الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

بين الفياغرا والمقاومة السلمية/ بقلم: ناجح شاهين

2020-09-14 09:43:42 AM
بين الفياغرا والمقاومة السلمية/ بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

نلسون مانديلا قائد حظي بإجماع من التقدير من فرقاء السياسة جميعاً على مستوى العالم كله. أتذكره منذ زمن بعيد وهو يرقص ويتحدث عن تناوله للفياغرا التي لا يستطيع غالبية أبناء شعبه أن يشتروها. حصل ذلك مثلما يذكر بعضنا في سياق زواجه من أرملة القائد الثوري "الشهيد" سامورا ميشيل. 

على سبيل أن الشيء بالشيء يذكر، تلقى الراحل فيدل كاسترو في وقت من الأوقات عرضاً بأن يحلق لحيته "التاريخية" باستخدام شفرات جيليت مقابل مبلغ كبير من المال، ولكنه رفض. ترى هل أخذ مانديلا المال، أم أنه تطوع مجانا للدعاية لشركة فايزر؟ جاكوب زوما خليفة "الرمز" مانديلا أدين بالفساد على نطاق واسع وتمت إقالته من منصب الرئيس.

 هل هناك مفاجأة؟ هل يختلف الرجل عن سلفه حد التناقض؟ أم أن مشروع التسوية في جنوب أفريقيا كان في طياته الكثير من متعلقات الرشوة السياسية والاقتصادية؟ بالطبع يفكر الناس البعيدين عن واقع جنوب أفريقيا الاجتماعي في حجم النصر المتحقق هناك: ما الذي فقده البيض بسبب "إنهاء" التمييز العنصري؟ هل خسروا امتيازهم بصفتهم الطبقة/ العرق البرجوازي الذي يسيطر على مفاصل الحياة الاقتصادية؟ يبدو أن الإجابة هي لا صريحة؛ لقد تنازلوا عن الإمساك المباشر بالمناصب السياسية مع احتفاظهم بالسلطة اللازمة لـ"تعيين" من يفوز في الانتخابات "الديمقراطية" غير العنصرية.

 حالهم يشبه حال أساطين سيليكون فالي وأباطرة السلاح والنفط والمضاربات في الولايات المتحدة من شاكلة بيل جيتس وجورج سورس: إنهم لا يترشحون للانتخابات ولكنهم يحددون من يفوز. 

تكمن خطورة نموذج جنوب أفريقيا في أمرين، أحدهما يخص جنوب أفريقيا، والآخر يعم فكرة المقاومة كونياً: أولاً تم خلق الوهم بأن معاناة السود في تلك البلاد التعيسة قد انتهت بتعيين "رئيس بلدية أسود" لإدارة شؤون السكان على حد تعبير أستاذي الماركسي الوحيد في جامعة بنسلفانيا الأسود أدولف ريد. لقد أصبح الاستغلال أسهل كثيراً وإمكانية المقاومة أضعف كثيراً. وهذا يشبه فوز باراك أوباما: لقد جاء إلى البيت الأبيض شخص "يخالف" كل ما هو شائع من عناصر الهيمنة في أمريكا. أسود، من جذور مسلمة… الخ، لا يمكن أن يكون هناك ما هو أفضل من ذلك أبداً. وهذا سهل أن يفعل أوباما ما يشاء دون اعتراض صغير من أحد. 

انظروا كيف يحصل العكس مع "الواسب" المتبجح دونالد ترامب الذي يسمح بتشكل معارضة لا بأس بها محلياً وخارجياً. كونياً، أطلقت إشاعة ضارة للحركات الثورية فحواها أن بالإمكان إنجاز التحرر الوطني والاستقلال عن طريق الوسائل السلمية وأساليب المقاطعة. بالطبع هناك مغالطتان هنا: أولاً لم يتم إنجاز أي شيء جدي في جنوب أفريقيا، ثانياً النضال في جنوب أفريقيا هو شكل من أشكال الصراع الاجتماعي/ الطبقي المتصل بألوان من التمييز العرقي/ السياسي، وهو لم يكن أبداً في أية لحظة لوناً من ألوان الصراع القومي. بهذا المعنى هذا الصراع يشبه الصراع في سياق حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة. في فلسطين الصراع بين الصهيونية والشعب العربي الفلسطيني يشبه الصراع بين البيض وسكان البلاد الأصليين (من أسماهم البيض بالهنود الحمر). 

من هنا ينتظر في حالتنا إما تكرار نموذج أمريكا وهو تطهير الشعب الأصلاني وإبادته، وبالتالي نجاح الصهيوني الأبيض في انتزاع الأرض كلها. أو تكرار نموذج الجزائر بتحرير الوطن وخروج معظم المستوطنين البيض إلى أوطانهم.

 لا فسحة فيما نحسب لتسوية تشبه جنوب أفريقيا: التشابه في الممارسة العنصرية بين نظام الفصل في جنوب أفريقيا والدولة الصهيونية لا يعني تماثل المشروع في بنيته الجوهرية. ربما علينا أن نذكر أن الدول الاستعمارية كلها قد مارست التمييز العنصري ولكنها لم تكن إلا في حالات قليلة مثل حالتنا تنوي تطهير سكان البلاد أو إبادتهم. نتوهم أن وضع تمثال ضخم لنلسون مانديلا في حي الطيرة (هل نقول البرجوازي؟) في رام الله ينشر دلالة رمزية إيهامية لا محل لها في سياقنا أبداً. ترى لو وضع تمثال أصغر منه لجيفارا أو تشافيز أو وديع حداد أو يحيى عياش أو فتحي الشقاقي أو حسن نصر الله...الخ هل كان جيش "الدفاع" سيتأخر ساعة واحدة عن واجب اقتحام رام الله وتفجير النصب "المحرض على الإرهاب"؟