الحدث فكر ونقد
بالنسبة لأوروبا، كما الشأن في مناطق عديدة تنتمي إلى النصف الشمالي من الكرة الأرضية، يمثل الأسبوع الثاني والثالث من شهر غشت لحظة زمنية متوقفة، لأنه بعد سنة من العمل يذهب الأكثر حظوة للتمتع بعطلة؛ وخلال هذه الفترة يتصور الجميع طبيعة مشاريعه المقبلة وتطرح أسئلة تنصب على حيثيات الدخول الجديد. اعتدنا على أسئلة مألوفة، من قبيل: أيّ مستقبل ينتظر عائلتي؟ كيف ستكون ظروف عملي؟ ما هي المشاريع التي بوسعي التطلع إليها؟ كيف ستكون أجواء عودة أبنائي إلى المدرسة؟.
لكن خلال هذه السنة، انبثقت أسئلة أخرى غير مألوفة، مثل: هل من الضروري إرسال أطفالي إلى المدرسة؟ هل يقتضي الوضع تغيير مقر سكني الحالي ما دمتُ اخترت مواصلة عملي وفق أسلوب الاشتغال عن بعد؟ هل يلزم الحفاظ على ذات المهنة؟ وبالنسبة للبعض: كيف أعيش حينما أدرك بأن نشاطي التجاري، وكذا مقاولتي، ثم نشاطي، لن يصمد مختلف ذلك في ظل هذه الأزمة؟ وبالنسبة للبعض، كذلك: كيف يمكنني الاستمرار، وأنا أعرف بأن تجارتي، مقاولتي، ومجالات نشاطي، عاجزة عن مقاومة هذه الأزمة؟ ثم بالنسبة للبعض الآخر: كيف لي الدَّأب على المقاومة من أجل الحياة، في حين أن العديد من أقربائي، بل وأنا ضمنهم، هاجمهم المرض أو يتهددهم مرض غيره؟.
تتمثل أفضل طريقة، بالنسبة للكثيرين من أجل مجابهة هذا الوضع، في التغاضي عن ما يحدث، والاكتفاء باللحظة، في إطار جحود ليس فقط نحو الراهن بل المستقبل كذلك. والاقتداء بنصيحة لوكيوس سينيكا، بين طيات رسائله إلى جايوس لوسيليوس، التي كتبت على وجه السرعة، نظرا لعلمه بحتمية موت ينتظره، قرره في حقه الإمبراطور نيرون: "قد نتعذب بسبب شيء معين أكثر مما يدعو واقع الأمر، وقد نتعذب بسبب شيء معين قبل أن يكون ذلك ضروريا، وقد نتعذب بسبب شيء ليس حتما ضروريا. نضاعف عذابنا، نتعجَّل أمره، ونخلقه".
مع ذلك، من الضروري بالنسبة للوقائع الحالية، أن نموقع المستقبل أمامنا، كي نستعد له. لأن العديد من مقتضياته، حتى ذات المدى القريب، تتوقف على مبادرتنا.
عمليا، خلال الوقت الراهن سواء في فرنسا وأوروبا: لم تعد تفصلنا سوى أيام قليلة لتجنب الكارثة حين العودة إلى المدارس:
*بضعة أيام كي نقر بمصداقية دخول مدرسي يستند على حضور جسدي، أو على العكس اختيار نمط التدريس عن بعد. مبدئيا، سيكون من باب الوهم، إذا اعتقدنا بأن الأطفال وقد أرسلناهم جميعا إلى حجرات المدارس والمؤسسات التعليمية، سيأخذون على محمل الجد مسألة وضع الكمامات كي يجنبوا آباءهم عدوى الفيروس. أباء يغادرون بدورهم يوميا منازلهم، متوجهين إلى العمل. لذلك، فإن بلدا مثل كوريا الجنوبية، واجه الوضعية بكيفية مثالية، لم يفرض على العمال الحجر الصحي، بل ألزم به الأطفال فقط منذ الأيام الأولى للوباء. هل نحن على أهبة الاستعداد من أجل تعميم آلية التعليم عن بعد، والذي بكل منطق، سيفرض نفسه سريعا جدا، إذا انطلق الوباء مجددا.
*بضعة أيام كي نبلور مخططا حقيقيا لدعم المقاولات التي تعيش صعوبة عابرة، وكذا إعادة تأهيل مقاولات أخرى فقدت تماما مبرر وجودها وكذا دعم المستخدمين الذين اكتووا بما جرى، رغم كل المجهودات الأوروبية والوطنية، فما زالت تفصلنا مسافة بعيدة فيما يتعلق بتفعيل استراتيجيات دقيقة.
*بضعة أيام قصد تهيئ جواب حقيقي يهم الجوانب النفسية وكذا الأمراض العقلية، جراء ارتفاع وتيرة الاضطرابات، وكذا الهذيانات، الفردية والجماعية، جراء الهزات التي أصابت العادات السائدة بسبب تداعيات عن الوباء.
*بضعة أيام لتقديم ميزانية واقعية بخصوص سنة 2021، تضع أساسا نصب أعينها التركيز على تنمية محالات اقتصاد الحياة، وإعادة ملاءمة قطاعات أخرى، متأخرة جدا.
بالتأكيد تشغلنا مقتضيات مستعجلة؛ شخصية وعمومية؛ أفراح وأحزان. تراجيديات يكابدها أصدقاؤنا؛ أشكال من الظلم، والإقصاء، والاختلال، دون التغافل عن التهديدات الكونية.
إذا تأملنا مختلف ذلك جيدا، سيقودنا نحو سؤال وحيد، توخى سينيكا طرحه بطريقته على لوسيليوس: هل استوعبنا بأن سعادتنا تتعلق بما نعرف تبليغه إلى الآخرين؟ بمعنى ثان: هل استوعبنا بأن سعادة أجيال المستقبل تندرج ضمن أكثر اهتماماتنا أنانية؟
سياق، يحيلنا على الأولوية الجوهرية المتعلقة بالراهن: الدخول المدرسي. إن تم الإعداد له على أفضل وجه ممكن، على جميع مستوياته، المباشرة وغير المباشرة، فإننا نبدع ثانية ممكنات مجتمع قابل للحياة بالنسبة للجميع. لكن حقيقة الواقع، تؤكد بهذا الخصوص أننا ما زلنا بعيدين جدا.
*مصدر المقالة:
[email protected]: 13 Août 2020.