، أما وقد حدث لشركاء الصفقة ما حدث؛ فإن الأمر صار مختلفا، وعلى نحو يغري بتوقع لسيناريو جديد إن لم يكن مختلفا تماما عن سيناريو ترامب نتنياهو، إلا أنه ليس متطابقا معه. وهنا يتعين التدقيق في المؤشرات التي صدرت أولا عن المرشح بايدن في ما يتصل بسياسته إزاء الملف الفلسطيني الإسرائيلي.
المقربون منه وفي سياق سعيهم للحصول على أكبر قدر من أصوات عرب ومسلمي أمريكا، أفصحوا عن هدايا يعتزمون تقديمها للفلسطينيين حال فوزهم، منها إعادة العلاقات مع منظمة التحرير ما يستوجب فتح ممثليتها في واشنطن، وإعادة عمل القنصلية الأمريكية في القدس، واستئناف تمويل الأونروا، وكل ذلك يتم في إطار التأكيد على التزام الإدارة بحل الدولتين وتجديد الموقف التقليدي من الاستيطان، وإعلان رفض الضم بصورة نهائية، وهذا يفرغ صفقة القرن من مضمونها وحتما سوف يغضب نتنياهو إلا أنه لن يغضب غانتس الذي تحفظ ولو جزئيا على الضم، وربط موافقته بشرط إشعال أكثر من ضوء أخضر أمريكي وإقليمي ودولي، وهذا إن لم يحدث في عهد ترامب فبالتأكيد لن يحدث في عهد بايدن، وفي إطار السياسة الأمريكية تجاه الملف الفلسطيني الإسرائيلي، فإن كل ما تقدم لو تم بحرفيته إلا أنه لن يمس الثوابت المشتركة بين الديموقراطيين والجمهوريين فيما يتصل بالعلاقة مع إسرائيل والتي تحكمها عدة لاءات قاطعة مثل لا للضغط السياسي، بعرض حلول دون التشاور المسبق مع إسرائيل ولا للمساس بأي بند من بنود الدعم الشامل المرشح دوما للزيادة في عهد أي إدارة، ولا لتغيير الوضع الجديد للقدس الذي دشنه ترامب بنقل السفارة الأمريكية إليها، وهذه الثوابت يحفظها الفلسطينيون عن ظهر قلب نظرا لكونها الأمر الوحيد الذي يجري الالتزام الفعلي به، أما ما يخص الفلسطينيين فما يعطى لهم هو مجرد مواقف يرتهن تطبيقها بما تجيزه إسرائيل وفي أفضل الأحوال بما يتوصل إليه الجانبان من خلاصات عبر التفاوض.
في العلاقة الأمريكية الإسرائيلية هنالك ثابت غير معلن إلا أنه الأكثر تأثيرا وهو أن بوسع إسرائيل استخدام حق الفيتو على أي مقترح أمريكي يعرض ولو من قبيل العلاقات العامة، ولعل هذا هو كلمة السر التي تبين سبب إخفاق الأمريكيين حتى الآن في ترتيب تسوية بحيث اكتفوا بإدارة الأزمات دون حسمها.
المثال الأكثر سطوعا على ذلك هو ما حدث مع السيد جون كيري صاحب الرقم القياسي في إهدار الوقت وإضاعة سنة كبيسة من الجهد المواظب والمركز، بحيث آلت جهوده إلى أكثر من عشر نقاط تحت الصفر.
الحقيقة السياسية التي سوف نراها مترافقة مع التغيير المتوقع على القمتين الأمريكية والإسرائيلية، هي أن اللعبة على المسار الفلسطيني سوف تعود إلى الدوامة إياها.. خطوة مظهرية إلى الأمام وخطوات فعلية إلى الخلف، إلا إذا وقع جديد في إسرائيل كأن يظهر حلفاء نتنياهو استعدادا لفتح ملف التسوية مع الفلسطينيين وهذا احتمال ضئيل للغاية، ذلك أن فترة غانتس إن بدأت فهي قصيرة إلى حد استحالة أن تحدث انقلابا، أما فترة بايدن التي يهدد ترامب بالاستيلاء عليها ففيها من الملفات الساخنة والملحة ما يضع الملف الفلسطيني على قائمة الانتظار إلى أجل غير مسمى ولكنه بعيد.
في مقابلة صحفية أجريت مع السيد آرون ميلر أحد الخبراء الأمريكيين محترفي عملية السلام، أشار إلى نقطة بالغة التأثير على نمط المعالجة الأمريكية لشؤون التسوية اقتبسه بالحرف:
"ما لم يمنح الإسرائيليون والفلسطينيون إدارة بايدن سببا للاهتمام بهذه المسألة من خلال عمل ديبلوماسي أو مواجهة تخرج فعلا عن السيطرة، فلن يكون هناك ما يمكن القيام به".
إذا، إما اشتعال يؤدي إلى فقدان السيطرة وإما بقاء في الدوامة حتى ذلك الاشتعال.