توصيف الحدث بمعايشته أدق بكثير من الحديث عنه دون ملامسة حيثياته.
كنت قبل ٢٧عاما قد التحقت بجامعة بيرزيت العملاقة وما هي إلا لحظات قليلة بعد إتمام التسجيل واستلام ما يعرف ببطاقة الطالب التي ما زلت أحفظ رقمها… كنت قد وجدت نفسي بوسط لا يختلف عن غيره سوى بحجمه الضئيل! كانت جماهير الطلبة تتمايز لا بخصائصها بل بمدى قدرة تواصلها مع التنظيم الذي يمول أجندتها... دورة حياة الطالب بوسطها الحسابي لا تتجاوز الأربع سنوات.. مع ذلك.. كان يدهشني ويثير استغرابي وجود بعض الطلبة الذين اعتادوا الترحال من تخصص لآخر ومن كلية لأخرى ليصل عمر بعض من أولئك إلى ما يزيد عن السبعة أعوام وأحيانا أكثر… بالواقع كان أولئك يسمون أنفسهم قادة العمل النقابي الطلابي…
الطالب الذي انعزل عن الحراك السياسي الكاذب كان بنظري الأكثر وعيا وتدبرا حيث أدرك مدى أهمية الابتعاد عن مسرح الكذب والتمثيل والأجندات الفارغة، بالواقع، بعض أولئك الذين ابتعدوا عن مشاهد المناكفة يقبعون حتى اللحظة بسجون الاحتلال!
حينما كانت تظهر نتائج انتخابات الجامعة كان الكل حينها يصنف نفسه بالسعيد المبتهج أو الغاضب الممتعض، أما أنا فلم أكن أرى بتلك الانتخابات ما يسعدني أو حتى ما يغضبني لإيماني العميق بأن الحالة الراهنة ما هي إلا استرسال لغياب وضمور واضمحلال شخصية الجماهير التواقة للتحرر وإحلالها بتلك التواقة للانقسام والتشرذم… والقدس تنزف دما! هل المشهد الديمقراطي الفلسطيني قد قدر له أن يظل مبتورا ينقصه الاقتدار الحقيقي !