للمملكة العربية السعودية مكانة خاصة لدى الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية على امتداد تاريخ القضية الفلسطينية وتاريخ المملكة العربية السعودية.
قد تختلف الرؤى بين فلسطين والسعودية في مرحلة من مراحل الصراع مع العدو الصهيوني فهذا الصراع ممتد لأكثر من مئة عام، ومواقف الدول في تحول مستمر بحثا عن مصالحها ولا يمكن للعلاقات بين دولتين أن تثبت على حال واحدة لعشرات العقود في عالم متغير بوتيرة متسارعة.
على سبيل المثال كم تبدلت السياسات والمواقف السعودية من مصر وقياداتها أثناء العهد الملكي حول الخلافة ثم في عهد الرئيس جمال عبد الناصر حول القومية ووضعها في مواجهة الإسلام ثم في عهد أنور السادات بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد ثم في عهد مبارك عندما تحولت المواجهة بين القومية العربية التي تبثها السعودية لمواجهة ما اسمته إيران الفارسية ثم الشيعية واليوم السعودية ومصر سمن على عسل ولكن بطل مشروع خط أنابيب النفط والغاز المار من شرق السعودية بفلسطين المحتلة لينتهي في عسقلان مهددا مكانة قناة السويس لصالح العدو الصهيوني.
وإذا أخذنا علاقات السعودية بكل من العراق والأردن وسوريا واليمن والسودان والمغرب وقطر وغيرها من الدول العربية نجدها في مد وجزر واختلاف وتوافق، ومن يحاول نبش التاريخ والتركيز على الاختلافات بين الدول الشقيقة لإلحاق الأذى بالشقيق لا تكون محاولته بريئة، إنما يبحث عن ذريعة يتخفى خلفها ليقوم بعمل شائن يخجل منه ولا يجد له مبررا غير تشويه التاريخ والكذب على شعبه فوراء الأكمة ما وراءها.
كان هذا الشرح الممل لأصل إلى الهدف الذي من ورائه استضافت قناة العربية شخصية سعودية غابت عن المشهد الإعلامي نحو أربعة عشر عاما، وكانت في مواقع مهمة في الإدارة السعودية، ظل رئيس جهاز المخابرات السعودي وسفير المملكة لاثنتين وعشرين سنة في واشنطن ليكيل الاتهامات للقيادة الفلسطينية من عام 1919 حتى عام 2020 ويمتدح القادة الصهاينة ومجازرهم واحتلالهم لأرض فلسطين والأقصى والقدس.
يشتم الحاج أمين الحسيني الرمز الديني والوطني لشعب فلسطين في الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية ويتهمه بالنازية ويشمل بشتائمه الرئيس الشهيد ياسر عرفات رمز الثورة وقائد الشعب الفلسطيني ويشوه موقفه من دخول الجيش العراقي واجتياحه لدولة الكويت في عهد الرئيس صدام حسين.
ولا يجد في تاريخ أبو عمار إلا أنه استعار طائرة هذا المسؤول السعودي، أعني بهذا الأمير بندر بن سلطان وطاف بها على عديد الدول ومن بينها كوريا الشمالية، إلى هذا المستوى يهبط الأمير بندر ويتناول بتجريحه شعب فلسطين ليقول إن فلسطينيا في نابلس رفع علم العراق عام 1991 وهتف لصدام أثناء غزو الكويت: ولم يسلم الرئيس أبو مازن وإسماعيل هنية من لسان بندر.
كلام كثير سمعنا مثله على مر الأعوام ولا أقلّه أن الفلسطينيين باعوا أرضهم لليهود وهم يعلمون أن أكثر شعب على هذه الأرض يتمسك بأرضه ويدافع عنها ويضحي من أجلها هو شعب فلسطين، وفي زمن التطبيع الخليجي سمعنا وقرأنا تغريدات لسعوديين وإماراتيين تقول إن فلسطين ليست قضيتي. ولم نتوقف عند هذا، رغم إدراكنا أن ضبا لا يخرج من جحره في تلك الدول إلا بإذن ولي الأمر.
