بعد كل هذا المخاض والذي استمر سنوات من أجل إعادة الوحدة ورسم خارطة الطريق لمجابهة التحديات الخطيرة محلياً وإقليمياً؛ لم يشعر المواطن الفلسطيني بأن هكذا لقاء بشخوصه وبرنامجه وخطاباته يرتقي إلى الحد الأدنى المطلوب لمثل هكذا تحديات.
إن حالة الانهيار الشامل والتي وصلنا لها تستدعي أسلوباً وطريقاً وشخوصاً مختلفين.
لقد بات ما تبقى من قضيتنا أكبر من شعاراتنا وخطاباتنا المكررة والمُستهلكة وواضح تماماً أننا نقف عاجزين أمام هول الصدمة، ولا أعتقد أن ما وصلنا لهُ وليد الصدفة أو الحظ بل هو تراكم استهتار وإهمال وسوء إدارة عامة من كامل فئات وقوى هذا الشعب بمن فيهم كاتب هذا المقال "لا أستثني أحداً" ولو بتفاوت.
إننا أيها السادة في العام 2020 وليس في ستينات أو سبعينات القرن الماضي، ولم يعد التباكي بشعارات حق تقرير المصير والمقدسات والعودة والاستيطان والجدار وغيره من شعارات؛ كفيلا وكافيا بأن يوحد شعبنا أو يُجند الرأي العام العالمي لدعمنا والوقوف إلى جانبنا.
ليس عيباً أن نُعلن أننا بأزمة مُخيفة وليس عيباً أن نعلن أننا فشلنا لأننا قد نكون أصبنا في مرحلة مُعينة ولكننا الآن نواجه مُعضلة مُستفحلة على كافة الصعد فالظروف تغيرت والوقائع تغيرت والعالم كلة أصبح عالما مختلفا.
ومن هنا وإذا سمح لي الاجتهاد فأنا أرى أننا أمام مرحلة جديدة تماما تستدعي المسؤولية والوعي والفكر والعلم والتواضع، وهذة بعض أفكارها:
اولاً: علينا إعادة تعريف مصطلحات قد رسمت… وصيغت سابقاً وأصبحت كأنها مقدسات غير قابلة للنقاش والسؤال هنا مثلا لماذا الإصرار على أن حق تقرير المصير لشعبنا يعني دولة في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس.
لماذا لا يمكن إعادة بحث هذا التعريف ليتناسب مع الوقائع الجديدة على الأرض فمثلاً أين الجليل والمثلث وأمور أخرى.
ثانياً: علينا العودة إلى الواقع الذي حكمنا نفسنا به، وهو أننا حصلنا على حكم ذاتي وليس دولة مستقلة كاملة السيادة، أي أننا ما نزال تحت الاحتلال وهنا علينا إعادة تعريف لمصطلحاتنا ونمط حياتنا وسلوكنا ومسمياتنا ومصاريفنا وغيرة… ونعود لحجمنا الطبيعي.
ثالثاً: القوى الوطنية بكل مكوناتها قدمت الكثير عن طريق النضال والكفاح الطويل ولكن أعتقد أن الأوان قد حان لمراجعة شاملة للبرامج والشعارات والقيادات وهذا شيء طبيعي لأن التغيير لا يمكن أن يتم بنفس الأدوات والشخوص التي قادت المرحلة السابقة بما لها وما عليها.
رابعاً: إن تسارع التطورات العلمية والتكنولوجية على هذا الكوكب وصل إلى حالة لم يعد فيها مكان للمتفرج أو المُتباكي ولهذا فعلينا أن نكون فاعلين ومساهمين لما يجري من تطورات واكتشافات ونشكل نموذجاً في النزاهة والصدق والمحبة وهذا حتماً لن يتم بنفس طريقة العمل والتفكير الحالية.
وحتى ننجح علينا أولاً وقبل كل شيء إطلاق العنان للأجيال الجديدة للأبناء والأحفاد ونستمع إلى همومهم وطموحاتهم وأفكارهم فهم لا يفكرون مثلنا ولا يعيشون على أمجاد وتاريخ الماضي، إنهم المتعلمون والمتفتحون والذين بأفكارهم ووعيهم يستطيعون مخاطبة العالم بعقل وقلب منفتح ليرسموا لهم وللأجيال القادمة برنامجاً ووسائل تختلف عن ما هو حالياً.
إن التايخ لن يغفر وتطور وتسارع الأحداث على هذا الكوكب يفوق الخيال فكل ما نطلبه منكم أيها السادة أن تحافظوا على شرف تاريخكم وما قدمتموه من جهد أصبتم أو أخطأتم فيه ولكن آن الأوان للتغيير برنامجاً وسلوكاً وشخوصاً وفكرا وممارسة.