الحدث - براء بدر
تعذر يوم الجمعة 21 أغسطس/آب على مئات المواطنين الدخول من إحدى الممرات "الفتحات" التي أحدثها جيش الاحتلال الإسرائيلي في السلك الفاصل بين قرية بيت لقيا جنوب غرب رام الله والداخل المحتل. انتظرت عائلات بأكملها دورية الجيش علّها تغادر، لكن هذا ما لم يحدث، بل إن جنود من جيش الاحتلال ترجلوا بالقرب من تجمع المواطنين وقاموا بإطلاق قنابل الغاز باتجاههم، كما يروي شهود عيان لصحيفة الحدث.
ظل هذا الممر لأيام جسرا آمنا لدخول المواطنين إلى الداخل المحتل، ولم يكن هناك أي تواجد لقوات الاحتلال بالقرب منه، لكن وبعد إعلان جيش الاحتلال على لسان الناطق باسمه أفيخاي أدرعي عبر صفحته على الفيسبوك عن منع "تسلل الفلسطينيين إلى الداخل، لأن ذلك يعرّض حياتهم للخطر" أصبحت الرحلة عبر الممرات، مسألة محفوفة بالمخاطر، على حد تعبير المواطنة فايزة عاصي، التي حاولت الدخول لزيارة ابنتها المريضة المتزوجة في مدينة اللد.
تعددت أهداف الفلسطينيين من وراء الدخول إلى المناطق، التي حرموا من الدخول إليها بفعل الاحتلال وظلت بسبب أشياكه وجنوده حلما حزينا، فمنهم من زار المناطق السياحية والأثرية في الداخل المحتل، ومنهم من زار أقارب وأصدقاء كانت زيارتهم دربا من المستحيل، فيما انشغل آخرون بالبحث عن فرص عمل في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، بالإضافة لتجار وجدوا في ذلك فرصة لشراء بضائع بأسعار رخيصة.
بشكل عام، أثارت هذه الممرات عددا من التساؤلات حول أهدافها، خاصة وأنها مكنت عشرات الآلاف من الفلسطينيين من المرور إلى الداخل المحتل في فترة عيد الأضحى والأيام التي تلته، رغم أن ذلك كان محظورا على الفلسطينيين لسنوات طويلة، وقد كان يتم التعامل مع دخولهم من خلال ممرات التهريب على أنه إجراء غير قانوني يؤدي بصاحبه إلى السجن وحتى الإصابة برصاص الجيش.
ومع تعدد الأسئلة والإجابات، يبقى الشيء الوحيد المجمع عليه هو أن سماح الاحتلال بدخول الفلسطينيين للداخل المحتل لم يكن بكل تأكيد بنوايا بريئة، وإنما تكمن خلفه أهداف وأغراض قد نستطيع اكتشاف بعضها بشكل مبكر والآخر بشكل متأخر، كما يؤكد الخبير في الشأن الإسرائيلي عدنان أبو عامر في مقابلة مع الحدث، وفي مقالة نشرها بعنوان " فلسطينيو الضفة الغربية على شواطىء يافا و نتانيا! ".
وفي حين يفسر كثيرون أن السر وراء هذه الخطوة الإسرائيلية هو هدف اقتصادي، يستبعد المحلل الاقتصادي والمحاضر في جامعة القدس نصر عبد الكريم ذلك، مؤكدا أن الأهداف بالدرجة الأولى أمنية وسياسية وقد تكون بعيدة كل البعد عن الجانب الاقتصادي.
وأضاف عبد الكريم في مقابلة مع "الحدث"، أن السر وراء تساهل الاحتلال الإسرائيلي في دخول الفلسطينيين إلى الداخل المحتل مؤخرا يتعلق بحالة الضغط التي يعيشها الفلسطينيون بسبب أزمة المقاصة والإغلاق المفروض في ظل أزمة كورونا، وهو ما خلق توترا وتذمرا عاليين لدى المجتمع الفلسطيني يخشى الاحتلال من تبعاتهما.
