الحدث: غزة- محمد مصطفى
بعد مرور ستة أشهر على انتهاء أطول وأشرس عدوان تتعرض له غزة منذ عقود طويلة، بدا الوضع في القطاع المحاصر أكثر صعوبةً وتعقيداً، مع تعطل ملف الإعمار، وترك آلاف الأسر المدمرة منازلها لتقيم في مراكز الإيواء والعراء، واستمرار فرض إسرائيل حصارها المحكم على القطاع، وتنصلها من تفاهمات وقف إطلاق النار، التي أبرمت مع الفصائل الفلسطينية برعاية مصرية.
معاناة مستمرة
وبدت معاناة المهجرين، خاصة ممن يقيمون في مراكز الإيواء كبيرة، إذ ينتظر هؤلاء بفارغ الصبر وعود الإعمار التي لم تتحقق.
ويقول المواطن أحمد معمر، والذي دمر منزله كلياً شرق مدينة رفح، إنه وبعد مرور ستة أشهر على انتهاء العدوان، بات يشعر بالكثير من اليأس والإحباط، وتيقن بأن ما يسمى الإعمار ليس أكثر من أكذوبة، ساقوها ليقنعوا الفصائل بوقف هجماتها ضد إسرائيل.
وأكد معمر أن الأسابيع والأشهر تتعاقب، ومشكلة المهجرين لازالت على حالها، والاهتمام بهم يتراجع، وعليهم مواجهة مصيرهم بأنفسهم، محذراً مما وصفه بالغضب العارم في وجه الجميع، حال استمر الوضع على حاله.
اتفاقات لم تنفذ
وسخر مزارعون وصيادون من الاتفاق المذكور، الذي ضمن للصيادين التحرك والصيد حتى مسافة 12 ميل بحري، ولمزارعين مناطق التماس، إلغاء ما يسمى المنطقة الأمنية العازلة، التي تفرضها قوات الاحتلال على طول الحدود الشرقية والشمالية للقطاع.
وقال الصياد محمود صلاح، إنه وحسب الاتفاق كان من المفترض وفي غضون أسابيع من سريان وقف إطلاق النار، الذي بدأ في السادس والعشرين من آب الماضي، أن تمدد مسافة الصيد البحري من ستة أميال إلى 12 ميل بحري، لكن عملياً ما يحدث الآن، أن الصيادين يلاحقون حتى ضمن مسافة الستة أميال، ولا يسمح لهم العمل بحرية، ما أضاف أعباء ثقيلة على الصيادين، وحرمهم من ممارسة حرفتهم بحرية وأمان.
وبدا المزارعون ممن تقع أراضيهم بمحاذاة خط التحديد شرق القطاع، أكثر غضباً، فهؤلاء يعانون الأمرين، ويتعرضون يومياً لإطلاق نار خلال محاولاتهم الولوج لمزارعهم، حتى تلك التي تبعد أكثر من 300 متر عن خط التحديد.
وقال المزارع علي جراد، إن الأوضاع عادت أسوأ مما كانت عليه قبل العدوان، وكثير من الأراضي الزراعية باتت محرمة على ملاكها، خلافاً لما كان متوقع وفق الاتفاق، الذي قيل أنه سيمكن كل مزارع من الوصول لأرضه وقتما شاء، ودون خوف أو خطر.
وضع معقد
من جانبه أكد د. إبراهيم أبراش، الكاتب والمحلل السياسي، أن الوضع في قطاع غزة وأراضي السلطة الفلسطينية معقد، ومتشابك، فبالإضافة إلى وجود خلل في النظام السياسي الفلسطيني، جراء الانقسام، والمناكفات التي تبعته، فإن ثمة لاعبين آخرين يتحكمون في مصير غزة، ومصير الفلسطينيين بأكملهم.
فبالإضافة إلى إسرائيل التي تفرض حصارها وتخنق غزة، هناك مصر التي تغلق المعبر، وتضع شروطاً مسبقة لفتحه، وكذلك الدول المانحة، التي ربطت تمويل إعمار غزة بشروط تريد تحقيقها، لذلك فكثرة اللاعبين يزيد الأمور تعقيداً وضبابية.
وأكد أبراش في حوار مع "الحدث"، أن الحل يكمن في أمرين، الأول إنهاء الانقسام، ووضع حد للخلافات السياسية الفلسطينية، وثانياً يجب وضع رؤية سياسية جديدة، وفق قواعد جديدة، تعيد الاعتبار لغزة، وتحل مشاكلها، التي باتت لا تعد.
استبعاد حرب
واستبعد أبراش حدوث عدوان أو حرب جديدة على غزة، لان تجارب الحروب الثالثة فشلت، ولم يسبق لأي معركة خاضتها الفصائل في غزة، أن تسهم في تحويل الواقع إلى الأفضل، كما أننا لازلنا نعاني وبشدة من آثار العدوان الأخير، إضافة إلى أنه وفي حال بادرت فصائل المقاومة الفلسطينية لافتعال جولة قتال جديدة، قد تستغل إسرائيل ذلك، خاصة وأن الأجواء العامة في غير صالحنا حالياً، وتشن حرباً شاملة، هدد بها قادتهم سابقاً.
وكانت وكالة الغوث الدولية "أونروا"، أكبر المشرفين على عملية الإعمار وتأهيل المنازل المتضررة في قطاع غزة، أعلنت وقف برنامج توزيع المساعدات النقدية على متضرري العدوان الإسرائيلي الأخير، بعد نفاذ ما لديها من أموال، وعدم إيفاء المانحين بتعهداتهم، ونقل الأموال إليها.