الخميس  21 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هل لدى الحكومة الفلسطينية خطة للخروج من الأزمة المالية؟

2020-09-14 12:50:42 PM
هل لدى الحكومة الفلسطينية خطة للخروج من الأزمة المالية؟
أرشيفية

 خاص الحدث

تعاني السلطة الفلسطينية منذ عدة أشهر أزمة مالية كبيرة أثرت بشكل واضح وكبير على مختلف مناحي الحياة، ويمكن إجمال أسبابها بـسببين رئيسيين: الأول؛ جائحة كورونا وتأثيرها على مجمل الاقتصادات في العالم، بما في ذلك الاقتصاد الفلسطيني والإغلاقات التي رافقت ذلك وتعطل عمل بعض المؤسسات، والثاني؛ عدم استلام أموال المقاصة من الإسرائيليين، بعد قرار القيادة الفلسطينية في آيار الماضي وقف كل أشكال التنسيق مع إسرائيل، في ضوء نية الأخيرة تنفيذ مخطط ضم أراض في الضفة الغربية.

وكان أحد أبرز مظاهر الأزمة عدم قدرة الحكومة على تسديد كامل رواتب الموظفين، إذ تظهر بيانات حصلت عليها صحيفة الحدث، أن الفاتورة الشهرية للأجور والرواتب في السلطة الفلسطينية تبلغ حوالي 860.8 مليون شيقل، وقد التزمت الحكومة بتسديد راتب كامل حتى نهاية شهر نيسان 2020، فيما سددت ما نسبته 50% من الراتب عن الأشهر أيار وحزيران وتموز، بقيمة إجمالية تقارب 60% من إجمالي فاتورة الرواتب الشهرية، فيما لم يتم تسديد قيمة راتب شهر آب 2020.

وتبلغ قيمة المتأخرات من إجمالي فاتورة الأجور والرواتب عن الأشهر أيار وحزيران وتموز ما يقارب 220% من الفاتورة الشهرية ((40% × 3) + 100%)) وبقيمة إجمالية تساوي حوالي 2 مليار شيقل.

وتظهر البيانات أن فاتورة الأجور والرواتب توزعت بحسب مراكز المسؤولية بين أربعة بنود رئيسة:

 الأمن والنظام العام بنسبة (39.7%)، وزارة التربية والتعليم (33.8%)، وزارة الصحة (10%)، الخدمات العامة والإدارة العامة (8.4%) في المرتبة الرابعة، وأخيراً القطاعات الأخرى (8%).

 وبلغ صافي المتأخرات المترتبة على الحكومة من غير الأجور حوالي 15.5 مليار شيقل، فيما تبلغ قيمة المتأخرات بما يشمل مستحقات الموظفين حوالي 17.5 مليار شيقل حتى نهاية شهر آب 2020 (أو ما يعادل 4.8 مليار دولار)، مرتفعةً بنسبة 14% عن ذات الفترة من العام الماضي.

وارتفع الدين العام الحكومي حتى نهاية شهر تموز 2020 ليصل إلى ما يقارب 3.3 مليار دولار (حوالي 11.3 مليار شيقل)، منها ما يقارب 58% دين حكومي محلي و42% للدين الحكومي الخارجي.

وشهدت الفترة الماضية ارتفاعاً في حجم الائتمان الممنوح للحكومة من قبل الجهاز المصرفي ليبلغ حوالي 1.7 مليار دولار حتى نهاية شهر تموز، مشكلاً ما يقارب 11.9% من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، ومن المتوقع ارتفاعه ليصل إلى حوالي 1.9 مليار دولار حتى نهاية شهر آب 2020.

وتوزع الائتمان الممنوح للحكومة من قبل الجهاز المصرفي بين الشيقل الإسرائيلي الذي استحوذ على نحو 75.4%، والدينار الأردني بحصة بلغت نحو 18.8%، في حين بلغت حصة الدولار الأمريكي نحو 4.6% فقط.

ويظهر توزيع الائتمان المحلي الحكومي بالعملات المختلفة، اعتماد الحكومة الفلسطينية على الاقتراض بالشيقل الإسرائيلي، وتجنبها الاقتراض بالعملات الأخرى، وذلك في محاولة منها لتجنب تقلبات أسعار الصرف خاصة وأن الجزء الأعظم من إيراداتها ونفقاتها تتم بعملة الشيقل الإسرائيلي.

وبلغ الدين الحكومي الخارجي حوالي 1.3 مليار دولار، أو ما يعادل 8.9% من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي. وقد ارتفع الدين الخارجي بقيمة القرض المقدم من البنك الوطني القطري بواقع 250.6 مليون دولار، ويتميز الدين الخارجي بأن معظمه دين طويل الأجل، على العكس من الدين المحلي الحكومي.

ويتوزع الدين الخارجي بين قروض مقدمة من صندوق الأقصى بقيمة 513 مليون دولار، ومن البنك الدولي بقيمة 273.6 مليون دولار، وقروض ثنائية بقيمة 144.2 مليون دولار، فيما توزع باقي الدين الحكومي الخارجي البالغ 363.3 مليون دولار بين قروض مقدمة من الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والبنك القطري الوطني، والبنك الإسلامي للتنمية، وبنك الاستثمار الأوروبي، ومنظمة الأوبك، والصندوق الدولي للتطوير الزراعي.

وتوضح البيانات أن قيمة المتأخرات للقطاع الصحي تبلغ حوالي مليار شيقل حسب المطالبات المبلغ عنها من قبل المستشفيات وشركات الدواء في فلسطين حتى نهاية شهر حزيران.

كما وتبلغ مستحقات هيئة التقاعد على وزارة المالية ما يزيد عن 6 مليار شيقل، ومتأخرات المقاولين وقطاع الإنشاءات ما يقارب 600 مليون شيقل.