الغريب أن شتائم السعودية جاءت على قناة العربية التي تكاد تكون الناطق الرسمي باسم المملكة العربية السعودية والأكثر غرابة أن المتحدث في القناة هو الأمير بندر بن سلطان الدبلوماسي العريق ورجل الاستخبارات المتنفذ، فكيف ينزل إلى هذا المستوى من المن والأذى والإسفاف والاستخفاف بالقضية الفلسطينية وقيادة الشعب الفلسطيني ويتحدث كلمة في الشرق وأخرى في الغرب ويخاطب شعب المملكة بهذه السطحية، أم أن وراء الأكمة ما وراءها.
ما وراء بندر هو التبرير للتطبيع وما قد تقدم عليه السعودية من خطوات وإن بدأت هذه الخطوات بالدفاع عن خطوة الإمارات والبحرين الخيانية في التطبيع مع الكيان الصهيوني وفتح المجال الجوي السعودي أمام الطيران الإسرائيلي.
وصمود القيادة الفلسطينية أمام صفقة القرن الأمريكية وخطة الضم الإسرائيلية وإفشالها وضع بعض الأنظمة العربية في حرج كبير خاصة تلك الدول المطلوب منها أمريكيا التطبيع مع الكيان الصهيوني قبل يوم الانتخابات الأمريكية في الثالث من نوفمبر القادم.
لن ترحم الإدارة الأمريكية هذه الأنظمة لفشلها في تطويع القيادة الفلسطينية في قبول صفقة القرن والخضوع للإرادة الأمريكية لذلك نجد الأمير بندر في هذا الموقف الحرج على قناة العربية بعد غياب قسري.
يظهر ليشوه التاريخ والقضية المركزية للأمة العربية والإسلامية قضية فلسطين وقيادتها، وهو يعلم أن للمملكة السعودية مكانة خاصة لدى القيادة الفلسطينية وشعب فلسطين كما هي مكانة مصر وسوريا والعراق.
والكويت والمغرب وتونس والجزائر واليمن ولبنان وكل الدول والشعوب العربية دون أن تتخلى القيادة الفلسطينية عن قرارها الوطني المستقل أو تكون تابعا لهذا النظام العربي أو ذاك، لذلك على بندر ومن حركة وسمح له بالخروج على قناة العربية أن يدرك أن عقد لقاءات المصالحة الفلسطينية في لبنان أو تركيا أو الأردن أو سوريا أو قطر أو مصر يندرج ضمن سياسة القيادة الفلسطينية في استقلالية قرارها وعدم تبعيتها لأي من الأنظمة العربية أو غير العربية.
ومحاولة تجميع الصف الوطني الفلسطيني يجب أن تثلج صدر كل العرب سواء عقدت الاجتماعات في تركيا أو مصر في قطر أو المملكة السعودية.
هم القيادة الفلسطينية اليوم مواجهة صفقة القرن وخطة الضم وتصفية القضية الفلسطينية والتطبيع العربي المجاني مع العدو الصهيوني ولا أخال الأمير بندر تخفى عليه هذه الحقائق ولكن وراء بندر ما وراءه، وليحفظ الله الملك سلمان ويرحم ملوك السعودية بداية من الملك المؤسس عبد العزيز ومرورا بالملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله صاحب المبادرة العربية التي خانها حاكم الإمارات محمد بن زايد وملك البحرين وأملي أن يدرك بندر أهمية ما ذكر بأن الملك فهد رفض الإشارة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني عام 1985 في لقائه مع الرئيس ريغان كما ذكر بندر ويحذو حذو السادات.
لا ننكر كفلسطينيين شعبا وقيادة الأيدي البيضاء لملوك السعودية فهم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى، فلماذا يمن ويؤذي بندر شعب فلسطين وقيادته.. كثير من المراقبين أجابوا على هذا السؤال ولا حاجة لنا بتكرار ما ذكر وما يختفي وراء سخافات بندر على قناة العربية.