السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ماذا يعني استبدال "حرس الحدود"!/ بقلم: عصام بكر

2020-10-08 11:43:21 AM
ماذا يعني استبدال
عصام بكر

تحت ذريعة فيروس كورونا يتم بشكل صامت، وأحيانا علني تم اتخاذ المزيد من الخطوات التي يهدف الاحتلال من خلالها لتكريس سياسة الأمر الواقع، فحالة الطوارئ التي تعيشها البلاد منذ مطلع العام الجاري بفعل انتشار الفيروس تتطلب اتخاذ إجراءات وقائية تشمل عزل مناطق، ومنع الحركة، والتنقل، وأحيانا الإغلاق التام، وهي إجراءات متبعة أيضا في عدد كبير من دول العالم ارتباطا بالحالة الوبائية، وما تحتمه من إجراءات السلامة العامة.

غير أن الوضع في فلسطين يختلف بحكم خصوصية الوقوع تحت الاحتلال فبالإضافة للإجراءات التي يتم تطبيقها في العديد من الدول عندنا سياسات أخرى ترمي لتكريس هيمنة الاحتلال من بينها استعار حمى البناء الاستيطاني، وتكثيف حملات الاحتلال، وفرض الإغلاقات التي هدفها إحكام السيطرة عبر الحواجز المنتشرة في الضفة الغربية، ومحيط وداخل مدينة القدس التي تتعرض لحالة خنق شاملة في كافة مناحي الحياة ناهيك عن الحملات الممنهجة في السجون، وعدم اتخاذ التدابير الوقائية لحماية الأسرى، وهو ما يكذب بشكل واضح، ويدحض مزاعم احترام القرارات الدولية حيث تم تسجيل إصابة العشرات من الأسرى بفيروس كورونا دون أن يتم تقديم العلاج اللازم لهم، ومراعاة المواثيق الدولية التي تحمي حقوقهم، وتلزم الدولة القائمة بالاحتلال باتباعها وقت الأزمات والكوارث.

الملفت في هذه القرارات إعلان جيش الاحتلال مؤخرا استبدال ما يسمى وحدة (حرس الحدود) التي تعمل على الحواجز (المشهود) لمن يعمل فيها بسلوكهم العدواني الوحشي المطبوع في أذهان الفلسطينيين ضمن تقاسم للأدوار مع وحدات جيش الاحتلال، والأذرع المختلفة في المؤسسة الأمنية، وتستذكر أعدادا كبيرة، ويترسخ داخلها مسلسل بشع، وتاريخ طويل من الأعمال غير الإنسانية التي يقوم بها حرس الحدود خصوصا على الحواجز، والسادية في التعامل مع  الناس، والمس بكرامتهم، ووجبات الضرب المبرح التي تأتي في إطار السلوك الطبيعي "المعتاد" عبر تعاملها اليومي باعتبار المواطنين الفلسطينين ليسوا من البشر وصولا لسرقة أموال، ومصاغ، وممتلكات أخرى دون أدنى قيود أو أخلاق، ورغم تقديم عدد كبير من المواطنين شكاوى إلا أنها كانت تذهب أدراج الرياح دون أي متابعة في معظم الحالات.

القرار بتغيير هذه الوحدة من (حرس الحدود) الذي يبدأ العمل به خلال الأيام القادمة بالتأكيد ليس لصالح تخفيف ما يقوم به الجنود بحق الشعب الفلسطيني يوميا، وهو أيضا لا يأتي في إطار "صحوة ضمير" انتابت مناطق صنع القرار في جيش الاحتلال بل يتعدى ذلك لخدمة أهداف سياسية مبيتة ينص عليها برنامج حزب الليكود صراحة ويتزعم الائتلاف الحكومي في إسرائيل الذي يعتبر الضفة الغربية (يهودا والسامرة) وتقع في قلب المشروع الاستيطاني امتدادا لأراضي (دولة إسرائيل) حيث لا فرق بين ارئييل، وتل أبيب بالمعنى الأيديولوجي لحزب الليكود.

ومن المعروف أن حرس الحدود الذي تأسس العام 1949 ومن اسمه هو الجهاز الذي يرابط بالأساس على المناطق (الحدودية) وكان حتى هذا القرار قبل أيام له دور ضمن مهامه الأخرى في العمل على الحدود باعتباره أحد أذرع ما يسمى جهاز الشرطة، وعدد كبير فيه هم من العرب أو الدروز لكن بالعودة لقرار الاستبدال فإن المقصود منها برأيي بعد استكمال مشروع الضم الذي شارف على الانتهاء على أرض الواقع، وعزل القدس في مراحله الأخيرة وبعد (إنجاز) مشروع المعازل بين المحافظات لم يعد بنظر القائمين على الجهاز أهمية لتواجد حرس الحدود على هذه الحواجز في حين تصبح المسؤولية المباشرة ( للجيش) في عملية تبادل للأدوار، وعملية تمرين طويل الأمد لقياس مدى سيطرة، وإحكام السيطرة على الأراضي الفلسطينية وسط مخاوف اندلاع انتفاضة فلسطينية، وتدهور الأوضاع على ضوء المتغيرات، والتطورات الجارية ومن ضمنها ارتفاع عدد المناورات العسكرية التي يجريها الاحتلال، وإخلاء بعض القرى كما يجري في الأغوار، وعمليات الاقتحام اليومي، والاعتقالات الواسعة في صفوف المواطنين، وإحكام السيطرة يترافق مع إطلاق يد المستوطنين باعتبارهم الذراع الضارب للاحتلال في الضفة الغربية الذي توكل إليه مهام ترويع السكان، ومهاجمة القرى والبلدات، وسرقة الأراضي المتواصلة.

ما يقوم به الاحتلال من استبدال ما يسمى حرس الحدود، وإن بدا في ظاهر الأمر أنه مرتبط بمهمات السيطرة على كورونا، ويمكن أن تمر المسألة دون التفات أحد إلا أنه فعلا يقع ضمن سيناريوهات أخرى معدة سابقا لأغراض سياسية، وأمنية تخدم في النهاية مشروع الاستيطان الاستعماري للاحتلال، وخطواته العنصرية التي من بينها جدار الفصل العنصري أحد ركائز المشروع، وثبت أنه لم يبنى لأغراض أمنية، وإنما خدمة لأهداف سياسية بحته.

وبرأيي أن قضية استبدال حرس الحدود بمدلولاتها السياسية بعيدة المدى أن تفضح مزاعم الاحتلال، وأن لا تمر هذه الخطوة مرور الكرام، وقد يسأل سائل ما الذي سيتغير على أرض الواقع؟؟ لأن تغيير الزي أو الجندي لا يغير السياسة المتبعة!! وهذا صحيح تماما لكن التغيير الفعلي هو في المضمون الذي يكرس واقع الحال على أرض الواقع، ولا تعني أن حرس الحدود لن يكون متواجدا في الضفة الغربية او التعقيدات اليومية لحياة الناس ستنتهي بل على العكس هذا سيكون ضمن جزء من تطبيق "السيادة " الاسرائيلية فعليا، وتمزيق ما تبقى من وحدة الأرض الفلسطينية عبر حواجز، وبوابات دائمة، وحواجز "طيارة "هدفها تحويل حياة المواطن لعذاب أكثر قسوة من الموجود حاليا، وإغلاق، ومنع التواصل بين المدن والقرى في اي لحظة تتطلبها تطورات الوضع الميداني بحسب تقديرات المستوى الأمني والسياسي .