الحدث.
بعض المصطلحات التي تنتشر عبر جهات معينة تعبر عن رؤية وعن نمط تفكير وعن محاولة لتعميم هذا النمط في عقول أوسع شريحة من الناس، في نفس الإطار؛ تقع تسمية مسلسل فوضى الاسرائيلي الذي يتناول ما يقول منتجو الفلم أنه وصف لقصة أطول مطاردة ﻷخطر مقاتل فلسطيني.
فهم يدركون أن مسلسل كهذا سيلاقي رواجا كبيرا، فالرجل الذي يتناول قصته الفلم صامت ولم يسمع له ومنه غالبية الناس، وحتى من التقوا به عرضا في مراحل معينة من حياتهم يجمعون على وجود هذه الخاصية فيه.
خلال انتفاضة الحجارة عام1987م كانت مخابرات الاحتلال تشيع عبر عملاءها مصطلحانتفوضى في إشارة إلى الانتفاضة، وهدف هذا المصطلح وغيره كان تسخيف وتحقير وفض الناس عن فكرة مقاومة الاحتلال، وشطب الأبحاث الإيجابية لمصطلح الانتفاضة عبر ترسيخ أخرى سلبية لمصطلح نتفوضى، وبعد أكثر من عقدين ونصف تقريبا نجدهم يستعيرون نفس المصطلح بقالب درامي مشوق، لترسيخ الفكرة في عقل المشاهد الفلسطيني بوسائل أخرى هذه المرة.
فالفوضى بحاجة لترتيب، وبالتالي فهم يقدمون ثورة الشعب الفلسطيني على انها فوضى، نافين عنها كونها انتفاضة وثورة ضد الاحتلال، وهنا هم يقدمون جرائم وحدات المستعربين وكأنها نوع من الترتيب والتنظيم الذي يقوم به قتلة وغوغاء، بينما لا قيمة لمشاعر وأحلام وحقوق وطموحات الفلسطيني، وبإمكان فرق الموت المستعربة اقتحام أعراسهم وقتل العريس، الذي يعبر عن المستقبل، دونما انزعاج أو ندم او وخز ضمير.
يظهر ما شاهدته من المسلسل رجال المقاومة الفلسطينية وكأنهم مافيا، فما هي ضرورة ان يختطف المطارد اخاه من الشارع ليلتقي به ويعانقه ويبارك له بقرب زفافه؟ وما هي ضرورة ان يعطيه المال (نقوط زفافه) ملفوفا كما يفعل تجار المخدرات؟!.
ربما يكون هذا المسلسل محاولة لإعطاء صورة موازية لدراما المقاومة الفلسطينية التي وصلت إلى ذروتها في مسلسل الروح، بالإضافة إلى كونه محاولة لتذكير الإسرائيليين بأن جيشهم قام بعمليات جريئة واعتقل اكبر وأخطر مناضل فلسطيني، خاصة بعد هزيمة جيشهم أمام المقاومة الفلسطينية، ووقوفه عاجزا على أعتاب غزة، وبالتالي فإن هذا المسلسل يقع في إطار الحرب على الوعي والإرادة الشعبية لجمهورين مختلفين ومتناقضين، فبينما تحدثت دراما المقاومة عن الروح والانسان الطامح للحياة وصنع المستقبل؛ تحدثت دراما الاحتلال عن رؤية عنصرية ترى طموحات الفلسطيني على أنها فوضى بحاجة إلى ترتيب.
لا شك ان المسلسل يظهر جوانب مهمة من حياة المقاتلين الفلسطينيين، ويظهر جانبا مفترضا من حياة فرق الموت المستعربة، ولكن من المؤكد انه يعكس حجم الاختلاف الكبير بين نظرة الفلسطينيين وبين الاحتلال للصراع المستمر في فلسطين، وإن كان سيحظى بالمشاهدة، فالمؤشرات الأولية تقول إنه لن يخرج عن النظرة النمطية العنصرية الاسرائيلية تحاه الفلسطينيين وحقوقهم.