الاسم الحركي لفلسطين وبعض الأسس والمفاهيم التي زرعت بداخلي وحدثتني عن حب الوطن بشكل عنيف جميل راقٍ، ولطالما توقفت عند طبيعة العلاقة التي كانت تربطني بناجي العلي الذي لم ألتقِ بهِ ولو لمرة كما تمنيت كثيرًا ...
كان مصروفي للمدرسة ضئيلاً في الكويت.. وكنت منذ ساعات الصباح الباكر أتوجه للمكتبة لأشتري (صحيفة القبس) التي كانت تحتوي على رسومات الكاريكاتير لناجي العلي.. كنت أتأكد أولاً أن الصفحة الأخيرة تحتوي الرسم -لأنه في بعض الأيام كانت الصحيفة لا تحتوي الرسم الكاريكاتيري لناجي- وبعد اقتنائها كنت أظل أتأمل الرسم ثم أقوم بقصه والاحتفاظ به..
لا أعلم أين ذهبت تلك القصاصات لأني غادرت الكويت مع عام 1985 ثم اعتقلت في سوريا 1986 حتى عام 1991 الذي نزل خلاله خبر اغتيال هذا السيد الوطن كالصاعقة على رأسي وأنا في مهب المعتقل السوري.. وبعد إطلاق سراحي تعمدت أن أقتني الأعمال الكاملة للشهيد ناجي العلي .. ثم فقدتها –للمرة الثانية- بسبب ترحالي الدائم ...
المهم أن ناجي العلي الشهيد الوطن .. حاضر دائماً أبداً في كياني وهو الذي كان يمسك بيديه كل من الشاعر مظفر النوّاب والفنان أبو عرب ...
فصفصت كل رسم له، دخلت في تفاصيل رسومه لأعيش كل لحظة من ذنوب الدم والدمار وفضائل الكفاح والقتال والأمل بجانب الإنتقادات اللاذعة الموجودة في رسم ناجي .. وكنت أحاوره في كل حركة .. فشربنا معاً قهوتنا ودخنّا الكثير من علب السجائر خلسة عن عيون البشرية.. وعندما كنا نختلف كنت أدير لناجي ظهري وانام بداخل رسموماته واحلم بها ...
ناجي العلي .. حضور الوطن وحضور شعبه العظيم .. وغياب التجار .. حتى لو لم أوافق على كل ما رسمه .. إلا انني كنت أستطيع قراءة وطنيته اللامتناهية في كل رسومه.
إن الطلقة التي أصابتك يا حبيبي تركت ثغرة بقلبي لم يستطع أحد حتى الآن شفائها .. وجعلت ندبة بالعقل لا يتوقف تأثيرها .. وضربة على هالة الروح .. وإن ارتقائكَ شهيدًا مضرّجا في أوروبا كان سقوطا للقيم والأخلاق والمبادئ .. وانتحارًا لقلعة من القلاع الوطنية على أرصفة الغربة ...
كم ناجيتك في غيبوبتك وبعد استشهادك وحيداً .. وعندما صرت أدخل لرسومك ومخطوطاتك الموشحة بدماء الشهداء ثم دمك .. كنت أتحايل على نفسي وعليك وعلى العالم البذيئ بدمعة كاذبة صادقة تحدث الأحباب عن الأحباب .. وصرت أعيد التحاليل والتفاسير .. وألتزم بتحليلاتك وتفاسيرك ...
يا صديقي الغالي بعد ثلاثة عقود ونيّف من رحيلك .. أنا ما زلت أشرب القهوة معك .. وأدخن خمس سجائر مع كل فنجان كما عودتني وعلمتني .. وما زلت أعاند الرياح وأناكف الكثيرين .. وانا يا قلبي الغالي ما زلت استحضر حنضلة بين الفينة والفينة واراقصه وأداعبه علّه أدار لي لأرى وجهه.. الذي لا يزال يعلن تمرده عني وعنهم .. حتى أنني في أحد المرّات أخذته للمدرسة عنوة فبصق على اللوح ...
رغم السنوات التي مرّت على رحيلك القصري جسداً .. إلا أنني مع كل يوم يأتي أزداد قناعة بضرورة وجودك .. وضرورة أن تبعث من جديد بإرادة من الله لتظل حكاية الوطن .. وتظل تناجيه يا من لكَ من اسمكَ كلّ النصيب.. علّك تكون لتفند بوعيكَ ممارساتنا وأخطاءنا .. ولتبقى نبراس علومنا ومعارفنا ونبوئة لم تخب يومًا ...
كان التاسع والعشرون من أغسطس عام 1987 يومًا أسودًا في تاريخ قضيتنا ونخبنا الوطنية .
لك المحبة والاحترام..... لروحك السلام.. أيها الجنة الوطن الشهيد ....