الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

طباخ الرئيس/ بقلم: د. سامر العاصي

2020-10-06 11:26:13 AM
طباخ الرئيس/ بقلم: د. سامر العاصي
سامر العاصي

 

في اليوم الأول من العام 1966، قام قائد الجيش في جمهورية أفريقيا الوسطى "جان- بيدل بوكاسا"، بانقلاب عسكري على أول رئيس للجمهورية، وابن عمه، "داود داكو"، بحجة أن الرئيس قد خرج عن مبادئ الديمقراطية والعدالة والإنسانية ووو. وفي العام 1972، أعلن بوكاسا نفسه رئيسا للبلاد "مدى الحياة" بعد أن قضى على جميع معارضيه. وبدأ الرجل يتخذ مواقف سياسية متضاربة، فتارة يعلن دعمه الكامل للغرب مؤكدا تأييده لفرنسا وللفرنكوفونية، وتارة لمجموعة دول عدم الانحياز. ثم ما لبث الرجل أن قام بتأييد الكتلة الاشتراكية، معترفا بالصين الشعبية وبكوريا الشمالية، حتى أنه عندما زار الاتحاد السوفيتي، أعجب بالمطبخ الروسي، سائلا إن كان بإمكانه استعارة طباخ الكرملين للعمل في قصره. وبالفعل، تم إرسال "شيف" من الطهاة المهرة إلى أفريقيا الوسطى. الطريف ذكره، أن السفارة السوفيتية في العاصمة "بانجي" تفاجأت ذات ليلة بهروب "طباخ الرئيس" من القصر الجمهوري، وهو في حالة من الهلع والذعر والخوف الشديد، طالبا الحماية والعودة إلى بلاده "فورا". وعند سؤاله عن سبب خوفه وفزعه، أجاب المسكين، أنه رأى بأم عينيه جثثا مقطعة، موضوعة في ثلاجات القصر، تنتظره ليقوم بطبخها أو بشويها، وفق ما يشتهيه الرئيس. وتؤكد الكثير من الروايات أن الرئيس دعا وزرائه مرة، لتناول طعام العشاء معه، بعد أن طبخ لهم في ذاك العشاء الخاص، "جثة كبير معارضيه".

وفي أيلول من العام 1976، فاجأ بوكاسا (الذي بدأ يمل من لقب الرئيس مدى الحياة)، العالم كله، بأن أعلن إسلامه (ومعه كل الوزراء) على يد ضيفه وصديقه الرئيس الليبي معمر القذافي، الذي أنعم عليه باسم (صلاح الدين أحمد). ثم ما لبث الرجل أن ارتد عن إسلامه (معه ووزراؤه أيضا) بعد أن تلكأ العقيد بدعم أخيه المسلم الجديد. وعليه قرر بوكاسا أن يكون أعلى الحكام في أفريقيا شأنا واعتبارا، وأن يكون لقبه الجديد، "الإمبراطور بوكاسا" وليس الرئيس!

ولم تكن ميزانية أفريقيا الوسطى على استعداد بتاتا لتحمل عبء مثل هذا الإعلان الذي سيصحبه حفل لا بد أن يليق بأحلام صاحبه. الغريب ذكره أن بوكاسا أراد أن يكون حفل تتويجه الإمبراطوري، الذي جرى يوم 4 كانون الثاني من العام 1977، شبيها بحفل التتويج التاريخي للإمبراطور "نابليون بونابرت" الذي جرى يوم 2 كانون ثاني 1804. والحقيقة أن الشيء الوحيد "الشبيه" بين الحفلين هو ثوب التتويج فقط. فقد لبس الإمبراطور الأفريقي ثوبا كثوب بونابرت، بعد أن زاد من طوله مترين أو 3 أمتار. 

أما أوجه الاختلاف بين الحفلين فكانت كثيرة، منها أن البابا "بيوس السابع" كان قد حضر خصيصا من روما ليضع التاج فوق رأس نابليون، وإن كان نابليون قد أغضب البابا بأن أخذ التاج من يده ووضعه فوق رأس زوجته جوزفين بنفسه. ومع أن كنيسة النوتردام الباريسية قد غصت بكبار الضيوف من ممالك أوروبا، إلا أن أحدا من أمراء أو رؤساء أو ملوك أو أباطرة العالم حضر حفل التتويج، كما أن بابا الفاتيكان لم يغادر روما ليحضر حفل تتويج الكاثوليكي الوحيد في العالم "متعدد الزوجات"! بعد أن تأكد أن للرجل 17 زوجة! وقيل 18. 

ومن الطريف ذكره، أن بوكاسا كان قد قطع علاقاته الدبلوماسية مع مصر، بسبب رفض الرئيس السادات إهداءه "عربة الخديوي إسماعيل" الملكية، التي حلم بوكاسا بركوبها في حفل التنصيب. 

وجاءت فاتورة الحفل التي بلغت 20 مليون دولار (25% من ميزانية الدولة)، لتزيد من سخط الشعب المسكين على إمبراطوره الجديد. وسرعان ما ازدادت الحالة الاقتصادية "للإمبراطورية البوكاسية" سوءا. وجاءت انتفاضة تلاميذ المدارس ضد قرار إمبراطورهم بإلزامهم استخدام لباس مدرسي موحد، "غالي الثمن"، والتي تعود ملكية شركة الألبسة هذه، إلى إحدى زوجاته. وقام الجيش بقتل أكثر من 100 تلميذ، وقيل بأن بوكاسا شارك في تعذيب أطفال المدارس… وأكلهم. 

وفي أيلول من العام 1979 وبعد أن بلغ السيل الزبى، أرسلت فرنسا قواتها لإعادة تنصيب ابن عمه المخلوع "داود داكو"، بعد أن رضيت في الوقت نفسه باستضافة بوكاسا على أراضيها، وقيل بأن تناقض الموقف الفرنسي هذا، كان أحد أهم الأسباب التي أدت إلى عدم إعادة انتخاب الرئيس "فاليري جيسكار ديستان" آنذاك!.  

وفي العام 1986، قرر الرجل أن يعود من منفاه الباريسي إلى وطنه ليواجه 3 تهم نسبت إليه وهي، الخيانة العظمى، وقتل الأطفال والتنكيل بمعارضيه وأكل لحومهم. وتمت محاكمة بوكاسا بالتهمة الأولى والثانية، ليحكم عليه بالإعدام أولا، قبل أن يخفض الحكم إلى المؤبد!، ثم إلى 20 عاما، ثم ليفرج عنه في العام 1993، ليعاد إليه الاعتبار في العام 2010!. 

أما التهمة الثالثة، وهي "أكل لحم البشر"، فقد تم إسقاطها بسهولة من الجلسة الأولى بعد أن أجاب الرجل بكل بلاغة وثقة:-

-    لا! إنني لم آكل لحم البشر، لأن لحم البشر شديد الملوحة!.

ترى، هل ما زال أعداء شعوبنا العربية، ومن خلفهم زعماء قبائلنا وفصائلنا وأحزابنا، يستمتعون بأكل "لحمنا" المالح، أم أن لحم أجسادنا ما زال طريا، يسهل أكله وهضمه وبلعه، كما تبتلع أراضينا وتدمر أوطاننا؟ أم أن هناك "طباخين" ما زالوا يقومون بطبخنا وشوينا دون أن ندري أو نحس؟