تِبعاً لبيانات منظمة الصحة العالمية المحدّثة لغاية 10/9/2020م، فقد بلغ عددُ الإصابات بـ COVID 19) فيروس كورونا المستجدّ) أكثرَ من 28 مليون إنسان، فيما قاربت حالات الوفاة بسببه إلى المليون حالة، أما في فلسطين، فقد بلغت عدد حالات الإصابة المؤكدة بتلك الجائحة (37,214)، وعدد الوفيات (224).
ومن خلال قراءة تحليلية للبيانات الخاصة بجائحة كورونا في فلسطين، فإن المنحنى البياني لتطور الإصابات بتلك الجائحة مرعب وخطير جداً، وميل المنحنى يتصاعد بشكل حادّ وغير خطيّ، ومؤشر ذلك أن مجموع الإصابات بفيروس كورونا خلال أشهر (آذار، نيسان، أيّار) بلغ (448) حالة فقط، في حين عدد الإصابات في الأيام العشرة الأولى من شهر أيلول بلغ (6,124) إصابة، أي أن عدد الإصابات في الأيام العشر الأولى من شهر أيلول الحاليّ، بلغ أكثر من 13 ضعف عدد الإصابات على مدار ثلاثة أشهر في الربيع الماضي، وهو مؤشر جِدُّ خطير على المنحى التصاعدي للجائحة، وما يترتب عليها من تبعات صحيّة واقتصاديّة واجتماعيّة.
وبالعودة إلى الأرقام والإحصاءات، فإن السبب الرئيس لتفشي الجائحة في المجتمع الفلسطيني هو " الفَوْضَى المُجْتَمَعِيّة" في زمن الكورونا، المتمثلة في تنظيم الأعراس والحفلات والمآتم والمناسبات الاجتماعيّة، وكأن المشهد الكورونيّ قد أَفَل وغاب؛ إذ أشارت بيانات وزارة الصحة الفلسطينيّة إلى أن "الانتقال المجتمعي" كان المصدر الرئيس لحالات الإصابة بفيروس كورونا في فلسطين؛ مما يشير إلى أنّه حتى لو أغلقت السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة المعابر والحدود كافّة، وفرضت الإغلاق المشدد على جميع المدن والقرى والمخيمات، على صعوبة ذلك بسبب خصوصيّة الظرف الفلسطيني وعدم السيطرة على المعابر أو حتى المناطق المصنفة (ج) التي تشكّل حوالي 61% من أراضي الضفة الغربيّة، وعلى التبعات الوخيمة على الاقتصاد الفلسطيني، والذي فقد لغاية الآن 3 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي GDP)) بسبب الجائحة، وأن مسببات تفشي جائحة كورونا لا تزال قائمة كونها بالأساس مرتبطة بالثقافة المجتمعية السائدة القائمة على "عدم الالتزام" والاستهتار واللامبالاة، بل والأنكى من ذلك أنه لا تزال هناك شريحة من المجتمع تنفي وجود الفيروس من أصله، وشريحة أخرى لا تزال تعيش نظريات المؤامرة، وتتعمق بها لدرجة أن كل المشهد اختلط عليها، وفقدت البوصلة.
إن التقديرات الصحيّة الدوليّة والاقليميّة والمحليّة تشير إلى موجة قادمة من جائحة كورونا مع قدوم الخريف والشتاء، الأمر الذي يتزامن مع عودة الطلبة إلى مدارسهم وجامعاتهم؛ مما يدق ناقوس الخطر حول وجوب الالتزام بتدابير الوقاية وبشكل صارم، والحد من "الفوضى المجتمعية" المرتبطة بالتعامل مع جائحة كورونا، والتي يتحمل أيضا فيها صنّاع القرار مسؤوليات متعددة، منها تشديد الإجراءات بحق المخالفين، والقضاء على ظاهرة "الاستثناءات" والتي تعدّ مدخلا لكسر القوانين والأنظمة والتعليمات، و"جوكر" اللعب والتجاوز للتعليمات والتدابير الصحية.
وكذلك إن عدم الالتزام بإجراءات الوقاية من فيروس كورونا من المجتمع يساهم بشكل مباشر في تفشي الجائحة، وفي "قتل" المئات من أقاربهم وأحبتهم، وتعريض حياة الآلاف أيضاً للخطر الشديد، خاصة من الآباء والأمهات والأجداد من كبار السن، وذوي الأمراض المزمنة والمناعة الضعيفة، والباب لا يزال مفتوحاً على مصراعيه؛ لمزيد من الإصابات تبعا لتحليل السلسلة الزمنية لانتشار الجائحة في فلسطين، والتي ستنتج بالضرورة مزيداً من حالات الوفاة.
إن استمرار تدفق "الفوضى المجتمعية" في التعامل مع جائحة كورونا، هو يتنافى ومنظومة القيم والأخلاق، فالالتزام من أطياف المجتمع كافّة بإجراءات الوقاية لم يعد خياراً شخصياً، أو ترفاً فكرياً، وإنما هو واجب وطنيّ وأخلاقيَ وقيميَ، وهو تطبيق لمفهوم المواطنة الصالحة، فالتكلفة الأكبر على المجتمع الفلسطيني هي تفشي الجائحة، وتصاعد منحنى الإصابات لتقترب إلى عواقب لا تحمد عقباها، ولن تقتصر تلك التكلفة على حالات الوفاة فقط، على أهميتها، وإنما ستتجاوزها لأثار بعيدة الأمد تتمثل في ندوب غائرة في الاقتصاد الوطنيّ، وفي تبعات مكلفة في المشهد الاجتماعي في فلسطين بمكوناته كافّة من صحة وتعليم وحماية اجتماعية واتساع رقعة الفقر وارتفاع معدلات العنف، لذا لم يعد الأمر اختيارات او اجتهادات... فإما الالتزام .... او الهاوية.