وبحسب عبد الكريم، تريد دولة الاحتلال أن تظهر للمجتمع الفلسطيني أنها قادرة على بناء علاقات معه ومنحه تسهيلات بعيدا عن السلطة الفلسطينية، بما يشمل الدخول إلى الداخل المحتل بدون تصاريح أو إجراءات مسبقة ومنسقة بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية، و كأن الخطوة تهدف إلى فتح ثغرات في جدار وقف التنسيق الأمني الذي أعلنت عنه السلطة الفلسطينية مؤخراً.
في مقابل ذلك، يدمج الخبير في الشأن الإسرائيلي أحمد فياض بين الأهداف السياسية والأمنية والاقتصادية، معتقدا أن تدهور الاقتصاد الإسرائيلي في ظل أزمة كورونا، دفع الاحتلال إلى تنشيط الحركة الاقتصادية بعد تعطلها وانكماشها في الأشهر الأخيرة وفق إحصائيات رسمية.
و يكمل فياض: "ومع ذلك لا يمكن إغفال الجانب السياسي والأمني، إذ أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى بشكل أو بآخر إلى إعادة الأمور إلى سابقها قبل مخطط الضم، بمعنى أنه يريد إعادة تفعيل التنسيق الأمني والاتصال بينه وبين السلطة الفلسطينية، وهذه الخطوات تهدف لتخفيف حدة الاحتقان في الضفة الغربية والتوتر الناجم عن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية والذي قد ينعكس سلباً على أمن دولة الاحتلال".
ويضيف فياض أن الأزمات والتضييقات التي يشهدها الشعب الفلسطيني في الآونة الأخيرة نتيجة لإيقاف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال تزيد من التوتر والاحتكاك الذي قد يشكل خطراً على أمن الاحتلال، وهذا أمر يدركونه جيدا.
و يعتقد فياض بأن "إسرائيل" تكون دائماً على استعداد لمثل هذه الظروف ولكنها تتبع سياسة تدارك الخطر قبل وقوعه.
ولكن الخبير الاقتصادي هيثم ضراغمة يرى أن هذه الخطوة تحقق أهدافاً سياسيةً وتستخدم الاقتصاد كأداة، وأن السبب وراء التسهيلات المتاحة للدخول إلى الأراضي المحتلة ليس لتحقيق مزايا إقتصادية إسرائيلية، والدليل أن موازنة الاحتلال تفوق 370 مليار شيقل، وما دخل من أموال من الفلسطينيين خلال فترة فتح المداخل المؤدية إلى الداخل المحتل تقدر بـ 30 مليون دولار ما يعني أنها أرقام غير قابلة للمقارنة أو الاهتمام.
ولذلك يرى ضراغمة أن الاحتلال الإسرائيلي لم يسعى إلى تحقيق مزايا اقتصادية خاصة به، ولكنه سعى إلى ضرب الاقتصاد الفلسطيني "الهش" و "المتآكل" والذي يعيش مرحلة اقتصادية صعبة بسبب الظروف الأخيرة من انقطاع للرواتب وامتداد للأفق السياسي، وهو ما يؤكد عليه حمدي حوشية، أحد أصحاب المحال التجارية في بلدة بيت لقيا، الذي أكد لـ"الحدث" أن الحركة الشرائية لديه تضررت بشكل كبير خلال فترة العيد والأيام التي تلتها.
ويصف ضراغمة الوضع السياسي الحالي بأنه ضبابي جداً، مما يجعل التنبؤ بانتهاء الوضع الاقتصادي السيء صعباً على القيادة الفلسطينية والشارع الفلسطيني بشكل عام.
ومن وجهة نظره، هذه الحالة الاقتصادية المتردية لم يسبق لها مثيل، فقد جاءت بالتزامن مع الانبطاح العربي، على حد قوله، والذي كان نتاجه الاقتصادي توقف المساعدات عن السلطة الفلسطينية.