وبلغت قيمة فاتورة المقاصة المحتجزة لدى الإسرائيليين حوالي 1.6 مليار شيقل حتى نهاية شهر آب 2020، وذلك عن الأشهر أيار حتى آب 2020، فيما تراجع حجم الإيرادات المحلية ليصل إلى حوالي 200 مليون شيقل شهريا بانخفاض بلغت نسبته 30% بسبب الأزمة الصحية.

ويتضح من البيانات السابقة أن السيناريوهات المتوقعة للأزمة المالية تأتي في سياق فترتين، الأولى؛ من بداية شهر أيار ولغاية نهاية شهر آب 2020، وتبلغ خلالها مستحقات الموظفين على الحكومة خلال الفترة ما يقارب 2 مليار شيقل، فيما تبلغ قيمة المقاصة المحجوزة لدى الإسرائيليين ما يقارب 1.6 مليار شيقل، بمعنى أن إيرادات المقاصة لن تسدد قيمة مستحقات الموظفين، عدا عن متأخرات القطاع الخاص والبنوك.

أما الفترة الثانية؛ فهي من بداية شهر أيلول ولغاية شهر كانون الأول 2020، وفي حال عدم استلام المقاصة حتى نهاية العام، فإنه من المتوقع أن تبلغ قيمة المقاصة عن فترة الأشهر الأربعة المذكورة ما يقارب 1.6 مليار شيقل، فيما ستبلغ قيمة الإيرادات المحلية التي من المتوقع تحقيقها عن الأشهر الأربعة ما يقارب 800 مليون شيقل (200 مليون × 4 أشهر).

وخلال الفترة الثانية (من بداية أيلول حتى نهاية كانون أول) من المتوقع أن تبلغ قيمة نفقات الأجور والرواتب ما يقارب 3.5 مليار شيقل، وإذا ما قررت الحكومة تسديد 50 % من الراتب للموظفين خلال تلك الفترة بواقع 60% من حيث القيمة، تكون قيمة الرواتب التي سيتم صرفها 2.1  مليار شيقل، وبذلك تكون قيمة العجز الناتجة عن تسديد 50% من فاتورة الرواتب ما يقارب 1.3 مليار شيقل (2.1 مليار شيقل– 800 مليون شيقل)، وقيمة المتأخرات لصالح الموظفين حوالي 1.4 مليار شيقل (40%×3.5 مليار شيقل)، ليبلغ إجمالي العجز الكلي خلال المرحلة الثانية حوالي 2.5 مليار شيقل (1.1 +1.4)، مقابل متأخرات لدى الإسرائيليين تقدّر بحوالي 1.6 مليار شيقل.

 ويتوقع أن يبلغ صافي العجز في الدين العام من بداية شهر أيار ولغاية شهر كانون الأول 2020 حوالي 2.9 مليار شيقل على النحو التالي: صافي عجز المرحلة الأولى بواقع 400 مليون شيقل، صافي عجز المرحلة الثانية بواقع 2.5 مليار شيقل، يضاف على ذلك صافي الاستدانة من البنوك بواقع 1.4 مليار شيقل ومتأخرات القطاع الخاص والقطاع الصحي وغيرها من القطاعات.

 وتثير هذه البيانات أسئلة حول خطة الحكومة لتغطية العجز المتزايد في الموازنة، والكيفية التي من خلالها سيتم تسديد الديون، والسبب الذي يمنع من استلام المقاصة رغم أنها أموال من حق الفلسطينيين، وأيضا ما إذا كانت الحكومة قد وضعت خطة لتخفيض النفقات.

وفي خضم هذه الأزمة المالية الكبيرة، يظهر كذلك سؤال مهم حول تعاطي الحكومة مع الديون التي لصالحها، كتلك التي على شركة أوريدو، والتي تبلغ 214.5 مليون دولار (حوالي 830 مليون شيقل) والتي يمكنها المساهمة نسبيا في حلحلة جانب من الأزمة، على سبيل المثال في الجانب المتعلق برواتب الموظفين، ومع ذلك لا يتضح أي نية لدى الحكومة على تحصيلها، رغم تصريحات وزير الاتصالات إسحاق سدر في حزيران الماضي بأن وزارته لن تتوانى في تحصيل الديون المستحقة على أوريدو، والتي كانت من المفترض أن تدفع بين عامي 2012 - 2014.

وبحسب معلومات توصلت إليها صحيفة الحدث، فقد زادت إيرادات السلطة من الرسوم الجمركية المفروضة على السجائر بين (10 إلى 12) مليون دولار شهريا بدءا من شهر آيار بسبب إغلاق المعابر مع الأردن الناتج عن أزمة كورونا، حيث توقفت عمليات تهريب السجائر، وإذا بقيت هذه الزيادة بنفس الوتيرة فمن المتوقع أن تصل قيمتها مع نهاية شهر كانون أول 2020 من (80 إلى 96) مليون دولار، وهو مبلغ أيضا مهم في سياق هذه الأزمة المالية، خاصة إذا ما أضيفت له الديون المستحقة على شركة أوريدو القطرية، وهذه خيارات متاحة أمام الحكومة يجب أن تتعامل معها ضمن مجموعة واسعة من الخيارات التي يجب أن تصيغها.

ويبقى السؤال الأهم بشأن قدرة الحكومة على الاستمرار ماليا في ظل الوضع القائمة خاصة في ضوء التجاذبات السياسية في المنطقة، ومدى توفر الخطط للتعامل مع هذا الواقع أو مصارحة الشعب ووضعه أمام مسؤولياته ليقرر مصيره ومستقبله في ظل هذه الظروف.