تنشط قيادات الفصائل الفلسطينية في الحديث عن الانتخابات كقاعدة للخروج من مأزق الانقسام.
هذا الحديث في البعد النظري ناتج عن انعدام قدرة الفصائل اجتراح حلول عملية للخروج من التشوه في الحالة السياسية والهيكل القانوني والإداري للسلطة بما يحقق تكاملية في بناء أطر قيادية جمعية لقيادة المقاومة.
في سنوات الانقسام، فقدنا مقومات العمل المؤسسي وساد مكانها العشوائية القائمة على خدمة الفصيل وبرنامجه بما لا يتقاطع بنيويا مع إمكانية نجاح أي عملية انتخابية.
للخروج من العموميات، يمكن الإشارة مباشرة إلى هذه المتغيرات في بنية المؤسسات والتي يمكن تلخيصها على النحو الآتي:
القضاء: يعد القضاء النزيه المناخ الحاكم لسلامة أي انتخابات في الدول الديمقراطية أو شبه الديمقراطية أو التي تعتمد الشكل الانتخابي على العموم.
القضاء لدينا تعرض إلى مجزرة في السنوات الأخيرة لذلك يحتاج إلى إصلاح بنيوي سواء كان ذلك على صعيد مجلس القضاء الأعلى، الدستورية، بنية العليا، بنية المحاكم تراتبيا والتي تحولت من الاستقلال إلى التبعية للحزب الحاكم يستخدمها لصالحه في أي توقيت يريد، الأمر والذي من شأنه إبطال الانتخابات برمتها وهذا ينطبق على بنية القضاء في التبعية على غزة.
ثانيا: المؤسسة الأمنية.. ليست نزيهة من حيث الاستقلالية، تغلب عليها البنية الحزبية، يكثر تدخلها السياسي، بل تصنع هي عبر أذرعها التوجه السياسي في كل مراحله، فهي القائمة على رسم بنية بعض الفصائل وحركتها، كذلك المجتمع المدني ومؤسساته والسلطة ومفاصلها إذ أضحى للمؤسسة الأمنية دولة عميقة أكثر مما كان عليه الواقع في الانتخابات السابقة.
ثالثا: السلطة: عملت شخصيا في الحكومة العاشرة واطلعت على تفاصيل بناء السلطة والتي يمكن توصيف بنيتها على أنها حزب أقرب من منظومة دولة، منذ العام ٢٠٠٧ تغير هذا الوصف جوهريا لتصبح أكثر تبعية للحزب الحاكم في الفئات العليا، ثم في الفئات الوسيطة والأغلب في الفئات الدنيا مما يمنع إمكانية تسهيل انتخابات دون عيوب كبيرة.
هذا ينطبق على غزة من حيث سيطرة كل من حركتي حماس وفتح، يعني ذلك أن بذور التفجير قائمة قبل انطلاقها على صعيد تهيئة الأجواء للانتخابات.
رابعا: البنية القانونية: منذ الانقسام صدرت مراسيم قانونية حدت من الحريات، ووضعت سقفا للحياة السياسية منها المحكمة الدستورية وقانون الجرائم الإلكترونية وغيرها من الأحكام التي بموجبها تم تجسيد حالة التشوه القانوني.
خامسا: قانون الانتخابات يحتاج إلى مراجعة كبيرة على صعيد احترام الكتل والتناوب وتحصين المجلس في حال الاعتقالات وغيرها من القضايا التي وجب تطويرها.
سادسا: البنية في الضفة الغربية مائعة من حيث الاستقرار الأمني لصالح انضباط انتخابات دون صراع خاصة في ظل بيئة بدأت تظهر فيها تكوينات مسلحة وحالات انفلات في بعض المناطق مما يجعل اللغة المقبلة قائمة على السلاح وإمارته المشاهدة والمعلومة.
سابعا : فتح كحركة تعيش انقساما، ومخاض عسير لولادة قيادة جديدة سنفرد لذلك مقال منفصل.
الحديث عن الانتخابات كأساس لترتيب البيت الفلسطيني يعد عدميا كون الوسيلة لا تصلح إلا إذا سبقها إصلاح جوهري في البنية والقانون والمؤسسة والثقافة.
هذا بالبعد الداخلي، أما على الصعيد الخارجي نحتاج إلى قدرة على إجابة الأسئلة الآتية:
أولا: ما هي الطرق التي تمنع الاحتلال من تقويض الانتخابات عبر وسائل الحصار ومنع المقاصة التي تعد الرئة الوحيدة لعيش السلطة؟
ثانيا: ما هي المساحة التي يمكن العمل بها في الفضاء العالمي دون اشتراطات الرباعية الدولية؟
ثالثا: ما هو التكييف الممكن لعملية لا تحظى بدعم عربي وأمريكي في مرحلة تعتبر الأخطر على القضية الفلسطينية؟
هذه الثلاثية كانت السبب الذي أعطى شرعية انهيار نتائج الانتخابات في ٢٠٠٧.
في واقعنا السياسي لا يمكن اعتماد الشعار أساسا لحل الأزمات، ولا منهجية يمكنها الخروج من المأزق الذي تعيشه القضية الفلسطينية.
ما أراه ممكنا في هذه المرحلة هو بناء يتعايش مع الأزمات وفق خطة تهدف إلى خلق مناخات تتيح انتخابات على أسس متينة عبر الآتي:
أولا: تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية مرحليا عبر تمثيل نسبي يعطي حماس وفتح نسب متقاربة لا تتجاوز ال ٦٠ % مع حضور تمثيلي لكافة الفصائل، مهمة المنظمة الجانب السياسي وإدارة برنامج مقاوم للمشروع الإسرائيلي، مع ضرورة وضع الأجنحة العسكرية ضمن تكوين المنظمة.
ثانيا: تشكيل حكومة
ثالثا: تشكيل حكومة إنقاذ وطني مكونة من الفصائل الفلسطينية يرأسها شخص اللواء جبريل الرجوب وينوبه في غزة الدكتور خليل الحية لترتيب هيكل قابل للتعايش مع واقع صعب، لكن يشترط وضع الأمن تحت مظلة وزارة الداخلية بكليته في الضفة وغزة.
رابعا: تشكيل لجنة حريات وظيفتها إنهاء ملفات المظلومية في الضفة الغربية وغزة لبناء أجواء يمكنها إنهاء التوتر.
مدة عمل اللجان والحكومة عام قابل للتمديد بحسب النتائج على الأرض.
المهمات المناطة باللجان تتعلق بإصلاح السلطة ودمج البنية الحكومية في غزة والضفة وإعادة الحياة السياسية والاجتماعية المدمرة جراء انقسام وترهل عام أصاب القضية الفلسطينية.
رفع سقف التوقعات دون عمل على الأرض محكوم بمخاطر كبيرة في توقيت خطر، إذ لم تبق أمام الفلسطيني إمكانية لتفجير جهد جاد بذل خلال الشهور الماضية لن ينجح الفلسطيني إيجاد مثيله لسنوات طويلة.
ملاحظة| المقالة قائمة على فرضية ان الأطراف مقتنعة بالمضي نحو مصالحة حقيقية.