ويضيف ضراغمة: "حكومة الاحتلال تعلم جيداً أن إيرادات خزينة السلطة تأتي من ثلاثة مصادر: 70% من أموال المقاصة، 15% من الإيرادات الداخلية، 15% مساعدات. توقفت المساعدات، والإيرادات الداخلية في بعض الأشهر وصلت إلى 0%، ومعروف بأن إيرادات المقاصة متوقفة تماماً وهذا أدى إلى حالة من الشلل الاقتصادي نتج عنها عدم قدرة السلطة الفلسطينية على الإيفاء بالتزاماتها".
ويؤكد ضراغمة بأن الاحتلال يعتبر الوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية يبقي الشعب الفلسطيني ضعيفاً مما يجبر السلطة الفلسطينية على القبول بإملاءات دولة الاحتلال والتنازل عن بعض الثوابت للحد من تردي الأوضاع الاقتصادية في أراضيها الفلسطينية أكثر.
ومن هنا يرى ضراغمة بأن دخول الفلسطينيين إلى الداخل المحتل يستنزف ما تبقى من أموال لدى المواطنين الفلسطينيين ليتم صرفها واستغلالها داخل الخط الأخضر، ما يؤدي إلى ضرب بنية الاقتصاد الفلسطيني وتحديداً القطاع الخاص الذي بدأ بشكل تدريجي بالتعافي ولو في بعض الجزئيات البسيطة، على حد تعبيره.
ويرى علاء بدر، أحد تجار وموزعي الخضار في مدينة رام الله، من خلال معاينته الشخصية، أن أحد أهداف هذه الممرات تسويق بضائع اقتربت صلاحيتها على الانتهاء، وقال إنه لاحظ وجود عروضات ضخمة على المواد الغذائية وبأسعار رخيصة جدا، وبالنظر إلى تاريخ انتهاء صلاحيتها تجد أنه قد تبقى لها شهر أو اثنان، وقد تكدست هذه البضائع في المخازن والمحال بسبب الإغلاقات، التي شهدتها دولة الاحتلال خلال أزمة كورونا، مضيفا: "معظم هذه العروض كانت في الأماكن القريبة من وصول الفلسطينيين، ولاحظت إقبالا شديدا من قبل الكثيرين عليها".
وبيّن بدر أن أسعار البضائع في الداخل المحتل رخيصة في الوقت الحالي، وهناك خشية من خسارة بعض المواسم الزراعية، بسبب توقف أو قلة عمليات نقل البضائع والمواد للخارج، وبالتالي فإن السوق الفلسطيني سيكون حيزا يُغرِق فيه الإسرائيليون بضاعتهم، وهو ما سيؤثر بكل تأكيد على الزراعة المحلية، مشيرا إلى أن مسألة الدخول عبر الممرات كانت بالنسبة للإسرائيليين اختبارا هم بطور تقييم نتائجه، وقد تقودهم التجربة إلى إعادة فتحها مرة أخرى في ظروف معينة مناسبة بالنسبة لهم.
هذه ليست المرة الأولى، التي يسمح بها الاحتلال لدخول الفلسطينيين من ممرات جانبية، فقد شهدت المرحلة الأولى من انتشار فيروس كورونا بين شهري آذار ونيسان سماح جيش الاحتلال بدخول العمال إلى الداخل المحتل رغم تحذيرات الحكومة الفلسطينية من مخاطر الحركة من وإلى الداخل المحتل، حيث كانت دولة الاحتلال في حينها منطقة موبوءة مقارنة بمعدلات انتشار الفيروس في الضفة الغربية.
وقد فسر مراقبون ومحللون في تلك الفترة (آذار ونيسان الماضيين) سماح جيش الاحتلال بدخول العمال، بأنه محاولة من طرف الاحتلال لإنقاذ بعض القطاعات الحساسة لديه، مثل: الزراعة والبناء. وهو ما أكدت عليه تقارير نشرها الإعلام العبري. لكن سرعان ما أغلق الاحتلال هذه الممرات بعدما ازدادت معدلات الإصابة بالضفة الغربية.