الحدث ـ محمد بدر
اعتبرت صحيفة هآرتس العبرية أن الانتفاضة الثانية تشكيل الخريطة السياسية في "إسرائيل"، إذ تركت فترة العمليات الاستشهادية مخاوف نفسية وسياسية عميقة في أوساط الجمهور الإسرائيلي. تمت كتابة عدد قليل من الكتب حول هذه السنوات الدرامية ولم يتم إنتاج سوى عدد قليل من الأفلام الوثائقية. لا يتم ذكر فترة الانتفاضة كثيرًا في الجدل العام في "إسرائيل" وبالكاد تظهر حتى في الأفلام الطويلة أو الروايات من العقدين الأخيرين، لكن تداعياتها واضحة للعين. لقد تركت وراءها قلقًا كبيرًا على الأمن الشخصي للإسرائيلي وهو ما ينعكس على التصويت في الانتخابات الإسرائيلية.
وأضافت الصحيفة: "إلى حد كبير، يمكن القول أن هذا هو سر النجاح الطويل الأمد لبنيامين نتنياهو واليمين. عملية أوسلو، التي فشلت بسبب قائمة طويلة من الأسباب، اعتبرت منزلقا يجب تجنب تكراره. الرواية العامة السائدة هي أنه كلما انسحبت إسرائيل من المناطق، من جانب واحد أو باتفاق (مدن الضفة الغربية في أوسلو، إخلاء جنوب لبنان، فك الارتباط عن قطاع غزة)، كانت المنطقة التي تم إخلاؤها فيما بعد نقطة انطلاق للمقاومة وتنفيذ العمليات ضد الاحتلال. على الأقل حتى انتهاء الإجراءات القضائية ضد نتنياهو العام الماضي، كان ضمان الأمن الشخصي للمواطن وعائلته الاعتبار الأساسي الذي صوت الناخبون في ضوئه".
وتابعت الصحيفة: " لم يكن لدى اليسار الإسرائيلي إجابة حقيقية للآثار التي خلفتها العمليات الاستشهادية. نتنياهو، خلال سنوات الهدوء الأمني النسبي، باستثناء العمليات الدورية في قطاع غزة، تمكن من تكريس نفسه بأنه المدافع الأكبر عن الإسرائيليين (كما قال في كثير من المقابلات). كما أن كراهية العرب والخوف منهم، والتي ازدادت في ذروة العمليات الاستشهادية، تفسر أيضًا عددًا من الظواهر طويلة المدى، من الزيادة الكبيرة في عدد الناخبين الأرثوذكس المتشددين وفي ازدهار المنظمات اليهودية المتطرفة والعنيفة".
وقالت الصحيفة: "علاوة على ذلك، وبغض النظر عن الخلافات الأيديولوجية التي حالت دون التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين خلال الانتفاضة (مستقبل القدس والحدود والمستوطنات ومسألة اللاجئين)، بقيت مشكلة أساسية: انعدام الثقة الملحوظ بين الجانبين، على مستوى القيادة وعلى المستوى العام. ربما تم التغلب على التفاصيل؛ الخوف المتبادل الذي نشأ في الانتفاضة ظل كما هو حتى بعد 15 عاما".
وترى الصحيفة أن الانتفاضة أعادت تشكيل السلوك السياسي للقيادة الإسرائيلي التي أصبحت تتصرف بعيدا عن الاستشارة وبمنطلقات فردية، ودور القيادة تغير في ظل الانتفاضة. تم تداول مقطع فيديو من عام 2005 على وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة، يهاجم فيه بنيامين نتنياهو، أرييل شارون، الذي كان رئيسا للحكومة خلال الانتفاضة، وقد وجه له نتنياهو في مقطع الفيديو بأنه يتصرف بمفرده، وهو ذات الشيء الذي يقوم به نتنياهو الآن. بالإضافة إلى الاشمئزاز الشخصي بين الاثنين، يؤكد شارون في الفيديو أن "الأعصاب الحديدية وحرية التصرف" ضروريتان للقيادة. كانت سحابة من الفساد تحوم حول شارون في تلك السنوات (حتى أن ابنه، عمري، حكم عليه بالسجن في قضية مرتبطة بوالده)، لكن شارون رغم ذلك كان يبحر في السياسة الإسرائيلية في ذلك الوقت، للأفضل وللأسوأ.
وأوضحت الصحيفة: "شارون كان الرجل الذي اتخذ بنفسه جميع القرارات الحاسمة: قرار العمل في عمق الأراضي الفلسطينية، في البلدات القديمة وفي مخيمات اللاجئين، من أجل وقف العمليات الاستشهادية في الضفة الغربية والتي بلغت ذروتها في عملية احتلال الضفة في آذار 2002)؛ قطع الاتصال برئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات (وفي الوقت نفسه، قرار عدم اغتياله، رغم المداولات الطويلة)؛ بناء جدار الفصل؛ وأخيراً فك الارتباط. شارون لم يتحرك يوم السبت ولم يغير رأيه كل أسبوع بسبب الضغوط الجماهيرية والسياسية التي مورست عليه".
وفق زعم الصحيفة: "كرست الانتفاضة الثانية تصورا لدى الإسرائيليين بأنه يمكن محاربة المقاومة الفلسطينية. في السنوات الأولى من أوسلو، ولاحقًا في بداية الانتفاضة الثانية، غالبًا ما كان هناك ادعاء مفاده أن الحرب الإسرائيلية ضد المقاومة الفلسطينية محكوم عليها بالفشل لأن الفلسطينيين يقاتلون من أجل حريتهم. لكن في الحقيقة اختار الفلسطينيون صراعا بلا حدود في الانتفاضة الثانية ضد كل مكونات الجمهور الإسرائيلي من خلال العمليات الاستشهادية وهو ما دفع الإسرائيليون لتأييد قيادتهم بشكل مطلق في خطواتهم الكبيرة والاستثنائية. كانت الانتفاضة، على حد تعبير رئيس الأركان آنذاك شاؤول موفاز، بمثابة حرب على المكان".